الصراع لم ينته بعد بين الفراعنة و الأسود غير المروضة، بمجرد الانتهاء من القرن الفائت، حين أسدل الإتحاد الأفريقي الستار و أعطى الكلمة الأخيرة، الكاميرون هي منتخب القرن الـ 20 بـ 45 نقطة تاركة خلفها نيجيريا في الوصافة ب 42.5 نقطة و مصر الثالثة ب 40 نقطة.
من المعلوم أن ديربي الغرب الإفريقي يتمثل بمواجهتي الكاميرون و نيجيريا، أما ديربي القارة بأكملها فدوما كان بين الفراعنة و الأسود التي لا تقهر، فمنذ متى بدأ الصراع ؟
حسناً دعونا نأخذ تصريحا من على لسان مارتن إيتونج الصحفي الكاميروني لموقع BBC في يوم الثالث من يناير لعام 2001 بياوندي العاصمة بعد أيام قليلة من الظفر ببطل القرن.
" الأمجاد السابقة ساعدت الكاميرون بالتفوق على نيجيريا و التتويج بلقب القرن".
"الأسماء القادمة في جيل الكاميرون هي صمويل إيتو، إيتامي، إدريسا كاميني و غيرهم يملكون المستقبل بأيديهم و يساعدهم في ذلك اللعب بأعلى الأندية الأوروبية".
"واثق من معادلتهم أو تخطيهم كإنجازات ما حصده جيل روجير ميلا، توماس نكونو، و توبفيل أبيجا".
حسناً المقدمة السابقة كانت بوقا لإعلان تحدي جديد، خلفه مواجهات مباشرة، وأعقبه دراما تأرجحت بين تفوق كاميروني ثم أزمات صدرتها مصر تبحث عن الحل.
- المقدمة، في غابات إفريقيا .. بدايات الحقبة المزدهرة للفريقين متشابكة.
لم يتعاقب سوى أسبوع فقط بين انتصار الجزائر المجيد بكأس العالم على ألمانيا الغربية بقيادة سيب ماير بهدفين لهدف و بين تعادل الكاميرون مع إيطاليا التي حازت كأس العالم في تلك السنة من تقدم لإيطاليا بالدقيقة 60 ثم تعادل مبيدا سريعا بعدها بدقيقة في كبرى مفاجأت كأس العالم بإسبانيا 1982.
وقتها، المنتخب المصري مع الألماني هيدرجوت، يتجرع مرارة الفشل بالخروج من المرحلة قبل النهائية لتصفيات نفس الكأس أمام المغرب و كذلك الخروج من تصفيا بطولة أمم أفريقيا 1982 بليبيا بالإقصاء أمام تونس و التي خرجت منها الكاميرون بثلاث تعادلات.
المغرب لاقت نفس المصير في الدور النهائي من تصفيات كأس العالم أمام الكاميرون، و التي عرفت وقتها بأنها قوة ناشئة قادمة بقوة في سماء إفريقيا ذات مشاركات متواضعة عام 1970 بالسودان بالخروج من الدور الأول و عام 1972 على أرضها بالخروج أمام الكونغو في ربع النهائي.
تكونت أغلب قائمة الكاميرون وقتها من نادي كانون ياوندي أبرز الأندية الكاميرونية و صاحب نصيب الأسد في الألقاب الأفريقية للأندية وقتها بأعوام 1971، 1978، و 1980 من لاعبين أمثال:
(توماس نكونو "و الذي صرح بوفون بأنه مثله الأعلى بحراسة المرمى" – جورج مبيدا صاحب الأسود أمام إيطاليا – إيمانويل كوندي- توبيفل أبيجا ) مع بعض العناصر المدعمة المحترفة بالخارج أمثال أنطوان بل حارس أفريكا سبور و الحارس التاريخي للمقاولون العرب و القائد روجير ميلا المحترف بصفوف باستيا الفرنسي.
في المقابل المنتخب المصري لم يضم أي لاعبا محترفا بالخارج وقتها بعد إعتزال أسامة خليل، و تركز أغلب القوام على لاعبي النادي الأهلي الحاصل على بطولة كأس أبطال أفريقيا (الخطيب- مصطفى عبده- ربيع ياسين- مجدي عبد الغني .. إلخ إلخ) و المقاولون العرب الحاصل على كأس الكؤوس و الزمالك الحاصل على وصافة درع الدوري وقتئذ.
فترة الفرنسي فيسنت مع المنتخب الكاميروني لم تتخط حاجز عام 1983، ليتولى بعده اليوغسلافي رادوفيتش و الذي لم يحقق نتائج مبهرة في الفترة بين 1982 و 1984، تلك الفترة التي شهدت عهداً جديدا للكرة المصرية مع المصري عبده صالح الوحش، و البداية مع منافسات ألعاب البحر المتوسط.
