كتب : مصطفى عصام
الصراع لم ينته بين الفراعنة و الأسود غير المروضة، بمجرد الانتهاء من القرن الفائت، حين أسدل الإتحاد الأفريقي الستار و أعطى كلمته الأخيرة: الكاميرون هي منتخب القرن الـ 20 بـ 45 نقطة تاركة خلفها نيجيريا في الوصافة ب 42.5 نقطة و مصر الثالثة ب 40 نقطة.
من المعلوم أن ديربي الغرب الإفريقي يتمثل بمواجهتي الكاميرون و نيجيريا، أما ديربي القارة بأكملها فدوما كان بين الفراعنة و الأسود التي لا تقهر، فمنذ متى بدأ الصراع ؟
طالع الحلقة الأولى من حكاية الصراع المصري الكاميروني
الجيل الكاميروني الحالي لم يسبق له من قبل أن عاش على أرضية المعلب فصلا من فصول مصر الباردة للأسود و بالتالي لم يعش أيضا أيام التفوق الكاميروني، ولكنه تابعها متلفزة، إما بكل فخر أو بكل أسى!
أما الجيل المصري، فهناك من لعبوا من قبل و سبق لهم ترويض الأسود مثل أحمد فتحي و المحمدي، و شخص واحد فقط عايش أكبر تفوق كاميروني و أحيا مسيرته الدولية بعد ذلك من قلب ياوندي في المأساة الكاميرونية بأقدام المصريين يوم 10 أكتوبر، وهو عصام الحضري!
عهد ما قبل شحاتة
يمكن تقسيم الألفية الثالثة لعهد ما قبل حسن شحاتة وما بعده، بدايات المنتخب في الألفية الثالثة مع الجنرال محمود الجوهري بالتأكيد لم تضاهي مجده مع نفس الشخص في بداية التسعينات بالوصول لكأس العالم، أو التتويج المفاجئ بكأس الأمم في بوركينا فاسو 1998، والتي ربما أحس الكثير بتشابه ظروفها مع ظروف الكأس الحالية من مدرب لا ينتظر منه تقديم إنجاز (الجوهري- كوبر) و جيل أراد ترجمة إنجازات ما قبل المنتخب الأول ( ذهبية دورة الألعاب الإفريقية 1995- التأهل لأولمبياد لندن وكأس الأمم الأفريقية للشباب 2013).
تلك الفترة الوردية تلك لم تلاحق الجوهري في نهايات ولايته بالخسارة المفزعة أمام السعودية في كأس القارات، و البدايات الحالمة بعد مأساة جيرار جيلي بأفضل أداء لتصفيات لعبها المنتخب المصري في محاولة التأهل لكأس العالم 2002، و التي أنهتها ظروف وتعادلات كثيرة خارج الأرض.
في 2002 ذهب الفراعنة إلى كأس الأمم الإفريقية، صحبة الحضري ذو التاسعة و العشرين ربيعا وقتها، في اختبار صعب على ملعب موديبو كيتا في العاصمة المالية باماكو. مشوار في المجموعات بدأ بخسارة في وقت متأخر أمام السنغال و انتصار رائع على تونس بهدف حازم إمام، و عرض قوي أمام زامبيا ينتهي بهدفين مقابل هدف غريب في مرمى الحضري.
تحت أعين مراد الدعمي من تونس، تلتقي مصر مع الكاميرون، ذلك المنتخب المرعب الذي قدم عروضا لا تقارن في القارة السمراء منذ مطلع الألفية الجديدة بانتزاع ميدالية ذهبية في سيدني من المنتخب الإسباني بركلة ترجيح بيير وومي الأخيرة، و كذلك خطف الكأس الأفريقية من أمام النسور الخضراء من عقر دارهم.
على ملعب بايمبا تراوري بمدينة سياسكو، نزل المنتخب المصري بالقميص الأحمر الذي يتشائم منه الجوهري كثيرا بعد الخسارة به أمام السنغال ولكن مجبر أخاك لا بطل، القميص الأحمر يواجه استعراض الكاميرون بزي غير مألوف في عالم كرة القدم كاد أن يكلفهم الكثير. (ابحث عن السبب في السطور القادمة)
تشكيلة مصرية ضمت نجوما أبرزهم الحضري ومحمد بركات الذي لعب كوسط ارتكاز لأول مرة وحازم إمام وأحمد حسام "ميدو" في مواجهة أسود ملحمة سيدني وكأس الأمم في مقدمتهم ريجوبير سونج وبيير وومي وسالمون أوليمبيه والراحل مارك فيفيان فوي وجيريمي نجيتاب والمهاجمان الأكثر ترويعا في القارة صامويل إيتو وباتريك مبوما.
