ظهر الكثير ممن يرى تلك الحادثة في تاريخ الحضري كفيلة بانتقاص منزلته كحارس أسطوري. وبعد كل تلك الأعوام من الجهد والتميز والإنجازات القاهرة للزمن، بدا عصام وكأنه مازال فى حاجة لصك الغفران أو السماح حتى تكتمل أسطورته دون منازعة.
فبينما يتعملق عصام الحضري في قيادة منتخب مصر إلى الوصول لنهائي كأس إفريقيا في سن الـ44 عاما، مما يجعله أسطورة كروية حية بكل مقاييس كرة القدم المصرية والعالمية، يبدو أنه لا يزال هناك الكثير من عشاق الأهلي الذين لم ينسوا لعصام تركه للقلعة الحمراء يوما ما من أجل الانضمام لسيون السويسرى على عكس رغبة النادي المصري.
هنا ظهر البعض من الجماهير يطالب بالــ"عفو" عن الحضري وإعادته للأهلي لينهي مسيرته الكروية بالقلعة الحمراء وهي الرغبة التي عبر عنها اللاعب صراحة في أكثر من مناسبة.
والبعض الآخر يؤكد على ضرورة الفصل بين سلوك الحضري كـ"هارب" من الأهلي وبين تعظيمه كأسطورة حراسة عرين منتخب مصر. وبين كلا الفريقين نشبت مناقشات حادة جعلتنا نتذكر ما حدث في 2008 بل وتدفعنا لتدبر ما حدث بأعين أكثر هدوء عن لهيب الحدث آنذاك.
الحضري صاحب الـ36 عاما وقتها كان يريد تحقيق حلم اللعب في أوروبا، وجني أموال أكثر مما كان يجنيه في القاهرة بعد أن حقق كل ما يمكن تحقيقه على مستوى الأندية.
الأهلي لم يرد التفريط فى اللاعب، وظهرت وقتها رواية مفادها أن النادي في مرحلة "حرجة" من منافسات الدوري العام المصري، وهي البطولة التي ظل يفوز بها الفريق مع كل من خلف الحضري، ولو كنت أنا شخصيا حارس مرمى الشياطين لفزنا أيضا، نظرا للفارق الكبير بين مستوى كتيبة مانويل جوزيه في ذلك الوقت وباقي فرق الدوري الممتاز.
غالى النادي في الطلبات المادية ورفض عرض 400 ألف يورو على اعتبار أن النادي واللاعب "أكبر من ذلك المبلغ"، و حتى الآن لا أفهم كيف يمكن للاعب مصري في سن الـ36 أن يكون "أكبر" من 400 الف يورو في 2008! كما أن الأهلي باع الكثير من اللاعبين بأقل من هذا المبلغ. ريال مدريد و برشلونه بذات أنفسهم باعوا لاعبين بأقل من هذا المبلغ!
المهم أن الحضري وقتها رحل بالفعل، لم يعلن عن سفره ولم يشرح لأحد ما حدث من وجهة نظره. لم يقم بعمل مؤتمر صحفي يتحدث فيه عن كل شيء ولو على سبيل إفادة النفس، تاركا المجال لسبه بما لذ وطاب من الألفاظ التي نسمعها الآن عن أعداء الوطن فما بالنا بلاعب كرة قدم!
ما لا يفكر فيه الكثيرون هو أن الأهلي بقى وسيبقى عظيما بالحضري أو بدونه، والحضري بقى ويبقى عظيما في الأهلي أو خارجه. و لا يوجد ناد يصنع لاعب ولا لاعب يصنع ناد ولا فضل لأحد على آخر غير فضل الله ومجهود و مثابرة كل إنسان و إخلاصه في عمله.
الحضري لا يزال يحلم باللعب للأهلي مرة أخرى، قال إنه أخطأ في رحيله لكن النادي له كل الحق في أن يعيد من يعيد طبقا لمصلحة الفريق أو لا. فحسام البدري ترك النادي وعاد والاعتبارات ليست ثابتة وليست بالضرورة مبنية على أساس كروي بحت.
كرة القدم لعبة احترافية لا تتضمنها معايير "الخيانة" و"الكيد" و"القمص" أو جبر الخواطر طالما كان هناك منفعة متبادلة بين أي لاعب وأي مدرب و ناديه، وطالما لا يأتي بقاء لاعب بناديه على عكس رغبته الشخصية. فلا يوجد ناد في العالم يبقي على لاعب على عكس رغبته ولو ربطت بينهم عقود الكوكب أجمع.
أنطونيو كونتي نفسه صاح بوجه دييجو كوستا منذ عدة أسابيع قائلا: "اذهب إلى الصين" حينما كان لاعب تشيلسي يفكر فى عرض صيني خيالي، قبل أن يبقى اللاعب باتفاق الطرفين. ولا يخفى على أحد أن منافسة تشيلسي للفوز بالبريمييرليج أصعب ولو بقليل من المنافسة الشرسة التي كان يلقاها الأهلي أمام غزل المحلة فى 2008!
الحضري حارس أسطوري. إذا أراد الأهلي إعادته فلا مانع من ذلك طالما استفاد الطرفان. وإذا لم يعده الأهلي فسيبقى أسطورة بما يقدمه من إنجازات على المستوى المحلي والدولي.
سيبقى أسطورة بما يقدم من إنجازات بغض النظر عن صفح هذا المشجع أو ذاك.
أما معايير "الهروب" و"الخيانة" والـ"عشم" فيمكن مناقشتها داخل أروقة العائلات والعلاقات الشخصية وكفى. فلا يلوم أحد أي ناد حينما يستغنى عن لاعب لا يحتاجه! ووقتها لا يجرم النادي باعتباره "يخون" أبنائه أو يلقى بهم "عظم بعد ما اشتراهم لحم"!