توافر الصدام.. البداية ودية.. الرسميات علامة مسجلة بتاريخ القارة.
في البداية لن نضع بالحسبان الاجتياز المصري لأسود الكاميرون في كأس أفريقيا للشباب من أجل الوصول لكأس العالم بأستراليا عام 1981، و التي شهدت بداية علو كعب النجم المصري "طاهر أبو زيد" الكاميرون بتسجيله هدف التعادل بقلب دوالا قبل الإنتصار بقلب القاهرة بهدفي القماش و طارق سليمان.
البداية عام 1983 حيث اتجه المصري عبده صالح الوحش بلاعبيه إلى الكاميرون بدوالا من أجل مقابلة الأسود لأول مرة في بلاد عرفت بغزارة المطر و انقطاع الكهرباء لفترة تطول عن 10 ساعات في اليوم وقتها.
أثر ذلك كثيراً على مجريات اللقاء الأول بين الفريقين بياوندي الذي انتهى وديا بفوز الأسود بهدفين دون مقابل، ثم أعقبه بثلاث أيام لقاء أخر بدوالا المديينة الأهدأ معقل الخصم الرئيسي لكانون ياوندي و انتهت بالتعادل بهدف لهدف.
قبل أن يتقدم السيد عبد الأحد جمال الدين وزير الشباب و الرياضة بالبدلة السافري اللبني عموم المشجعين بملعب القلعة الصناعية بمدينة المحلة، و يشهد الملعب إنتصاراً ثميناً هو الأكبر للفراعنة برباعية دون مقابل في مرمى الحارس البديل أنطوان بل.
البدايات الرسمية كانت ببطولة 1984، المقامة بكوت ديفوار، بطولة يدخلها المنتخب المصري منتشياً كأقوى مرشحيها للفوز مزودا بأفضل لاعب بالقارة محمود الخطيب و النجم الذهبي طاهر أبو زيد و نجوم الزمالك المنتشيين ببطولة الدوري و المقاولون العرب.
المنتخب في أولى مواجهاته الرسمية أمام الكاميرون، و بعد مرور 78 دقيقة، كفاح أمام نجوم أمثال المدافع القائد أبيجا، النجوم مفيدي وايبونجي والاسطورة روجيه ميلا.
كان اللقاء يتجه نحو التعادل السلبي العادل بين المنتخبين، إلا أن اللاعب رقم 12 في الفريق المصري الذي كتب علي الشاشة اسمه " سيد أبو " استفاد من ضربة حرة علي مسافة 30 مترا ليسدد كرة زاحفة سكنت مرمي الأسود في الدقيقة 76 لتخطف فوزا هاما للفريق المصري، اللاعب هو طاهر أبو زيد.
أكملت الكاميرون مشوار البطولة بالفوز في النهائي على نيجيريا، و تذوق أفضل جيل مصري في الثمانينات طعم الخروج المر أمام نيجيريا بركلات الحظ الترجيحية
و كُتب للمغامرة نهايتها أمام الجزائر في لقاء الترضية للثالث أو الرابع.
حدث تطورا كبيرا بعد ذلك أطاح بموازين القوى في المواجهات المصرية الكاميرونية لترجح كفتها ولو قليلاً نحو التكافؤ و الندية.
الأمر حدث بعد قدوم الفرنسي كلود لوروا من أجل تدريب الأسود الغير مروضة قادما من الإمارات بعد رحلة عربية قصيرة، و هذا من أجل تعويض إخفاقهم في الوصول لكأس العالم بالمكسيك لعام 1986، فيما رحل عن الفريق المصري مدربه عبده صالح الوحش، بعد نكسة التعادل أمام المغرب بالقاهرة ثم الخسارة بكازبلانكا و الإقصاء من أخر مرحلة من أجل المونديال.
إنطلاقة لوروا الشاب صاحب الثامنة و الثلاثين من عمره بدأت بمصر في كأس الأمم الأفريقية عام 1986، مشوار بدأه بمجموعة الأسكندرية و دمنهور أمام المغرب و الجزائر و زامبيا، التخطي كان سريعاً بانتصارين صعبين على المحاربين الخضر و الرصاصات النحاسية و التعادل أمام أسود الأطلس.
فيما كانت مصر المستضيفة تعاني أمام السنغال بهدف مفاجئ أربك تغييرات سميث بالتشكيل، ثم انتصارا صعب على كوت ديفوار أنهى به الفريق المصري مشواره مع الفانلة الحمراء التي تشائموا منها كثيراً بعد نكسة المغرب و رباعية إنجلترا بقلب القاهرة و خسارة السنغال.