فرض الجوهري على المنتخب المصري في هذه المباراة أداء أكثر من واقعي فلم نصل تقريبا إلي ما بعد منتصف ملعب الكاميرون سوى في تسديدة لأحمد صلاح حسني اصطدمت بالراية ويتندر بها جمهور الفراعنة حتى الآن.
في المقابل كان الأداء الكاميروني أكثر ضراوة وانتهى بهدف قاس من رأسية لا ترحم من مبوما، حتى الأن نعجز عن استرجاعها عبر مقاطع الفيديو على Youtube والتي لا تحوي أية تسجيلات لتلك المباراة و كأنها محت تلك الذكرى السيئة ولكن رصاصة مبوما لا تزال عالقة في الأذهان.
دارت الأيام وبعد عامين عاد الفراعنة لمواجهة المنتخب الكاميروني وهذه المرة على ملعب الطيب المهيري في سوسة، أملا في جلب انتصار يعبر بهم إلى الدور القادم، ولكن المنتخب المصري غاب عن هذه المباراة و بشدة، و كان من المألوف التندر بقول أن عبد الواحد السيد يلاعب نجوم الكاميرون وعبد الظاهر السقا الذي كاد أن يحرز هدفين في مرماه، لتكتب الكاميرون النهاية المحبطة لمحسن صالح مع منتخب مصر.
و لكن ما تلى ذلك، ترويض كامل للأسود التي لا تقهر.
الصحافة المصرية ممثلة في جريدة الأهرام تعنون بالبنط العريض: مبروك.. مصر تتأهل لنهائيات كأس العالم 2006.
قد يكون مضمون المانشيت غريبا بعض الشئ نظرا لأنه صادر عام 2004 قبل التصفيات بعدة أشهر، و لكن سياق ومضمون الخبر يتحدث عن إعلان الإتحاد الدولي خصم ست نقاط من رصيد الكاميرون بسبب عدم الالتزام بالزي المنصوص عليه من أجل مباريات كرة القدم.
بالطبع أصبح عنوان الخبر مفهوما الآن، اعتبرنا أن كوت ديفوار والكاميرون وليبيا وبنين خارج المنافسة وحصرناها مع الكاميرون، و لكن حدث العكس وكالعادة حلم النقاط الست ذهب هباء منثورا كحلم مباراة ليون وحلم إعادة لقاء الجزائر بعد أحداث عنابة 2001، و خطفت كوت ديفوار بطاقة التأهل أو بالأحرى انتزعناها من الكاميرون و قدمناها لهم على طبق من فضة، فكيف!!؟؟
بداية تصفيات 2006 من أجل الوصول لبرلين، هي البداية المثالية بانتصار خارج القواعد طال انتظاره على حساب السودان، إلا أن ديديه دروجبا كتب فصلا بارداً من فصول رواية ستنتهي بالتأهل للمونديال حين سجل هدفيه في مرمى الحضري في الأسكندرية، بالإضافة لفصل التعادل في كوتونو أمام بنين 3-3 وإشراك حسن مصطفى كظهير أيسر و طارق السيد بديلا (قد نجد كوبر اليوم مجبرا بظروف الأصابات على اختراع كهذا).
قبل أن يواجه الفراعنة الكاميرون بعناصر شابة مثل حسني عبد ربه ومحمد شوقي وأحمد فتحي ومحمد عبد الوهاب ورامي عادل إضافة لنجوم الدوري محمد أبو تريكة وبشير التابعي وحسن مصطفى وطارق السيد مزودين بسلاح الخبرات ممثلة في أحمد حسن ونادر السيد أمام الكاميرون الملتزم هذه المرة بتعليمات الفيفا على ملعب الجبل الأخضر.
عزف المنتخب المصري و لأول مرة مقطوعة رائعة وتقدم بثلاث أهداف برأسية عقدة الكاميرون الأزلية محمد شوقي وركلة جزاء أحمد حسن ثم تلاعب طارق السيد بسونج في يسارية الهدف الثالث القاتل.
