كتب : محمد البنا | الخميس، 09 مارس 2017 - 08:55
سيرجي.. أعظم قصص كرة القدم
تضع الأم يديها على أذني رضيعها الذي لم يتمم شهره الرابع حتى لا يفزع من صراخ والده بعد هدف رونالد كومان الذي هز شباك سامبدوريا بعد 112 دقيقة ليمنح برشلونة أول لقب كأس أوروبا في مايو 1992.
"بيسكا بارسا..بيسكا بارسا" كانت تتردد على لسان روبرتو كارنيسير بطريقة جنونية في حي ريوس الذي يقع في مقاطعة طراجونة داخل إقليم كتالونيا.
تجارة النبيذ والروحيات هي أشهر ما يميز مدينة ريوس الإسبانية، حتى ممارسة الرياضة أشهرها هوكي الصالة، لكن لا أحد يتحكم في شغفه.
فطفل الثامنة فضّل لعب كرة القدم وهو يكاد يعرف كيف يدفع قدمه الصغيرة داخل الحذاء لتحرك كرة تخفي جزء كبيرا من ساقه خلفها.
أراد سيرجي لعب كرة القدم، لم يبحث عن الشهرة أو يفكر فيها، فقط أراد ممارسة لعبته المفضلة من خلال أحد الأندية المغمورة المحلية في ريوس ويدعى باري سانت كروس.
---
الاحتفالات تعم مقاطعة طراجونة الكتالونية في هذه الأثناء، إذ نجح برشلونة في التتويج بالليجا بعد غياب خمس سنوات وذلك موسم 2004-2005، هنا تذوق سيرجي فرحته الأولى ليعلم معنى الكلمات التي صرخ بها والده وهو لم يتمم شهره الرابع.
عين الطفل صاحب الـ12 عاما تلمع برؤيته للكرة تتلاعب بين قدمي رونالدينيو، يتخيل نفسه يجاور هذا العظيم خاصة بعد أن شاهده يمرر الكرة للاعب قصير القامة يشبه قوامه قليلا لكنه أعسر يدعى ليونيل ويحمل القميص 30 وعمره فقط 17 عاما.
تنهمر الدموع في أعين سيرجي وهو يودع أصدقائه الذين قضى معهم في سانت كروس أربعة سنوات حتى وصل إلى عامه الثاني عشر لكي ينتقل لفريق طراجونة جيمانستيك الأكبر في المقاطعة.
لكن ما جفف دموع سيرجي هي رؤية الاحتفالات في إقليم كتالونيا تنفجر بعد تتويج برشلونة بدوري أبطال أوروبا 2005-2006.. هذه المرة وهو مرتديا قميص لا ماسيا.
--
اقتحم سيرجي روبرتو مدرسة برشلونة لإنتاج المواهب الصغيرة.. ما لبث سوى ثلاث سنوات حتى تم تصعيده إلى فريق برشلونة ب تحت قيادة لويس إنريكي في 2009.
لعب سيرجي أولى مبارياته مع رديف برشلونة في عامه الـ17 ولعب 22 مباراة في عودة الفريق للدرجة الثانية لأول مرة منذ 11 سنة.
"هو رائع كالعادة.. هو أكثر من مجرد لاعب لأنه يبلي بلاء حسنا في أي موقع أطلبه منه" هكذا تحدث عنه لوتشو.
لويس إنريكي الذي لعب ظهيرا تحت قيادة بوبي روبسون ثم انتقل إلى مركز الجناح ثم مهاجم ثم إلى خط وسط في فريق مليء بالنجوم، وجد من يكرر ما فعله الإنجليزي معه.
فمع رحيل داني ألفيش أحد أفضل ظهراء اليمين في العالم وندرة اللاعبين في هذا المركز، لجأ إنريكي للاعتماد على سيرجي روبرتو في هذا المركز، بخلاف مشاركته كلاعب وسط في مباريات كثيرة وكجناح أيضا.
وقال عنه إنريكي: "هو لاعب كل المراكز.. أينما أحتاجه أجده".
حتى أن روبرتو لم يعلن تذمره من الاعتماد عليه في أكثر من مركز، بل صرح: "أشكر المدرب على كلماته، لقد لعبنا جيدا وأعتقد أن هذه هي الطريقة التي علينا الاستمرار بها، الآن يجب علي العمل بقوة أكبر".