ليلعب الفريق المصري بالقميص الأبيض، و الذي شهد تألقاً و إجادة أمام موزمبيق بهدفي طاهر أبو زيد ليعبر من أجل الدور الثاني لمقابلة المغرب و يتخطاه بهدف لن ينساه المصريين.
على ملعب القاهرة الدولي، مصر و الكاميرون مجددا وجها لوجه، تحت عزف النشيد الوطني و الحشود الغفيرة من الجماهير يتقدمهم الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، الحشود مكتملة بالغناء و الهتاف يتقدمهم المطرب محمد نوح برائعة (بلدي)، الأمر شهد 120 دقيقة من إحتراق الأعصاب، خوفاً من الكتيبة الكاميرونية بقيادة ميلا، فكانت أسود مستأنسة بالهجوم و لكنها برعت بالدفاع عن المناطق الخلفية.
الأمر تكلف تحكيم تونسي بقيادة علي بن ناصر، ليستبق بكارثة بملعب القاهرة قبل كارثة المكسيك و يد الرب و مارادونا.
إلغاء هدف صحيح لطاهر أبو زيد بداعي لمس الكرة بيده لا برأسه، الجمهور يهتف كثيراً للخطيب مرتدي الركبة طوال البطولة و معانياً من الأصابة، فتصدى القائم بتسديدة لا ترد منه.
تلاها تسديدة هائلة من مجدي عبد الغني بباطن القائم الأيسر لنكونو، يبدو إنه ليس يوم المصريين، كوندي و إيبوه و أندري كانابيك أغلقا كل المنافذ نحو المرمى، الأمر سيذهب للترجيح مجدداً.
المنتخب المصري يذهب لركلات الترجيح من نقطة الجزاء أمام بطل إفريقيا "الكاميرون" و على ملعبنا ووسط الجمهور، بظلال سابقة من الخروج أمام نيجيريا 84 و الجزائر 80 بركلات المعاناة.
سدد طارق يحيي الضربة الأولي لمصر بنجاح، وتلاه مجدي عبد الغني ، فيما أخفق مصطفي عبده، وعلي الفور كان مبيدا يهدر للكاميرون، بعدها سجل علاء ميهوب وعلي شحاته، وسجل لاعبو الكاميرون ليتعادل الفريقان 4-4.
وفي الضربة السادسة سجل أشرف قاسم فيما أخفق أندري كانا بيك لتخسر الأسود لقبها الأفريقي، ويرفع مصطفي عبده قائد المنتخب المصري كأس الأمم الأفريقية بعد غياب لمدة 27 عاماً.
لم يكتف المنتخب المصري باللقب، بل ضم الفريق المثالي للبطولة خمسة مصريين هم علي شحاتة وربيع ياسين ومجدي عبد الغني ومصطفي عبده وطاهر أبوزيد الذي فاز بالحذاء الفضي كثاني الهدافين بعد الكاميروني روجيه ميلا أحسن لاعب بالبطولة.
المغرب 1988 .. الأسود تزأر أخيراً أمام الفراعنة.
بملعب مولاي عبد الله بالرباط، لوروا يسعى للثأر من مصر بخسارة الكأس، في تصريح خاص للأونز الفرنسية أكد قبل إجراء القرعة بأنه يتمنى أن يصل للنهائي مجددا و يقابل مصر خصيصاً، و لكن القرعة لم تمهله، فأوقعت معه مصر و نيجيريا و كينيا.
سبق هذا التصريح، خروج الكاميرون من نصف نهائي دورة الألعاب الأفريقية بكينيا عام 1987 أمام مصر، بنفس سيناريو ركلات الترجيح.
و لكن أختلف هذه المرة بأن التعادل كان إيجابياً، لذا كان لزاماً على لوروا التفوق هذه المرة، و خاصة أن مستقبله مع الإتحاد الكاميروني على كف عفريت مع سماع أنباء الوقوع في براثن تونس و في طريق المغرب من أجل الوصول لكأس العالم 1990.
المبادرة أتت سريعة بهدف من روجير ميلا بعد مرور خمس دقائق من المباراة وسط مباراة سيئة من نجوم المنتخب بقيادة أحمد رفعت، ليخسر المنتخب أولى مبارياته، ثم نفوز على كينيا بثلاثية و التعادل مع نيجيريا دون أهداف لنحتل المركز الثالث بالتساوي مع نيجيريا و لكن بفارق هدف لصالحها.
بعد البطولة تولى محمود الجوهري زمام المنتخب و رحل لوروا بمفاجأة عن الكاميرون رغم فوزه بالبطولة، ليتولى بديلاً عنه الروسي فاليري نيبومنياساتشي.
المنتخبان تأهلا لكأس العالم 1990، ليكونا مصدر رياح التغيير التي هبت على إيطاليا.
