أشرقت شمس يوم الخامس من مارس لعام ١٩٨٦ علـى ميلاد طفل جديد بشارع العناني بحري بمحافظة أسوان ليختار له أهله اسما لم يدم معه طويلا “محمود عبدالرازق”، والذي حفظته الجمهور عن ظهر قلب بلقب آخر.
محمود والذي حرص والده علـى غرز ثمار الانتماء لبلده ومحافظته في قلبه ومعهما "الأبيض ذو الخطين الحمر"، لم يكن يعلم أنه سيحصدها وقتما يتبعه ابنه، فكانت النتيجة تجديده لطاقة عشق النادي في نفوس أرهقها اليأس في سنوات عجاف.
في شوارع بلدته التي يتميز أهلها بطيبة القلب، اختار ذلك الطفل الأسمر كرة القدم لتشاركه طفولته بل وتبني معه مستقبلا دونه التاريخ لحظة بلحظة، فمن مرحلة إبهار كل من حوله بمراوغته لكل ما هو كائن حي أمامه، إلى قرار العيش بمفرده في محافظة آخرى.
الموهبة التي صفق لها أهله وجيرانه شجعت أخوه على منحه لقبا كاد ليحتفظ به لنفسه وهو “شيكابالا”، وكانت دافعا لأسرته لتقديم أوراقه بمدرسة الموهوبين بالقاهرة وهو لم يكمل بعد عامه العاشر، والتي منها فتحت له أبواب المجد "عبر الصدفة"، صدفة دفعت شيكابالا بالذهاب لنادي الزمالك رفقة أحد أصدقائه، ليبدأ حلم مع كيان اعتاد مرافقة والده أثناء متابعته وتشجعيه منذ سنواته الأولى، ومن هنا بدأت القصة، قصة لاعب أحبته الكرة فجذب من خلال مهارته أعين كل من تابعه ليكون ضمن الفريق الأول وهو في السادسة عشر من عمر.
لعب شيكابالا مع الفريق الأول بنادي الزمالك بعدما أعجب به المدير الفني كابرال، ووقتما كان يضم بين صفوفه أسماء لامعه في تاريخ الساحرة المستديرة كحازم إمام ومحمد صبري وحسام حسن وغيرهم، برز ورد الجميل للمدرب الذي منحه تلك الفرصة الذهبية بهدف في أول ظهور له أمام غزل المحلة، ليهديه القدر لقب ثمين انتزعه نادي الزمالك في المباراة الأخيرة من المسابقة التي اشتهرت باسم "دوري سيد عبدالنعيم" وبطولة إفريقيا وغيرهم فيما بعد.
وبعدما عاش فترة قد تكون هي الأبرز في حياته وسط كوكبة من أبناء النادي وغيرهم من الذين ساهموا في زيادة عدد ألقابه، انضم إلي باوك اليوناني ليبدأ معهم مشوار احتراف لن ينساه طيلة حياته، فكيف لذاكرة الغزال الأسمر أن تغفل عن فترة نُقِشت في أذهان مشجعي النادي اليوناني، فهو الذي أطلقوا عليه هناك لقب “ريفالدو اليونان”.
القدر لم يكن رحيما به كما هو الحال في فترات عدة في بقية مشواره، أعاده التجنيد لبلده ولناديه من جديد، وفي سنوات الظلام الكاحل التي مر بها نادي الزمالك من مشاكل إدارية وفريق ليس على وزن اسم النادي، كان هو النور في أعين الجماهير فاعتبروه قائدا بدون شارة، وملجأً وحيدا لتفريغ همومهم حتى وإن كان عبر معاتبته على ظروف أبدا لم تكن بيده.
هو الأمل البعيد والرمز الصامد والعاشق المثالي والسند في أحلك الظروف لناديهم ولهم حينما كان الإحباط رفيقهم، فرفض أن يتملكهم وكان سبيلا لزيادة عشقهم للنادي مع نشأة أجيال جديدة على حبه، تربوا على عازف لأجمل سيمفونية بدون آلة موسيقية ولا مسرح يعتليه ويقدر موهبته ويدعمها ويحميها.
حب بالفطرة للزمالك هو هدية أهداها والد شيكابالا لطفله الذي فتح عيناه على انتماء له، فاعتبرها وصية أخذ يسقيها لناشئ النادي الذين تعلقوا به أكثر بسبب حب شيكابالا وغيرته عليه.
دائما ما يعشق الجمهور لاعب بقدر ما منحهم من ألقاب، ولكن مع شيكابالا الأمر يختلف، غابت البطولات، انكسر الفريق، تزعزع استقرار النادي، لم يحنو أحدا عليه فظلم نفسه وظُلم، رحل من النادي وقرر الاحتراف مجددا لفترة قصيرة قبل أن يعود لمصر باحثا في حطام الذكريات عن قشة تقوي ظهره المحني، كل شئ حوله تغير حتـي جدران النادي التي يشهد كل شبر فيها حكاية صعوده وصموده أيضا تغيرت، ولكـن بقى محمود عبدالرازق “شيكابالا” أسطورة لن يغيرها الزمان، ولم تفقد بريقها ولن تخلو مذكرات العاشقين من اسمه الذي سيعيش حتـي لحظة فناء البشر.