--
"الدقيقة 77، برشلونة يحتاج إلى ثلاثة أهداف.. ما يفكر فيه إنريكي مستحيل" هكذا يتحدث العقل الباطن لسيرجي روبرتو وهو يجلس على الخط ويستمع للتعليمات الأخيرة باللعب الكل في الكل، فلا شيء يبكي عليه برشلونة.
باريس سان جيرمان يركض ويستغل المساحات خلف دفاع برشلونة، لكن أنخل دي ماريا يهدر انفرادا تاما لقتل المباراة.. العرق بدأ يتصبب والأعصاب تنفلت من الجميع.
مدرجات كامب نو تبكي، وباريس بدأت تتراقص على أنغام أغنية "ذا شامبيوووونز"، ولم لا؟ فربع نهائي دوري الأبطال بات قريبا.
هدفان متتاليان من نيمار لا تعني شيئا، فمازال برشلونة في حاجة لهدف سادس.. الآن النتيجة 5-1.
هل هي صحوة الموت؟ تكرار الأحداث تدور في رأس سيرجي..
"بيسكا بارسا" تتكرر الآن بعد أن سمعها روبرتو وهو بين ذراعي أمه قبل 25 عاما.. هذه المرة يعي معناها، لا يجد أمامه سوى الدخول في منطقة جزاء باريس لعل وعسى.
تلك الكرة التي كانت تغطي جزء كبيرا من ساقه، ينجح في الوصول لها بأطراف أصابع قدمه اليمنى، ليحقق أعظم حكايات كرة القدم في التاريخ.
حدث المستحيل،
"نحن مع إنريكي حتى الموت" هكذا اختتم سيرجي روبرتو كارنيسير الرواية غير الخيالية جزئيا.
--
فقبل المباراة صرح لويس إنريكي
" لدي إيمان بطريقة لعبنا في مباراة باريس سان جيرمان، ولا شك في ذلك، خلال 95 دقيقة بإمكانك التمرير وفعل أشياء كثيرة، لكن عليك أن تخلق مواقف تجعلك أقرب لمرمى الخصم".
- الحكم احتسب خمس دقائق وقت بدل ضائع
"نحن في جولة مقسومة على مباراتين، وإن كان الخصم قد سجل 4 أهداف فنحن سنسجل 6 أهداف، لم نفعل ذلك مرة بل عدة مرات، ولا يعني ذلك أن علينا أن نكون كالمجانين ونحتسب عدد الأهداف المطلوبة على عدد الدقائق".
- برشلونة سجل ثلاثة أهداف بداية من الدقيقة 87.. وثلاثة في أول 50 دقيقة.
أيضا لويس سواريز قال قبل المباراة: "إذا كان هناك فريق قادر على تعويض خسارة أربعة أهداف، سيكون برشلونة، كل شيء ممكن في الكرة الحديثة، أطالب مشجعينا بالصبر".
كان هذا قبل المباراة، التي ستكون فاصلا في تاريخ كرة القدم.. مثلما ظلت عودة ليفربول أمام ميلان في نهائي 2005 مثالا يحتذى به في العودة القوية، ستنقسم كرة القدم إلى جزء ما قبل عودة برشلونة.. وآخر إلى ما بعدها.
لا أخفي انتمائي إلى ريال مدريد، لكن ما فعله برشلونة إعجازا وددت أن أعيشه وأحضره حتى أرويه بعد سنوات طويلة أنني شاهدت هذه الملحمة مباشرة.
شكرا كرة القدم.
ناقشني عبر تويتر
مقالات أخرى للكاتب
-
السطور الأخيرة في أزمة صلاح الإثنين، 27 أغسطس 2018 - 20:07
-
مقال رأي - الحوت الأبيض الجمعة، 13 أبريل 2018 - 20:35
-
مقال رأي - لماذا لا يفوز الزمالك الجمعة، 15 ديسمبر 2017 - 02:07
-
شيكابالا.. رسائل ياماجوتشي في صراع البقاء أو الاختفاء الإثنين، 13 نوفمبر 2017 - 10:57