كتب : مصطفى عصام
حسناً، تأثير معلمي دائما عندما حكي له عن مشاكلي كصبي مراهق، بأن يشرح لي بأنها تغيرات فسيولوجية طبيعية لأي فتى في سني، و يفسره كاتباً على السبورة بأنه مثل حَب الشباب، و يطرق في حديثه قائلًا قبل أن يقع على مسامعي التأثير الحسن.
Acne not love.
تماماً كالمغرب بالنسبة لمصر في مباريات المنتخب، هاجس مؤرق كحب الشباب فترة المراهقة، إما بضم الحاء أو فتحها.
في دول الشمال الإفريقي على امتداد (ليبيا- تونس- الجزائر- المغرب – موريتانيا) هناك تباين في مواقف التفوق المصري بكرة القدم، و هذا يتضح في تقارب النتائج مع تونس و الجزائر و شطوطها و اتساعها لصالحنا مع موريتانيا..
أما المغرب؟!
عزيزي القارئ دعني أذكرك بأن كأس الأمم الوحيدة التي حققتها المغرب في تاريخها، كلفتها عبورا عسيرا على حساب الفريق المصري المدجج بالنجوم عام 1976 بهدفين مقابل هدف، قبل مواصلة المشوار و التغلب على غينيا.
سيجيب أحدهم قائلا: "المهم كاس العالم.. على حد علمي أنت تمتلك قدراً من المعرفة بأن أخر ثلاث مقابلات لنا مع المغرب في كأس الأمم، لنتهت على الأرجح أيا كانت نتيجة المباراة بأن الكأس مصرية!
"حالة من الصمت الدائر"، يقطعه الصوت الآت من "تلفزيون ناشيونال"، كالعادة مٌستند على "الشوفنيرا" ذات الأربعة أقدام المتهتكة، و يعلوه "مفرش من التريكو" عليه صور أحفاد الجد.
"طااااهر أبو زززييد ... شاااااط !!! .... جووووول جووووول جوووول".
3 .. 2 ..1 حسناً الأن تبدأ قصتنا!.
......
لماذا نحب المغرب؟
حسناً، الأسباب السابقة قد تدعو إلى قيام فتنة كروية بيننا و بين المغرب، كمثيلتها في المواجهات الألمانية الإيطالية (بالمناسبة العقدة إنفكت بها أخيراً لصالح ألمانيا).
إلا أن حبنا للكرة المغربية أو تعلقنا بها له مذاق مختلف عن التعاطف والتشجيع لباقي الأقطار المتسايرة على خط إفريقية (المسمى القديم للشمال الإفريقي).
الشعب المصري بأكمله وقف متعاطفا مع كرة المغرب الجميلة بكأس العالم 1998، و استمتع بجيل (مصطفى حجي - صلاح الدين بصير - كاماتشو- ...) وهو يعزف الفنون الكروية على الأراضي الفرنسية بمجموعة الدي لا ميزون بمونبيليه، و تعاطفوا في ضياع الفوز المستحق بأخطاء بن ذكري أمام النرويج، وأثنوا على الأداء الراقي بمدينة نانت أمام عازفي السامبا، ووقفوا مندهشين من رؤية هنري ميشيل المدير الفني لمنتخب المغرب و هو يركل كرسيه بغضب في ملعب جوشار بسانت إتيان و لاعبيه قدموا الفنون الراقية أمام اسكتلندا تحت رؤية الحكم العربي علي بوجسيم حين ينتصر بثلاثية تمكنه من التأهل، قبل أن يفوت البرازيليون بفضيحة لقاءهم مع النرويج لتعبر هى.
اشتعل الحب لكل ما هو مغربي في عز تأسيس و ترسيخ مبدأ العقدة الكروية المغربية، و في مجال يرى فيه المصريون شوفينيتهم نحو الحدود الجنوبية وصراعهم نحو سلطة التاج الإفريقي نحو الحدود الغربية وما أسفل "نحوه"، في اتجاه أصيل للقارة الفرانكوفونية بالغرب.
قطار العقدة..
المحطة الأولى 1971
أركب القطار بكل ما يهيئ لك من منظر خيالي، إما مزري كحالة قطارات سيدي جابر (رحمة الله على محمود بكر)، أو كقطارات تهريب مسلسل (prison break) بين الحدود الأمريكية المكسيكية.
بداية صفير القطار المزعج عام 1971، في عز الكابوس المصري بالشوكة المزروعة قاطمة الظهر بسيناء، الوضع مضطرب بعض الشئ من مظاهرات طلابية وحراك سياسي واقتصادي راكد، ولكن شيئا فشيئا اشتقنا لمنافسات الأمم و لعودة المشاركة بالبطولات الإفريقية للأندية، فقط الإسماعيلي ابن القنال شريط ملحمة الإنجلبير عام 1969 كصافرة استهجان ضد قسوة التهجير على ملعب القاهرة الدولي.