مصطلح سياسي عبر عن تدفق نتائج دول العالم الثالث عبر عنه ببراعة المعلق الرياضي محمود بكر ليستخدمه مرتين الأولى في ارتقاء أومام بيك و تحليقه بهدف في مرمى الأرجنتين بطلة 1986، و كذلك في هدف مجدي عبد الغني من ركلة جزاء هولندا على ملعب باليرمو.
التسعينات .. استراحة محارب
لم تشهد فترة التسعينيات مباريات ودية أو رسمية كثيرا بين المنتخبين، و لكن من ينسى إن مصر كانت على موعد لتأكيد التأهل و الوصول للمرحلة النهائية أمام الكاميرون و غينيا عام 1993 من أجل الوصول لكأس العالم أمريكا 1994.
و لكن حرمتنا قصة الطوبة و نقل المباراة لليون و فرصة مجدي طلبة من إدراك ذلك الدور.
لقاء شهد تعادلا سلبيا فقط بدون أهداف بالقاهرة عام 1994 بحضور ميلا و مقابلة الخطيب تحت قيادة هنري ميشيل، الأمر يستدعي معتركاً أفريقيا جديدا، فلا يوجد أفضل من كأس الأمم.
المنتخب المصري بجيل ناشئ يقوده الهولندي كرول نجم أياكس سابقاً و أحد علامات الطواحين الهولندية، بقيادة الخبرات مثل أحمد الكاس و إسماعيل يوسف و هاني رمزي و مجدي طلبة كأخر ما تبقى من جيل إنجاز مونديال 90.
و نجوم الكرة بمصر أمثال هادي خشبة، ياسر ريان، نادر السيد، فوزي جمال و سمير كمونة و ياسر رضوان ... ثم أبرز نجوم ذهبية الألعاب الأفريقية بمعقل زيمبابوي عام 1995 مثل (حازم إمام – عبد الستار صبري – علي ماهر- محمد عمارة).
وقعت مصر في المجموعة الأولى مع البلد المستضيف جنوب أفريقيا و الكاميرون و أنجولا.
و كان الجيل الكاميروني في مرحلة إحلال و تجديد بعد إنقضاء عهد عواجيز الماضي بخسارة السداسية أمام روسيا في أخر مباريات كأس العالم 1994.
و بدأ في الظهور جيل وسط سيأخذ الراية بقيادة ألفونس تشامي المحترف في بوكا جونيور الأرجنتيني مع القائد أومام بيك، و ظهور نواة جيل تاريخي للكاميرون مثل ريجبور سونج المحترف في ميتز ذو ال 19 ربيعا، و أصغر لاعب في تاريخ البطولة بيير وومي لاعب كانون ياوندي ذو ال 16 سنة، و مارك فيفيان فوي.
خسرت الكاميرون أمام جنوب أفريقيا المستضيفة بثلاثية نظيفة، و ردت مصر بالفوز على أنجولا بهدفين لهدف.
وفي لقاءنا بالأسود، قدمت مصر عرضاً يصنف بأنه أفضل عروض مصر بأمم أفريقيا تحت نظر الحكم كيم لي سونج بمدينة جوهانسبرج، بدأت الفنون الكروية بقيادة عبد الستار صبري و حازم إمام، تسديدات هادي خشبة تخطئ بجوار القائم، و تلاعب من أحمد الكاس بالدفاع و يهدر بغرابة.
إلى أن أتى العقاب الكاميروني بركلة جزاء على فوزي جمال، ليترجمها أومام بيك بنجاح داخل المرمى المصري قبل نهاية الشوط الأول بعشر دقائق.
استمر أحمد الكاس في إضاعة حفنة من الأهداف، و في بداية الشوط الثاني تتعادل مصر بهدف من تسديدة لحازم إمام يتابعها علي ماهر بخطأ واضح على حارس المرمى و لكن الحكم يختسبها هدف لصالح مصر.
السيرك المصري مازال منصوباً مع كرة ترتد من العارضة من حازم إمام، قبل أن ينفرد ألفونس تشامي بنادر السيد و يضع الكرة بين قدميه، لتخسر مصر مباراة غير مستحقة أمام الكاميرون مجدداً.
و بدون الدخول في الحسابات المصرية الشهيرة، مصر تفوز على البلد المستضيفة جنوب أفريقيا 1-0 من جملة رائعة بين الكاس و حازم، و الكاميرون تغرق في تعادل مع أنجولا، لتكون مصر سببا غير مباشر في إقصاء الكاميرون من بطولة الأمم 1996.
و منذ تلك الفترة بدأت لقاءات مصر و الكاميرون تأخذ محنى خاصا .. يُتبع.
المصدر: Ahmed Mostafa Archieves