ولكن كعادة أداء تارديللي، فعل كل شئ بالكرة مع المنتخب و ترك الأمور الأكثر هامشية تتحكم بالنتائج، كان من المألوف صوت حمادة إمام الراحل معلق المباراة و هو يحذر نادر السيد من الخروج من مرماه مرتين و الدفاع الغافل عن الرقابة في أخر لحظات المباراة، لنتلقى هدفين في دقيقة تقريبا و نسمع بصوت لافت الرجل بجوار كابينة الإذاعة بالراديو من تعليق طارق الأدور و هو يتمتم "يا حبيبي يارب لأجل حبيبك المصطفى تسترنا"، لتنتهي المباراة بفوز عسير ينبئ ربما بصحوة الانطلاقة لنواة هذا الجيل المصري الناشئ الذي لم يكن يتوقع أحد سيطرته فيما بعد على القارة لست سنوات متصلة.
الصحوة وهذا الجيل الناشئ يحتاج إلى "معلم" سبق له أن تعامل مع هذا الجيل، ليستقر اتحاد الكرة على حسن شحاتة بعد تعثرنا أمام ليبيا في طرابلس.
شحاتة يكمل المشوار بخسارة متوقعة وأكيدة في أبيدجان أمام الإيفواريين، إلا أن مفاجأة تحدث أثناء لقائنا مع بنين في القاهرة، يأتي نبأ عاجل من أبيدجان، الكاميرون تخطف فوزا غاليا من ملعب أسيك على كوت ديفوار بثلاثة أهداف لهدفين، ليحيي الأسود آمالهم في تأهل للمونديال في حال الفوز في ياوندي أمام مصر التي فقدت كل أمل في التأهل، أما كوت ديفوار فعليها فقط الفوز على السودان وانتظار ما يحدث في ياوندي.
ملعب أومني سبور يتحول لكارثة وأولى قصص ترسيخ العقدة المصرية للكاميرون، بعد رجوع عصام الحضري للمنتخب بعد غياب لعام و نصف تقريبا المنتخب المصري يزلزل الأرض تحت البساط الكاميروني ويسرق تعادلا برأسية محمد شوقي في الدقيقة 78، ويضيع وومي المتخصص ركلة جزاء في الدقيقة السادسة من الوقت بدل الضائع، لتكون بداية بناء حاجز ثقة وأرض صلبة تدعمنا أمام الكاميرون ومأساة للأسود يريدون ردها الصاع صاعين، وجميل لن تنساه كوت ديفوار في تأهلها الأول لكأس العالم بعد فوزها على السودان برياعية في أم درمان.
بالتأكيد كانت هناك حكاية خفية بعدها بأقل من ثلاث شهور، حين صممت مصر في مباراة المجموعة الأولى من كأس الأمم الإفريقية على الفوز وليس غيره أمام كوت ديفوار، أولا لتتلافى مواجهة الكاميرون الغاضبة متصدرة المجموعة الثانية و مواجهة الكونغو، وثانيا استمرار اللعب على استاد القاهرة.
الإيفواريون أخرجوا لكاميرون من دور الثمانية بعد ماراثون لا ينسى وبدورنا تغلبنا عليهم مرتين وفزنا بالبطولة.
لعب مفتوح وفوز
لسان حال المصريين الآن التحسر على اللعب الهجومي المفتوح طيلة مباريات أمم أفريقيا 2008، صحيح أن النتائج كالعادة تنسي أن الفريق المصري لم يقدم في البطولة سوى 70 دقيقة رائعة في المباراة الأولى أمام الكاميرون والـ20 الأخرى دفاع محكم، وشوط واحد فقط أمام السودان وباقي البطولة حصار من زامبيا في أخر مبارايات المجموعة الثالثة ومباراة مرت بالدعاء أمام أنجولا في دور الثمانية منها هدف أحرزه عمرو زكي كما أخبرني ضاحكا أحد الأصدقاء بحجابه الحاجز، أما مواجهة كوت ديفوار فلا داعي لذكر هدف أحمد فتحي المضحك وخطفات عمرو زكي ومرتدة أبو تريكة ومحمد زيدان، والنهائي أمام الكاميرون كان حذرا من الفريقين وبعد الهدف ضغط كاميروني لا مثيل له.
