كتب : إسلام مجدي
بالنسبة لجوسيب جوارديولا مدرب مانشستر سيتي الحالي فلا يوجد في قاموسه سوى الفوز والفوز فقط، وطوال الأعوام الثمانية الماضية اعتبره العديد من عشاق كرة القدم المدرب الذي يعرف كل شيء فلا تجادله في اختياراته لعب بيايا توريه في برشلونة كقلب دفاع وتوج بطلا لدوري أبطال أوروبا في 2009.
أيضا لا يوجد أسرار حول طريقة لعب جوارديولا وفلسفته وفهمه للعب كرة القدم لقد استمدها من مثله الأعلى يوهان كرويف الهولندي الأسطوري الراحل.
منذ عمر الـ19 جوارديولا بدأ التعلم منذ دخوله كلاعب في تشكيل برشلونة، وما ساهم أكثر في بناء عقليته هي رغبة الفريق الدائمة في الفوز وفهم زملائه وحب عناصر البلوجرانا الكبار له ومساندته، خلال تلك السنوات تم تشكيل شخصيته.
حسب ما نشر نقلا عن كتاب لسيرته الذاتية فإن جوارديولا قضى 6 أعوام يلعب تحت إمرة كرويف وتأثر بقدرة وطريقة تحضر المدرب الهولندي المخضرم للمباريات، وتعلم أن مباراة كرة القدم بإمكانها أن تنتهي بالألاف الطرق.
قال خوان لابورتا رئيس برشلونة حينما تولى جوارديولا مهمة تدريب الفريق :"لديه المعرفة والحماس والثقة بالنفس وحب النادي وهذا ما يهم".
في تلك الفترة لم يكن لجوارديولا أي خبرة في عام 2008 كانت خبرته صفر في التدريب على ذلك المستوى، برشلونة ينافس في الدور التمهيدي من دوري أبطال أوروبا، لكن إدارة الفريق علمت أنها تقدم واحدا سيصبح فيما بعد من أفضل المدربين في العالم، وفيما بعد قدم فترة لا تنسى في تاريخ النادي.
فور توليه مهمة برشلونة وجد ظلا لفريق يحيا على الأمجاد القديمة، فرانك ريكارد كان قد توج بطلا لدوري أبطال أوروبا في 2006 لكن ذلك تبعه بموسمين من دون ألقاب، ومهمة بيب الأولى كانت الفوز بقلوب وعقول اللاعبين وقد فعل ذلك.
منذ تلك اللحظة التي ربح خلالها جوارديولا قلوب لاعبيه فورا تألق لاعبين كبار مثل شابي هيرنانديز وتجاوب الفريق مع خطته وفلسفته.
برشلونة في تلك الفترة كان خليطا من الموهبة والإبداع، لكن جوارديولا رفض أن يسير على خطى من سبقه، لقد طلب الذكاء والتحضيرات الشاقة من الجميع، كان ذلك الطلب هو ما خلف بعده رحيل رونالدينيو وديكو في الصيف الذي وصل فيه.
تتواجد العناصر مع برشلونة لأعوام لكن لا نجاح أو فاعلية من دون تركيبة معينة، ولم يحتج الأمر سوى لمدرب مثل جوارديولا ليجمع تلك القطع سويا.
كتب جرهام هانتر في كتابه عن برشلونة "أريد كل شيء أ يتحرك بذكاء وكل تمريرة أن تكون دقيقة، هكذا نصنع الفارق ضد بقية الأندية، هذا كل ما أريد رؤيته، تلك كانت كلمات جوارديولا مع لاعبيه".
مع الوقت أصبحت نسخة برشلونة مع جوارديولا لا يمكن مجاراتها أبدا، فاز بالثلاثية وسجل 105 هدفا، فاز على ريال مدريد بنتيجة 6-2، وأنهى مسيرة مانشستر يونايتد وكتيبته المرعبة وبدأ عهدا جديد أكثر رعبا.
