أندريس إنييستا هو ذلك اللاعب الذي سيتسبب لنا جميعا في حزن كبير عندما يعتزل كرة القدم، ولكن الحياة تمضي قدما لذلك يجب أن يأتي من يعوض ذلك الغياب –وإن كان لا يعوض في الحقيقة-. تعج أوروبا بالكثير من لاعبي الوسط أصحاب الجودة العالية، منهم هذا الثنائي: كوتينيو الذي ارتبط اسمه بالفريق الكتالوني خلال السنوات الثلاث الماضية على الأقل، وهناك كريستيان إيريكسن ابن توتنام الذي صنع في آياكس… وهو خياري المفضل.
بالنسبة لبرشلونة، فالأمر يتلخص في البحث عن بديل بمواصفات وخصائص محددة لخلافة إنييستا الذي تقدم به العمر وبات على مقربة من الخروج من الباب الكبير. الأمر ليس بالسهل، يتبع بطل إسبانيا فلسفة محددة داخل الملعب يتشربها الصغار خلال فترة تواجدهم بالأكاديمية وحتى وصولهم إلى الفريق الأول، لذلك يبدو النجاح أسهل دائما لخريجي الأكاديمية عن أقرانهم من المنتدبين.
“البحث عن لاعبين قادرين على اللعب لبرشلونة ليس أمرا سهلا على الإطلاق” هكذا يصيغ المدير الرياضي لبرشلونة، روبرت فيرنانديز، العبارة ببساطة.
الشائعات والتقارير المنتشرة عبر أرجاء أوروبا في السنوات الأخيرة أكدت اهتمام برشلونة بالحصول على خدمات البرازيلي فيليب كوتينيو. البرازيلي الذي تم استبعاده من قائمة منتخب بلاده النهائية لكأس العالم 2014 تعامل مع هذا الأمر على أنه تحدٍ شخصي واليوم، يدين كوتينيو بالفضل لذلك الاستبعاد الذي جعله ينفجر في وجه الجميع بقميص ليفربول الأحمر، ليقدم لنا عروضا استثنائية.
الثلاثي الخطير في ترسانة برشلونة الهجومية غير قابل للمساس: ميسي، نيمار وسواريز، وهي ذات المنطقة التي ينشط بها كوتينيو لذلك، يبدو أن تحجيم قدراته ووضعه في الخلف قليلا حيث يتمركز إنيستا دائما لن يخرج من كوتينيو أقصى ما لديه. كما أن هناك أيضا منافسة من الوافدين الجدد أندري جوميش، دينيس سواريز ورافينيا الذي يحبه المدرب لويس إنريكي. مقارنة المجهود البدني الذي يمكن أن يقدمه هذا الثلاثي بكوتينيو لن يكون في مصلحة البرازيلي، خاصة في حالتي جوميش ودينيس… أما رافينيا فليس بمثل تلك الخطورة عندما تتعلق الأمور بالحالة البدنية.
لكن المنافس الأخطر على الإطلاق يأتي مثله من الدوري الإنجليزي: كريستيان إيريكسن. لاعب توتنام هو أنسب من يحل عقدة برشلونة لأكثر من سبب، وقد تأتي بعض النقاط في صالحه على حساب كوتينيو كذلك… فنيا وبدنيا.
يقول القائد التاريخي لبرشلونة، تشافي، عن كوتينيو: “لطالما اعتقدت أنه لاعب مميز، لا يوجد لاعب وسط في أوروبا أفضل منه. كما أنه لا يوجد لاعبين كثر بإمكانهم تطوير كرة قدم برشلونة.” ونحن لا نتفق معه –في بعض الأجزاء-.
أما لاعب ومدرب آياكس السابق، فرانك دي بور، فيقول عن كريستيان إيريكسن: “لاعبون بمثل هذه الجودة ولديهم تلك العقلية الإحترافية، بالنسبة لأي مدرب هم النوعية المثالية.” ونحن نتفق معه –تماما-.