و لكن كي لا نظلم شحاتة، ففاعلية الفريق هجوميا وعدد الفرص المخلوفة كل مباراة تفوق كوبر، ولكن الفارق في الأدوات وانسجامها وهذا لا ينكره أحد، فارق واسع وملحوظ.
في السبعين دقيقة أمام الكاميرون، قدمت مصر أحلى كرة قدم بداية بركلة جزاء عبد ربه مع اختلاط التعليق الفرنسي بالتلفزيون المصري وتشتيت هاني سعيد السليم والهجمة المرتدة "النموذج" بصوت أشرف شاكر بنقلات "متعب و تنتهي بحذاء زيدان"، ثم تسديدتين هائلتين لزيدان وعبد ربه، لم يعكر الصفو كالمعتاد سوى رأسية إيتو وركلة الجزاء بتوقيعه، و لكن سيظل معروفا و محفورا بأن أجمل أداء مصري قدم بأمم أفريقيا كان أمام الكاميرون في نسخة 1996 وانتهاءها بالخسارة وفي نسخة 2008 وانتهاءها بهذا النصر الكبير.
نهائي 2008 أو ربع نهائي 2010 نموذجان يجب أن يحتذي بهما كوبر في العموم، في 2008 أن تبادل خصمك بالهجوم أولا بأول، و لكن دون أن تنفتح خطوطك وتوجد المساحات، وحتم اللعب على أخطاء المنافس فمهما بلغت قوتهم و قدراتهم البدنية إلا أن الأخطاء التكتيكية والهفوات ستظل موجودة كعون وسلاح نفسي ينتصر به أهل كرة القدم في شمال إفريقيا أو الكرة العالمية أمام "سذاجة" كرة الغرب والجنوب الأفريقي في المحافل المهمة، من بين تلك الأخطاء نتذكر أبرزها من الكاميرون
سونج وزيدان في الأنفاس الأخيرة لنهائي إفريقيا 2008
جيريمي وجدو في 2010
و لماذا ندور في فلك بعيد عن واقع وشاغل كوبر؟ أو بالأحرى بعيد عن الظروف القاسية من قائمة منقوصة وفرق اللياقة الشاسع عن الأسود غير المروضة نتيجة تلاحم المباريات، سنذهب لسيناريو 2010، الكاميرون تدخل المباراة ولا بديل سوى الثأر لهزيمتي 2008، ونكسة المونديال عام 2005. إيتو في المؤتمر الصحفي يتحدث عن مكسب لن يأتي سوى بالدم، والمنتخب المصري يلجأ لسيناريو التوازن وغلق المساحات واللعب على المرتدات.
وقعنا وقتها في سيناريو نتمنى ألا نراه مع كوبر، وهو سيناريو التأخر بهدف، فلا أتمنى أن نجرب كوبر في سيناريو مضغوط وعصيب مثل ذلك في نهائي أمم أفريقيا، صحيح أن تعامل شحاتة بعد الهدف لم يكن الأمثل ولم يلحقه سوى تسديدة أحمد حسن من مكان غريب وتذهب بهامش كبير من التوفيق في المرمى، إلا أن تعامله بعد التعادل يشبه كوبر كثيرا، ظل متحفظا وساكنا إلى أن أتت لحظة الانقضاض بكرة جدو و تسديدة الصقر، ثم تفرغنا للأداء الجمالي كالكرة التي أمامنا بين الصقر و سيد معوض.
كرة هيكتور كوبر، في نظر الكثير هى كرة شريرة، تقطع المزيد والمزيد من المسافات وتتدخل شرطة أخلاق الكرة الجميلة والممتعة واللعب البهلواني لإنقاذها من أجل المستديرة، توقفت كرة البرازيل الممتعة سنة 82 أمام شر إيطاليا المستطير بهجماتها المرتدة المحكمة، ولن أضرب أمثالا باليونان 2004 أو إيطاليا في يورو 2000، لأن الجميع سيخرج بألف سبب وسبب للنقاش.
و هذا ليس الهدف، الهدف الأن هو كل السبل الممكنة لوضع النجمة الثامنة، ولو بأعمال منافية لأدبيات كرة القدم، ثم نجتمع على طاولة مستديرة مع أكواب الشاي و نتناقش ما يفعله "مولانا كوبر".