صرح جوارديولا في وقت سابق "كل ما أفعله هو مشاهدة تصوير لخصومنا وبعد ذلك أحاول العمل على طريقة تهدمهم".
ونمت العلاقة الفريدة بين جوارديولا وميسي، وعزز برشلونة نفسه في إسبانيا وهيمن على عشر الكرة هناك بمنافسة أحيانا قوية وأحيانا ضعيفة من ريال مدريد، وكرر فوزه على مانشستر يونايتد ليتوج بطلا لدوري أبطال أوروبا 2011.
في موسمه الرابع قرر ريال مدريد أن ينتفض أخيرا ويستعيد عرش إسبانيا لمدة موسم، وبدا جوارديولا مرهقا وفي حاجة للراحة وهو ما حدث فعلا بعد ذلك.
في 4 مواسم حقق 14 لقبا مع برشلونة وكان المدرب رقم 1 في العالم بأفكاره وطريقته اختلف المنافسون لكن برشلونة ظل ذلك الخصم الذي تحتاج لمجهود كبير حتى تتفوق عليه مع مدربه المفكر.
كان الوقت المناسب والصحيح لجوارديولا ليرحل عن برشلونة بعدما وضع لهم التركيبة المناسبة التي تضمن استقرار النادي ونجاحه لفترة طويلة بعد رحيله، ترك اللعبة لمدة عام واسترخى في نيويورك.
بعد ذلك العام كانت المهمة الثانية كان عليه الاختيار، أندية تشيلسي ومانشستر سيتي حسب تقرير صحفية إنجليزية سعت للحصول على خدماته، لكن التحدي الأكبر كان خلافة يوب هاينكس في بايرن ميونيخ عام 2013.
بايرن ميونيخ وجده البديل المثالي لهاينكس، الرجل الذي سيواصل مع العملاق البافاري للهيمنة على أوروبا، لويس فان جال كان المرحلة الأولى للبناء، وهاينكس للحصاد، وجوارديولا كان المرحلة الثالثة للاستمرار.
مثل الفريق الألماني تحديا جديدا وكبيرا لجوارديولا مختلفا عن برشلونة، نظرا لأنه في إسبانيا تسلم تشكيل احتاج لإعادة بنائه وتشكيله إضافة لقلة الإنجازات.
في بايرن ميونيخ كان عليه تخطي التوقعات، مهمته كانت مستحيلة كليا، مع فان جال كان هناك تحفظات على طريقة اللعب، أما مع هاينكس فقد قدم نسخة تلعب بسرعة وبقوة وتسجل أهدافا عديدة وتحركات ممتازة للمهاجمين، وحقق الفريق الثلاثية.
هاينكس خلق ماكينة لتحقيق الإنجازات، حقق أكثر النقاط في موسم واحد بـ91 نقطة وأكثر فريق يفوز في موسم واحد بـ29 انتصار وأكثر عدد مرات من الفوز المتتالي 14 مرة، وأكثر فريق خرج بشباك نظيفة في الموسم بـ21 مباراة، وأفضل فارق أهداف في الموسم بأكثر من 80 هدفا، وأقل من استقبل أهدافا في الموسم بـ18 هدفا، الآن جوارديولا كان عليه على الأقل أن يكرر ذلك الإنجاز، هذه كانت مهمة بيب في بايرن.
أضف إلى ذلك تكيف لاعبي بايرن ميونيخ على طريقة مدربهم، وخاصة رغبته الدائمة في التكيف والتعلم والتحضر للمباريات، كان المدرب الإسباني مستعدا للتكيف أيضا مع الطريقة الألمانية وثقافتها وجودتها، وعدل تدريبات الفريق لتصبح مناسبة له.