يفضل كوتينيو اللعب الحر وهو قادر على تسجيل الأهداف دائما، لكن برشلونة ليس لديه مشاكل مع هذا الأمر فالثلاثي الأمامي قادر على التسجيل كل يوم إذا لزم الأمر. كما أن تواجد كوتينيو في الخلف قليلا لن يساعده على إخراج أفضل ما لديه كما ذكرنا سابقا.
في المقابل، هناك يقين لدى بعض الجماهير أن إيريكسن صانع ألعاب متقدم يقدم دور اللاعب رقم 10 فقط وهو إدعاء ليس دقيقا تماما وينتقص من جودته كلاعب وسط قادر على تأدية أكثر من دور. إذا ما راجعنا الدور الذي كان يقوم به مع آياكس قبل انتقاله للدوري الإنجليزي، أو حتى ما يقدمه مع توتنام سنتأكد من ذلك.
يقول إيريكسن: “طريقة لعبنا في سبيرز تتطلب ضغطا قويا على الخصم من الجميع لذلك من الصعب أن أقف وأتفرج. إذا لعبت في المركز رقم 10 من قبل فأنت تعلم أنهم كانوا يقفون ويفعلون ما يفعلونه فقط. لا أعتقد أن هذا الأسلوب متاح الآن.”
أما آياكس الذي يتبع تشكيلة 4-3-3 داخل الملعب كان تحت قيادة المدرب فرانك دي بور بين 2010 و2016 وشارك معه إيريكسن بصفة مستمرة منذ وصوله للفريق الأول بعد فترة ناجحة له في الأكاديمية.
إذا أين كان يلعب إيريكسن في 4-3-3؟ ثلاثي الوسط في هذه التشكيلة عادة ما يستلزم وجود لاعب ارتكاز قوي متخصص في إفساد هجمات الخصم، أما الثنائي الآخر فيجب أن يكون مبدعا أكثر عندما تكون الكرة بحوزته… هنا يأتي إيريكسن. لاعب الوسط الذي يميل إلى اليسار قليلا.
يذكرنا هذا كثيرا بطريقة لعبة برشلونة وهي 4-3-3 أيضا، والدور الذي يقدمه إنييستا منذ فترة ليست بالقليلة مع الفريق في وسط الملعب مائلا لليسار قليلا. هناك تطابق كبير في متطلبات المركز وخواص اللاعب –تكتيكيا- بين إيريسكن وإنييستا في هذه النقطة.
الدنماركي لديه من المرونة التكتيكية ما يكفي للتألق في أي دور يؤديه داخل الملعب: 4-3-3 مع فرانك دي بور، 4-4-2 و 4-2-2-2 مع تيم شيروود، وأخيرا 4-1-4-1 و 4-2-3-1 مع ماوريسيو بوكيتينو مدربه الحالي في توتنام.
أثناء التنقل بين هذه الطرق المختلفة شاهدنا إيريكسن يلعب في أكثر من مركز: لاعب وسط ثالث، صانع ألعاب متقدم وجناح أيسر وأيمن. أن يتوفر لديك ذلك اللاعب الذي يعطيك أكثر من حل، هذا ما يتمناه أي مدرب بالتأكيد، لكن بوكيتينو يرى أن هناك المزيد ليصل له إيريكسن.
“إنه لاعب موهوب جدا ونحن سعداء بوجوده معنا. لكنه يستطيع أن يتطور أكثر من ذلك أيضا. في الشهور الأخيرة رأيناه يتطور كثيرا نعم. ولكن علينا أن ندفعه للمحاولة كي يصل إلى مستوى مختلف تماما.”
ما الذي يجعله قادرا على خلافة إنييستا؟ الرؤية.
