أن تقود فريقا مثل ليستر سيتي من الزحام على منافسة القاع إلى الفوز ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز في سيناريو أسطوري، لن يكون ذلك شفيعا من أجل بقاءك حين تتراجع النتائج.
في خطوة مفاجئة قرر نادي ليستر سيتي حامل لقب البريمير ليج في الموسم الماضي التخلي عن خدمات مدربه الإيطالي كلاوديو رانييري بسبب تراجع النتائج هذا الموسم ودخول الفريق في دوامة المنافسة على الهبوط.
"قرار مؤلم ولكنه ضروري" كان هو التعليق الرئيسي في البيان الرسمي للنادي الذي أعلن من خلاله عن هذا القرار، ليصبح رانييري الذي فاز بجائزة أفضل مدرب في العالم في 2016 حسب الاستفتاء الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم قبل شهرين من الآن، جزء من ماضي النادي.
البعض يعتبر الإقالة منطقية في الظروف العادية. جوزيه مورينيو كان بطلا للبريمير ليج مع تشيلسي في الموسم قبل الماضي، ولكن ذلك لم يشفع له لكي يكمل أكثر من نصف موسم مع البلوز خلال الموسم الماضي حين تراجعت النتائج.
موسم رانييري بالطبع لم يكن خاليا من الأخطاء، بداية من التخلي عن نجولو كانتي في الصيف، والذي كان يمثل أهمية قصوى، وعدم تعويضه بشكل مناسب، وعدم تعديل تكتيك الفريق بما يتناسب مع النقص الذي سببه رحيل اللاعب الفرنسي.
أضف إلى ذلك هبوط مستويات من تألقوا بشكل كبير في الموسم الماضي. رياض محرز وجيمي فاردي لم يقدما هذا الموسم نصف ما قدماه خلال رحلة التتويج في البريمر ليج. كما أن الكفاءة الدفاعية والتماسك نقص بشكل حاد.
شغف الفريق نقص بشكل حاد، وهو ما استاء منه رانييري حسب العديد من التقارير.
لتكون المحصلة هذا الموسم خلال 25 جولة من الدوري، هو 5 انتصارات فقط كان أخرها في ديسمبر الماضي، و6 تعادلات، و14 هزيمة. أرقام لا تليق بفريق حامل للقب مع تجاوز أكثر من نصف الموسم. ذلك بالإضافة إلى توديع الفريق لبطولة كأس الاتحاد الإنجليزي أمام فريق ميلوال، تلك الهزيمة التي أنهت على كل شيء بالنسبة لرانييري وعلاقته مع الإدارة.
الغريب في قرار الإقالة هو التوقيت. فالنتائج متراجعة منذ فترة طويلة وكان من الممكن إقالته قبل عدة أسابيع، ولكن جاءت الإقالة بعد مباراة الذهاب في ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا، والتي وصل إليها الفريق وشارك فيها بفضل رانييري في المقام الأول، حيث حقق رانييري نتيجة مقبولة خارج ملعبه أمام فريق متمرس أوروبيا مثل إشبيلية، وأحيا آمال الصعود الذي سيكون تاريخيا إن حدث.
كان من الممكن الانتظار لحين خوض مباراة الإياب، ولكن قرار إدارة ليستر جاء مفاجئا وسريعا بعد أسابيع قليلة من بيان رسمي قاموا بإصداره، أعلنوا من خلاله دعمهم الكامل لرانييري حتى نهاية الموسم.
الأغرب في الأمر، أن "ديلي ميل" البريطانية نشرت تقريرا من كواليس الإقالة تحدثت فيه عن أن اللاعبين فقدوا ثقتهم في المدرب الإيطالي، وأن كبار لاعبي الفريق اجتمعوا مع الإدارة ورأوا صعوبة استكمال الموسم في وجود رانييري.
الغريب حقا والمثير للدهشة هنا هو مصطلح "كبار لاعبي الفريق" في ليستر سيتي، الذي صنع رانييري أسطورته ومنح هؤلاء اللاعبين الشهرة والثقة. ولكنهم خذلوه في النهاية.
القرار كان مفاجئا للجميع. رانييري أجبر الجميع على احترامه خلال الموسم الماضي، فكانت تعليقات أغلب المديرين الفنيين في البريمير ليج معبرة عن حزنهم من أجل هذا القرار القاسي.
ولكن كما أجمع أغلبهم، فـ "هذه هي كرة القدم".
جاري لينكر، أسطورة كرة القدم الإنجليزية ومهاجم ليستر سيتي في التسعينيات، قال في تصريحات لـ "بي بي سي" البريطانية أنه يشعر باستياء كبير بسبب هذا القرار الذي يراه غير موفق.
ووصف لينكر القرار بأنه "يبرز عدم عرفان أو تقدير من ملاك النادي لما قدمه رانييري".
وأضاف: "أقال تشيلسي مورينيو خلال الموسم الماضي نظرا لتراجع النتائج لأن المتوقع من فريق بحجم تشيلسي هو أن يكون في المقدمة. لكن الأمر يختلف في ليستر، فما حققه الفريق في الموسم الماضي بفضل رانييري هو أكبر معجزة أشاهدها في تاريخ كرة القدم".
وختم حديثه بنقطة هامة: "ليستر امتلك شعبية كبيرة خلال الموسم الأخير بفضل ما ساهم فيه رانييري. قرار بهذا الشكل سيضر بشعبية النادي".