ركز على العمل مع الكرة والتدريبات التي تهتم بمهارات لاعبيه، ورأينا فيديو شهير لبايرن في ديسمبر 2014 يظهرهم في وسط التدريبات 7 في دائرة واثنين في المنتصف للعب من لمسة واحدة، و7 ضد 7.
كارل هاينزه رومينيجه مدير نادي بايرن ميونيخ وأولي هونيس رئيس النادي أخبراه أن بايرن لديه عادة قديمة من قلة الرضا والرغبة الدائمة في تحقيق النجاح الذي حققه هاينكس، لكن مع بيب هيمن محليا فقط، صحيح أنه حقق لقب الدوري أسرع من هاينكس لكن أوروبيا لم يفعل.
"نهاية عهد بيب جوارديولا" وعنوان أخر "نهاية بيب" كانت تلك عناوين الصحف في إسبانيا وإنجلترا بعد الخسارة بمجموعة 5-0 من ريال مدريد نسخة كارلو أنشيلوتي.
صرح جوارديولا بعد ذلك "فهمت الأمر بصورة خاطئة، لقد كانت لحظة فوضوية كبيرة، الأكبر في حياتي كمدرب".
وأضاف "خسرنا دوري أبطال أوروبا، لكنه كان بطريقة سيئة للغاية كان طعمها مرنا في فمنا، لا يوجد شرح، فقط أحتاج أن أرفع يدي وأتقبلها".
في الموسم التالي فاز بايرن بلقب الدوري الألماني مرة أخرى بفارق 10 نقاط، مقارنة بالفارق في موسمه الأول بـ19 نقطة، وخسر 5 مرات وفي الموسم الأول كان قد خسر مرتين، لكن أكبر لمحة كانت مواجهة برشلونة في نصف نهائي البطولة.
برشلونة التي واجهها جوارديولا كانت نسخة لويس إنريكي، وأظهروا مدى قوة الإرث الذي تركه لهم بيب، فاز بنتيجة 3-0 ضد بايرن بطريقة غير مفاجئة، استحوذ الفريق على الكرة أكثر لكنه فشل في أن يسدد كرة واحدة على مرمى برشلونة.
ومجددا وجهت الانتقادات إلى طريقة وتكتيك وفلسفة جوارديولا، خاصة قراره باللعب بثلاثة مدافعين ضد ليونيل ميسي ولويس سواريز ونيمار دا سيلفا، في نظام لاعب ضد لاعب وبدفاع متقدم، مكن ذلك كتيبة إنريكي من اللعب في المساحات التي خلفها بايرن.
ومرة أخرى ودع جوارديولا البطولة من نصف النهائي، 3 ألقاب دوري ألماني ولقبي كأس ألمانيا ولقب كأس عالم للأندية جعلوه يدخل لوحة الشرف مع مدربي بايرن عبر التاريخ.
الآن مانشستر سيتي هو التحدي الجديد الذي اختاره المدرب الإسباني، فريق يبدو وكأنه يبدأ من الصفر، لا تاريخ لكنه يبني الحاضر ليصبح تاريخا في المستقبل عملية معقدة للغاية، وكذلك كان دوما حلمه أن يدرب في الدوري الإنجليزي حسب كتابه.
الدوري الإنجليزي سيثبت إذا ما كان جوارديولا سيفوز للأبد أم أن حقبته ستنتهي قريبا، لكنه وبكل تأكيد أحد أفضل المدربين في تاريخ الكرة الحديثة، ومفكر يعشق التعلم.
الفكرة وأنه على الرغم مما يحدث حوله لا يهجر فلسفته أبدا، مع سيتي يحاول أن يمر بنفس الخطوات التي قدمها مع برشلونة وبايرن، لكنه اصطدم بالثقافة، وفي المقابل لن ييأس أبدا.
صرح جوارديولا في وقت سابق "أنا هنا منذ 6 أشهر وأريد أن ألعب في دوري ليس سهلا، أحتاج لمزيد من الوقت لكني متفائل وسنواصل المحاولة".