إذن، أذن الوقت لمواجهة الفريق المغربي المنتشي بأول مشاركة له بمونديال المكسيك على ملاعب الظهيرة "ذات انعكاس النخلتين و الراية على خط منتصف الملعب"
عام 1970، تطلبت المواجهة مشاركة قسطا كبيرا من نجوم أخر إنجاز مصري أمام الإنجلبير لمواجهة فريق مدجج بالنجوم.
الفريق المصري بقيادة الهر علي أبو جريشة عام 1970 ثاني أفضل لاعب بالقارة بعد المالي ساليف كيتا، يقود الهجوم بالدار البيضاء، خسارة لاذعة بثلاث أهداف مقابل لاشئ، الشئ الوحيد المبهج في اللقاء هو هتافات الجماهير المغربية العريضة لمصر و أم كلثوم، فهم لا ينسون إن أحد أكبر أندية المغرب " الوداد المغربي" سُمي على اسم فيلم "وداد" لكوكب الشرق وقتها.
في مباراة العودة فاز المصريون الفوز المعنوي بثلاث أهداف مقابل هدفين فقط. وغاب الحديث عن الفوز الأخر لمدة طويلة..
عام 1976
ربما فترة السبعينيات، ليست بالفترة المثمرة على الكرة المصرية، فلم نسترد سطوتنا بالكامل على مقاليد الكرة بإفريقيا، لكن تأهلنا لدور المجموعات النهائي من أجل المنافسة على اللقب في مجموعة رباعية مع نيجيريا والمغرب وغينيا.
في ثاني مباراة مع المغرب ظل التعادل إيجابيا بهدف أحمد أبو رحاب نجم نادي إسكو المصري نظير هدف أحمد فرس نجم البطولة الأوحد، قبل أن يأتي عبد الله الزهيراوي و يحرز الهدف القاتل في الدقيقة 88 ليخرجنا تماما من حسبة الفوز بالبطولة لسابق الخسارة أمام غينيا 4-2.
فترة الثمانينات.. حقبة الألم المغربي
فترة شهدت انفتاحا في العلاقات المصرية المغربية، وتعلق المصريون أكثر بالمغرب وبالكرة المغربية و حفظوا أسامي لاعبيها عن ظهر قلب مثل التيمومي وعزيز بودربالة، كريميو، الحضريوي، وبادو الزاكي.
بدأت النهضة الكروية المصرية في العودة مجدداً على يد انتصارات الأندية المصرية مثل الأهلي والزمالك والمقاولون العرب، و الهيمنة على بطولات إفريقيا في تلك الفترة وكالعادة، هيمنت الصحف الرياضية الفرنسية على تغطية أخبار الكرة الإفريقية طبقاً لانتشار اللكنة الفرنسية في القارة عدا الجنوب المهمل كرويا ذو الأيدي الإنجليزية، و في هذه الفترة وعلى الرغم من التفوق المصري، تصدرت نجوم المغرب والجزائر أغلب أغلفة صحف الفرانس فوتبول الصادرة لجائزة أفضل لاعب إفريقي لتفوقهم بالتأهل لكأس العالم، اللهم عدا الخطيب عام 1983 كأفضل لاعب أفريقي في القارة.
- فريق مصري محتشد و مدجج بالنجوم عام 1981، المصريون تلافوا ضعف رقابة صانع الألعاب بالاختراع السحري الذي جلبه هيديكوتي إلى مصر بخلق مهام تسمى بمهام لاعب الارتكاز الدفاعي المراقب لصانع الألعاب، ثم تطويره مع كالوتشاي لمركز الارتكاز الهجومي (مجدي عبد الغني)، و بهذا لاشينا نقطة ضعف كانت تفرقنا عن الأشقاء دائماً في مبارياتهم، و لكن هذا لن يمنع تجدد العقدة.
انتهت مباراة الدار البيضاء في المرحلة قبل النهائية لتصفيات إسبانيا 1982 بالخسارة 1-0 فقط في إنجاز رائع لنا (وقتها كان التعادل أو الفوز خارج الديار هو شطوط وانحراف عن مفاهيم الكرة بمصر)، ربما إشراك مسعد نور كظهير أيمن أمر غريب، شحاتة والخطيب يعجزان عن الوصول للمرمى المغربي في مصر، المغرب تحقق ما هو إعجاز بالنسبة إلينا وقتها، و تتعادل أمام 120 ألف متفرج سلبيا بدون أهداف، وتخرج مصر من المشوار الذي أكملته المغرب و خرجت من أمام الجزائر (ممثل العرب الوحيد بمونديال 1982).