السؤال الهام الآن.. من يصبح خليفة رانييري؟
من يكون المدرب الجديد الذي يمتلك تلك الكاريزما التي تجعل الجماهير تثق فيه بشكل سريع لتحاول أن تتناسى رحيل المدير الفني السابق.. والأهم، أن يستطيع إنقاذ الفريق من كبوته وأن يبقى في البريمير ليج، وربما يتمكن من تحقيق أفضل شئ ممكن في مباراة العودة أمام إشبيلية؟
القرار يجب أن يكون سريعا من أجل العمل على الفترة المقبلة، والبدأ في رحلة البقاء وانقاذ الموسم، والتي تبدأ مساء الإثنين القادم حين يستضيف ليستر سيتي فريق ليفربول على ملعب "كينج باور".
الترشيحات تتعدد في الصحافة الإنجليزية التي منحت ثلاثة مدربين الأفضلية لتولي تدريب ثعالب ليستر في الفترة المقبلة.
1- روبيرتو مانشيني
أسهم المدير الفني الإيطالي تكون الأعلى في الترشيحات خلال الساعات الأخيرة.
مدير فني متمرس وصاحب شخصية قوية، وربما يكون قادرا على إنقاذ الموسم وتوظيف اللاعبين بأفضل شكل، وله خبرة جيدة في الدوري الإنجليزي الممتاز من خلال تتويجه مع مانشستر سيتي باللقب من قبل.
قد لا يكون مانشيني محببا للكثيرين من متابعي كرة القدم، وتجربته الأخيرة مع إنتر ميلان لم تكن موفقة بشكل كبير، ولكن تواجده مع ليستر سيتي يكون مفيدا خلال ما تبقى من هذا الموسم على الأقل.
موقف مانشيني لا يزال مبهما. وكل ما فعله حيال رانييري في الساعات الأخيرة هو تدوينة قام بنشرها على حسابه على موقع "تويتر" يعرب فيها عن أسفه لما حدث مع رانييري، ومتمنيا له التوفيق فيما هو قادم، كما قال أن رانييري على كل حال أصبح جزء لن ينسى أبدا من تاريخ ليستر سيتي.
2- نيجل بيرسون
قد يعود ليستر سيتي إلى قواعده القديمة، ويمنح فرصة جديدة لمديره الفني السابق نيجل بيرسون، والذي أنقذهم من الهبوط في الموسم قبل الماضي، وقدم كرة قدم جيدة للغاية مع الفريق.
بشكل أوضح، فإن بيرسون البالغ من العمر 53 عاما، في الحقيقة هو صاحب البداية لما أكمله رانييري بشكل أكثر من مثالي مع حلول نهاية الموسم الماضي.
حتى مع قدوم رانييري، فإن الاستهجانات الصحفية بدأت في الانتشار عن مدير فني قادم من تجربة سيئة مع منتخب اليونان، جاء ليحل محل بيرسون الذي قدم مستوى مقنع مع ليستر سيتي وكان أجدر بالبقاء.
ولكن إليكم هذه الحقيقة. بيرسون لم يكن ليحقق ما حققه رانييري في الموسم الماضي.
ولكن في هذا الوقت وفي هذه الظروف، قد يكون بيرسون خيارا مثاليا لنهاية الموسم على الأقل. فهو يعرف أغلبية اللاعبين بشكل جيد، وقد يكون قادرا على تنظيم الصفوف وإعادة الثقة بشكل سريع.
في اعتقادي، نيجل بيرسون قد يكون الخيار الأمثل حتى نهاية الموسم.
3- فرانك دي بور
شخصيا، لدي قناعة بأن فرانك دي بور مدير فني مميز للغاية ويحتاج لفرصة ومساحة أكبر، وقد تكون هذه هي الفرصة المناسبة.
بدأ دي بور هذا الموسم مع إنتر ميلان في ايطاليا بشكل مفاجئ بعد رحيل مانشيني. لم يحصل على فرصة مناسبة لخوض فترة إعداد مع الفريق، ولكنه حاول الاجتهاد.
حقق إنتر في عهد دي بور فوزا غاليا على يوفنتوس، ولكن الأمور بعد ذلك لم تسر على ما يرام، ليصبح دي بور كبشا لفداء سوء النتائج، والتي تحسنت مع خليفته بيولي، المتمرس في أمور كرة القدم الإيطالية.
ليس للمدير الفني الهولندي الشاب البالغ من العمر 46 عاما، خبرة سابقة تذكر في الدوري الإنجليزي الممتاز، ولكنه يمتلك الشغف والرغبة في التحسين، وقد يكون خيارا جيدا لليستر سيتي على مدى سنوات بعيدة.
قائد أياكس امستردام فنيا حتى نهاية الموسم الماضي حقق 4 بطولات من الدوري الهولندي كمدرب ليضيفها إلى 5 ألقاب أخرى حققها معهم كلاعب، كما كان مساعدا لفان مارفيك في رحلة منتخب هولندا إلى وصافة كأس العالم 2010.
اختيار دي بور قد يكون مجازفة كبيرة أو مجنونة، ولكنها تستحق.
على كل حال، لا يرغب أي متابع لكرة القدم أن تكون نهاية حكاية ليستر سيتي الأسطورية هي الهبوط للدرجة الاولى بعد موسم واحد فقط من التتويج باللقب.
ولكن قصة ليستر سيتي برمتها كانت مرتبطة بوجود كلاوديو رانييري وردود فعله وانفعالاته وشغفه. ومع رحيله، قد يقل التعاطف قليلا.