الذكاء والوعي التكتيكي داخل دماغ إيريكسن إضافة إلى قدرته على قراءة الملعب، كل تلك الخصائص تجعله أحد أهم لاعبي الوسط الهجومي في إنجلترا وأوروبا بالمفهوم المتطور لهذا الدور. عندما تكون معه الكرة فإنه يجد الحل دوما ولكن إذا ما راقبته خلال الفترات التي تكون الكرة فيها بعيدة عنه ستكتشف السر خلف نجاحه. إيريكسن متسلل بارع من الدرجة الأولى!
مرة أخرى، هذا هو ما يبحث عنه أي مدرب. لاعب يتفهم جيدا متطلبات دوره بوجود الكرة معه أو من دونها، كيف يساعد رفاقه على فتح الثغرات في التكتلات الدفاعية للخصم. شاهد هذا الفيديو وراقب ماذا يفعل إيريكسن في وسط الملعب بتشكيلة 4-1-4-1 التي يتبعها بوكيتينو.
إذن كيف يرى إيريكسن نفسه؟
“أنا لا أتوقف عن الحركة، لطالما كنت كذلك. والأمر ليس أنني أحب الركض بل الحصول على الكرة، إذا كنت ذكيا كفاية فلن تحتاج للركض كثيرا.”
إجابة جيدة، أليس كذلك؟
هناك نقطة أخرى تؤكد لنا الرابط الخفي بين إيريكسن وإنييستا يحكيه الدنماركي في حوار سابق له مع جريدة تليجراف:
“لست ذلك اللاعب الذي يراوغ 20 لاعبا بجوار الخط، أنا ذلك الشخص الذي يتسلل ويمرر الكرة لبناء شيء ما، لخلق شيء ما. أكثر من أقدره هو أندريس إنييستا. طريقة لعبه على مدار سنوات طويلة رائعة للغاية، إنهم يركضون أقل في برشلونة مع وجود الكرة بحوذتهم أكثر.”
هل اتضح الأمر الآن؟
الحارس الأيقوني لهولندا، إيدوين فان دير سار، توقع لإيريكسن النجاح في إنجلترا ولم يخشى عليه الوقوع في دوامة “الموهبة التي ستتلاشى سريعا”:
“إنه يلعب بكلتا القدمين، سريع للغاية مع الكرة أو بدونها وكراته العرضية من الركنيات وتسديداته من الركلات الحرة ممتازة. لذلك أعتقد أنه سيكون لاعبا عظيما إذا ما ذهب إلى توتنام.”
أما مارتن يول المدير الفني السابق لآياكس فيراه نتاج جيد للأكاديمية كويسلي سنايدر ورافايل فان دير فارت، كما وصفه سابقا ب “قارئ جيد للملعب في المركز رقم 10 الكلاسيكي” كالثنائي الهولندي، ومايكل لاودروب الذي لعب لآياكس أيضا.
بدنيا، يبدو إيريكسن في حالة ممتازة طوال الوقت. أتى الدنماركي إلى لندن في ال 21 من عمره وكان نحيفا للغاية، أما الآن وبعد أربع سنوات من اللعب في المسابقات الإنجليزية نرى جسدا منحوتا ذو بنية عضلية جيدة… والفضل كله يعود لبوكيتينو وفقا لكريستيان إيريكسن نفسه.
“الدهون أصبحت أقل وازدادت كتلة الجسد، يبدو أنني في شكل جيد. أستطيع الركض نعم، ولكن القوة والعنف قد تغيرا وهو ما يفضله بوكيتينو.”
ربما سيجد إيريكسن الأمر مختلفا في إسبانيا إذا ما قدر له ارتداء القميص الأحمر والأزرق يوما، تبدو المساحات أوسع هناك من تكتلات إنجلترا، كما أن الكرة الإسبانية لا تعتمد بشكل مبالغ فيه على الالتحامات البدنية العنيفة مقارنة بالدوري الإنجليزي وسائر المسابقات الكروية في دول الكومونويلث الأوروبية. كما أن تاريخه مع الإصابات سيكون نقطة أخرى في صالحه، بينما كوتينيو الذي يتعرض للإصابات كثيرا سيجد نفسه بعيدا في هذا الشق من المقارنة.