أٌعدت الحشود ثانية عام 1985 من أجل التأهل للمكسيك 1986، فريق مصري لا يشق له غبار، يصنفه البعض بأنه أفضل فريق مثل المنتخب القومي كعناصر لم يكن لها نصيب، يتقدمهم الخطيب بوقفته يميناً صاحب الكرة، و إكرامي، شوقي غريب، إبراهيم يوسف، محمد عمر، جمال عبد الحميد، مجدي عبد الغني، نجم نجوم الثمانينات مع المنتخب (طاهر أبو زيد).
كمثيل سابقتها، العارضة تتصدى لكرتين في مصر، فرص مهدرة لا مثيل لها على أرضنا، و اللقاء يخرج سلبيا دون أهداف، وسط تألق محير للزاكي.
إشاعات الجرائد المصرية أكدت ممارسة الفريق المغربي للسحر (جملة تنفي نفسها جُملة و تفصيلا)، هو فقط فريق جيد و ممتاز يجيد تنظيم خطوط دفاعه و يستغل الهجوم بضراوة بقيادة التيمومي!.
في العودة بدا الأمر غريبا
سيطرة مصرية خالصة أول نصف ساعة من اللقاء، و كأننا نلعب بإستاد القاهرة، عرقلة واضحة داخل منطقة الجزاء لعماد سليمان، ركلة جزاء وسط زئير 80 ألف متفرج مغربي بالكازا.
رقم واحد في تسديد الركلات هو "عماد سليمان"، ولكن جمال عبد الحميد يمسك بالكرة، و بالتالي تركها له.
جمال هو رقم واحد بتسديد ركلات الجزاء بالزمالك المنتقل له حديثا، يطيح بالكرة فوق العارضة.
تنقلب المباراة رأسا على عًقب، و تعبر المغرب مصر نحو مونديال المكسيك بتسديدتين قاتلتين للتيمومي وعزيز بودربالة.
النقطة البيضاء الوحيدة.. النقاط البيضاء كثيرة و لكن مَعّن التدقيق..!
دعني أفشي لك سرا بسيطا، هل تعلم أن المرتين الوحيدتين التي فزنا فيها على المغرب كانت تحت إمرة "مدرب أجنبي".
كرامر الألماني عام 1971 والمدرب القادم في السطور القادمة عام 1986، و لكن كي لا أطيل التفاؤل عليك أكثر من ذلك، هزيمة تصفيات 1982 بالمكسيك كان قد أشرف عليها المدير الفني للمنتخب المصري "هيدرجوت الألماني".
المنتخب المصري دخل بطولة أمم 1986 بأضعف بداية تكون مع الويلزي مايكل سميث ومساعده شحتة، خسارة أول مباراة أمام السنغال، فوز عسير بأداء وسط أمام كوت ديفوار، فوز سهل على موزمبيق وحارسها الكوميدي بهدفين مقابل لا شئ، لنتصدر المجموعة بفارق الأهداف عن كوت ديفوار.
خبر سيئ من مجموعة الإسكندرية، الكاميرون تتصدر والمغرب مركز ثان تطيح بالجزائر (لقمتنا السائغة في ذلك العصر لسابق تأهلنا على حسابها نحو أوليمبياد لوس أنجلوس).
الجماهير المصرية الغفيرة ستملأ استاد القاهرة بقيادة فرقة محمد نوح وأغنية (مدد مدد مدد.. شدي حيلك يا بلد) وأحلى بلد بلدي.. و أجدع ولد ولدي، نجم البطولة طاهر أبو زيد قد يغيب عن المباراة لحصوله على إنذارين، ولكن تم رفعهما بعد تقديم التماس للاتحاد الإفريقي.
قبل المباراة ترددت إشاعات زواج بليغ حمدي من المغربية الناشئة سميرة سعيد، و ذلك بعد سابق براءته من تهمة قتل المطربة المغربية "سميرة مليان" في بيته عام 1984، و التي بسببها تم نفيه إجباريا عن مصر لخمس سنوات، لتكون الحادثتين مصدر تهكم من الجمهور المصري على فريق المغرب طيلة اللقاء.
اللقاء سيل من الفرص كالمعتاد صوب المرمى المغربي، قبل أن يلقي طاهر بكلمة النهاية قبل الزفير بـ 12 دقيقة من ركلة حرة مباشرة سكنت أسفل الزاوية اليسرى للعملاق بادو الزاكي، وكأن لاعبي منتخب مصر غير مصدقين تماما ما يحدث، لم يجري أحدهم نحو طاهر مسجل الهدف، وأبرزهم في حالة الشرود كان مصطفى عبده، مصر تعبر المغرب أخيراً و يسجل ذلك أرشيف التلفزيون المصري، قبل 31 سنة من الآن.
