" لقد كنت جزء من كرة القدم عبر أربعة عقود، منها 11 عاما علي التوالي، حتى في أيام الأحد، دون راحة إطلاقا، مصحوبا بالكثير من الأوجاع والآلام، ووجه مدفون في العشب الأخضر أو حتى الوحل، وفي مقابلة خصوم لن يترددوا كثيرا من ركل رأسي بدلا من الكرة".
بقميص قطني رمادي اللون، طرز علي صدره أقصى اليسار علم إيطاليا.. يتدلى من فوقه ياقة عريضة زرقاء داكنة بنفس لون قميص إيطاليا المعروف.. يكفي أن يصف لك أحدهم ذلك القميص لتعرف على الفور أن صاحبه هو دينو زوف أحد اهم 3 حراس عبر التاريخ مع ليف ياشين و جوردون بانكس.
وإن كنت من محبي جمع ملصقات كرة القدم في ألبوم بانيني الشهير فيكفيك أن تحصل على صورة وحيدة لدينو زوف، فباقي الصور التي يفصل بينهم زمنيا 16 عاما متماثلة تماما. تبدلت الوجوه والقمصان وقصات الشعر وبقى زوف ثابتا تماما كتمثال إيطالي نحته دوناتيللو في عصر النهضة.
ولد زوف في شمال شرق إيطاليا في قرية تقوم علي الزراعة في الأساس، بزغ نجمه صغيرا في حراسة المرمي إلا أنه عندما اختبر في أندية يوفنتوس وميلان بحلول عامه الـ14، تم رفضه لصغر حجمه فكانت الإجابة عند جدته المزارعة أديلايد.. "يجد على دينو أن يأكل الكثير من البيض".
وخلال خمس سنوات زاد طوله 33 سم، مما أقنع نادي أودينيزي أن يضم هذه الموهبة، فترك دينو زوف عمله كميكانيكي لكي يمارس كرة القدم كلاعب محترف في عمر الـ19 و يبدأ رحلة ستستمر لمدة 22 عاما.
شارك زوف في أربعة كؤوس عالم، بداية من مونديال المكسيك 1970 ثم مونديالي 1974 و1978 بألمانيا الغربية والمكسيك على التوالي مختتما مشاركاته بالبطولة الأهم في مسيرته.. بطولة كأس العالم إسبانيا 1982 و التي حمل كأسها كأكبر فائز بكأس العالم في عمر الـ40.
دخلت إيطاليا كأس العالم 82 ببداية متعثرة تتضمن 3 تعادلات ثم فوزين على الأرجنتين والبرازيل في جيلها الأهم على الإطلاق لكي تقابل بولندا المجددة آنذاك وتتغلب عليها وتنتزع كأس العالم من ألمانيا في النهائي.
زوف كان من أهم لاعبي هذا الفريق المتوج بكأس العالم، ففي عامه الـ40 كان محاطا بالكثير من الشكوك حول مدى إمكانية الاعتماد عليه وقدرته على التواصل مع لاعبي فريقه الذي يبلغ البعض منهم نصف عمره.
إلا أن كل تلك الشكوك تبددت تماما في مباراة البرازيل بعد أن انقذ زوف مرمى إيطاليا من التعادل في أخر دقيقة بعد أن وقف العالم على قدميه وهم يراقبون زيكو يسدد برأسه الكرة على بعد 8 أمتار من المرمى الإيطالي إلا أن الجميع وقف محدقا في الشاشات غير مصدق وهو يرى زوف ممسكا بالكرة بكلتا يديه في تحد واضح للجميع بما فيهم الطليان الذي شككوا فيه كثيرا قبل البطولة.
علق زوف فيما بعد علي هذا المشهد قائلا "إنه أهم تصدي في حياتي".
لعب زوف لأندية أودينيزي ومونتوفا ونابولي ويوفنتوس محرزا مع الأخير 6 ألقاب دوري وكأسي كوبا إيطاليا وكأس الاتحاد الأوروبي. ويملك رقما قياسيا بالحفاظ علي نظافة شباكه 1142 دقيقة بين عامي 1972 و1974
يقول عنه باولو روسي "دينو زوف هو اللاعب الذي حمل على عاتقه هموم الفريق. كان سندا لنا كلنا".
كما يقول بيبي سيفرجنيني الصحفي الإيطالي الشهير إن "إيطاليا المتعارف عليها للجميع عن طريق صور للتلال في غروب الشمس وبساتين من الزيتون وأشجار الليمون و الفتيات الجميلة تختلف تماما عن إيطاليا التي يحيا بها الطليان، تلك المتاهة شديدة الاغراء والتعقيد في نفس الوقت.. إيطاليا ببساطة هي ورشة العمل الوحيدة في العالم القادرة علي اعدادك لتكون بوتشيلي (المغني الأوبرالي الشهير) او لتكون سيلفيو بيرلسكوني ".
في إيطاليا متقلبة المزاج والأهواء من الصعب أن تبقي ثابتا إلا إذا كان لديك من القدرة علي العمل المتواصل والمثابرة كما كان يملك دينو زوف و كما يقول علي نفسه " كل ما حققته كان عبر العمل الجاد فقط".
ربما يعرف البعض زوف المدرب الذي خسر لقب أوروبا لصالح المنتخب الفرنسي بالهدف الذهبي عام 2000 إلا أن عظمة دينو زوف تبقي في كونه أكبر الحاصلين على كأس العالم في التاريخ.