إنييستا هو لاعب إيريسكن المفضل كما صرح هو بنفسه، لكنه يحاول صنع نسخته الخاصة ولا يفضل أن يكون محاكيا فقط. البراعة في الركلات الحرة هي مدخله.
“أحب إنييستا لكنني أحاول أن أفعل الشيء الخاص بي، إضافة الركلات الحرة. أتدرب على تسديد الركلات الحرة بعد نهاية كل مران منذ فترة طويلة جدا. إنه شيء لا يحدث لك في ليلة، تحتاج لتكرار هذا الأمر حتى تتمكن منه.”
“أفضل من رأيتهم كانو بيرلو، رونالدينيو، جونينيو لاعب ليون ودافيد بيكام.
“لدي طريقتي الخاصة في التسديد. عندما تسنح لي الفرصة فأنا أعلم تماما أين على الكرة أن تذهب وكيف لي أن أرسلها لوجهتها.
“هذا ما أفعله: أضع الكرة على الأرض، أنظر للحائط، أنظر للحارس، أفكر فيما شاهدته عن هذا الحارس وأين يقفز. ثم خمس خطوات للوراء، دائما خمس خطوات، نظرة أخرى على الحارس ثم أسدد.”
النجم مايكل لاودروب يرى هو الآخر أن على برشلونة خطف إيريكسن في حوار مع موقع Goal.com:
“لديه قدمين مذهلتين ورؤية ممتازة. قد لا يكون أسرع لاعب في الملعب لكن عقله كذلك وهو ما يجعله مختلفا عن كل الشباب الصغار.
“إنه يسجل الأهداف أيضا، ركلاته الحرة معروفة كما أنه يصنع العديد من الفرص لزملائه.
“إلى أي مدى بإمكانه الذهاب؟ إنه من نوعية برشلونة ولكن هل بإمكانه الوصول إلى هناك حقا؟ علينا أن ننتظر ونشاهد. ربما العام القادم أو الذي يليه حيث سيكبر ويكون في قمة قدرته على العطاء.
“توتنام فريق كبير في إنجلترا لكنه يستطيع الذهاب إلى بلد آخر مثل إسبانيا لاظهار ما لديه، سيكون الأمر مثيرا للاهتمام. إيريكسن لديه القدرة الفنية لفعل ذلك.”
هناك ذلك التطابق وهناك تلك الرغبة، يبدو أنه أمر حتمي إلا إذا قرر أحدهم غض الطرف عن العقل الفذ لكريستيان إيريكسن الذي احتفل أمس بعيد ميلاده ال 25. إيريكسن الذي فشل في اختبارات تشيلسي وقضى خمسة أيام مع ميلان قبل الفشل الذي بدل مسار حياته مع برشلونة عندما كان في السادسة عشر من عمره. نعم، ذهب إيريكسن إلى هناك من قبل ولم تسر الأمر على ما يرام معه.
“3 لمسات فقط خلال 90 دقيقة هو كل ما حصلت عليه. حرفيا.”
كان الأمر قاسيا عليه قبل أن يتجه إلى فريق آياكس تحت 17 عاما، ليجد الأسطورة دينيس بيركامب مدربا له… ومن أفضل من بيركامب ليلقنك دروسا في استخدام العقل وتوظيف الذكاء واصقال الرؤية داخل الملعب!
لا ينسى إيريكسن إلى اليوم ما حدث معه في برشلونة، بل يفعل ما قد يكون “انتقاما” في ألعاب الفيديو.
“كنت ألعب فوتبول مانجر عندما كنت صغيرا في آياكس وبدأت أظهر في تلك اللعبة، كنت أضع نفسي قائدا للفريق واختار القميص رقم 10 ثم أجعل نفسي أنتقل إلى برشلونة.”