قبل دخول الألتراس للملاعب، عند المكسب يتوحد الهتاف لـ "صلوا ع النبي.. صلوا ع النبي".
تعبر مصر لنهائي الكان لتواجه الكاميرون بقيادة ساحر إفريقيا كلود لوروا وتصحبها عزم الجماهير وأهازيج ياسمين الخيام، قبل أن نفوز بالبطولة.
رب خسارة خير من ألف مكسب
كان هذا عنوان المجموعة الثالثة المعاكس للوضع، في عام 1998 ببوركينا فاسو، وتحت قيادة الحكم الدنماركي كيم ميلتون، لقاء بين فريقين تأهلا للدور المقبل ولكن على صدارة المجموعة.
المغرب تسعى للفوز سعياً لمواجهة كوت ديفوار بديلًا لجنوب إفريقيا، لأن كل الترشيحات في المجموعة الرابعة تصب في مصلحة فوز جنوب إفريقيا على العاجيين و تصدر المجموعة.
مباراة هادئة عكر صفوها طرد مدحت عبد الهادي بعد تدخل غريب على قدم حجي وقتها، وفي الدقيقة 90، مقصية حجي كأجمل هدف في تاريخ أمم أفريقيا تعانق الشباك المصرية و نادر يقف ساكناً نحوها، لتتصدر المغرب المجموعة وتليها مصر.
ولكن تحدث المفاجأة، كوت ديفوار تتعادل مع جنوب إفريقيا، لتصطدم المغرب بالبافانا بافانا وتخرج مبكرا من ربع النهائي، وتتخطى مصر حاجز كوت ديفوار بحازم محمد يحيى الحرية إمام و تكمل مشوار انتصار البطولة، وكأن خسارة مهدت لطريق اللقب.
أخيراً.
لا أؤمن بحالة العقد النفسية وعلو كعب فريق على فريق أخر، كرة القدم هي المجال الوحيد التي أثبتت لنا أنها 90 دقيقة جهد و تركيز وفاعلية على المرمى.
انظروا لفرصة طارق السعيد، لو أني أؤمن فعلا بالحظ لا عامل الخطأ البشري، ما سقط أخر مدافع من المغرب بتلك السهولة و انفرد طارق بالمرمى، و هنا أفضل لاعب بمصر عام 2001، بالغ في المراوغة فانحازت منه يسارا كثيرا، و لم يفكر حتى في إيثار النفس وإعطاءها لزميله الخالي تماماً.
أحمد يا فتحي، حين تأتيك كرة مثل تلك منفرداً من الجانب الأيمن، لا يمكن لعبها بتلك الرعونة، و لا تحزن من التوجيه القاسي من المدير الفني، لا عذر لك بتلك الكرة، وكذلك مروان محسن، يمكنك إعادة فرصة متعب الضائعة مرارا وتكرارا، ومعرفة موضع الخلل، في لعب الكرة باستعجال بوضعية خاطئة للقدم، و كذلك رأسية ميدو عام 2001 من عرضية عمارة، الكتالوج الأمثل لها طرقها بالأرض، لا توجيهها نحو العارضة، خصوصاً أنك قريب من الست ياردات.
طارق يا حامد، تمسك برقابة رشيد عليوي جيدا، لا تتركه مثلما تركوا لحجي مساحة للتسديد في المغرب 2001.
ولخط الدفاع، لا تنجروا للاستفزازات المعروفة أو التحام خشن، فتطردوا مثل مدحت عبد الهادي.
صدقوا أو لا تصدقوا، فزنا من قبل على المغرب برباعية نظيفة في كأس إفريقيا للشباب، بجيل متعب وعمرو زكي وحسني عبد ربه، وفازوا علينا من قبل بتصفيات سيدني 2000.
قد أعترف بسوء التوفيق، ولكني أعترف أيضا أن المنتخب المغربي لازمه سوء توفيق بلقاء تصفيات كأس الأمم عام 1996، فوزاً مستحقاً ضاع منه في القاهرة، ورأسية خيالية من حسام حسن أنقذتنا بالفعل، وكذلك أيضاً لازمنا سوء توفيق في تصفيات 2001 بالمغرب، و تنبيه عمارة للجوهري بأن خطة السابورة عبارة عن 12 لاعب و ليس 11، و جماهير تنادي بعقدة الدقيقة 30 فيزأر حجي من فرصة ضالة.
تلافوا خطأ جيل الثمانينات وراقبوا مفاتيح اللعب جيدا بقدر أكبر من الرقابة اللصيقة التي ستتعرضوا لها، واعبروا قبح التسعينيات والألفينات باستغلال النصف فرصة، ودوما المغرب هى طريق مصر نحو اللقب، ك 2006 و 1998 و 1986، ولنحمد الله إننا بعيداً عن بعضنا البعض بقرعة كأس العالم.