كتب : فادي أشرف | الإثنين، 19 ديسمبر 2016 - 18:00
عزيزي أليكسيس سانشيز.. لا تكن ألليندي لكن لا تصبح بينوشيه
قبل ساعات قليلة من إتمامه لعامه الـ28 كان على أليكسيس سانشيز أن يتحمل هزيمة أخرى.
البداية من مشهد النهاية، أشياء كثيرة ربما جاءت في ذهن سانشيز أثناء جلسته في وسط ملعب الاتحاد بعدما تأكد أن مانشستر سيتي في طريقه للفوز على أرسنال.. هل يجدد عقده؟ هل كان القدوم لأرسنال في الأصل قرارا صائبا؟ هل كان عليه الانتظار في برشلونة ربما يرحل كابوس بيب جوارديولا وينال ما يستحقه بعيدا عن ظل ليونيل ميسي.. لماذا حظه عثر إلى تلك الدرجة؟
ربما كانت تلك أفكار مشابهة للأفكار التي جاءت في ذهن سلفادور ألليندي، الرئيس اليساري لتشيلي بين نوفمبر 1970 وسبتمبر 1973، في أخر 7 ساعات في حياته.
بعيدا عن ميلاد سانشيز المتوج بلقبين لكوبا أمريكا، والذي يعد بكل سهولة أحد أفضل 3 لاعبين في تاريخ تشيلي مع مارسيلو سالاس وإيفان زامورانو، فإن عام 1988 كان فارقا في تاريخ الدولة اللاتينية.
ففي ذلك العام اتجه ديكتاتور تشيلي أوجوستو بينوشيه إلى تعديلات دستورية تعيد الديمقراطية إلى البلاد بعد انقلاب عسكري دموي انتهى بانتحار الرئيس المنتخب، ألليندي، بعد أن اقتحمت قوات الجيش قصر "لا مونيدا" الرئاسي في سبتمبر عام 1973.
سياسات بينوشيه الفاشية أفقرت المعدمين من التشيليين أكثر بعد محاولات لتحسين ظروفهم من قبل اليساري ألليندي، فكان طبيعيا بالنسبة لعائلة سانشيز أن تكون من الأفقر في مدينة توكوبيا، وهي المدينة التي تصدر الطاقة الكهربائية لكل المناطق المحيطة بها في شمال تشيلي. ومن هنا يمكن استشفاف أول عنصر في شخصية أليكسيس سانشيز.
طفولة ومراهقة سانشيز بالنظر لتلك الظروف كانت صعبة، وفاة والده وتولي عمه مسؤوليته هو وإخوته الثلاثة جاءت وسانشيز طفل رضيع. الظروف المعيشية الصعبة قادت سانشيز لحياة الشارع مبكرا، القصص الشهيرة حول مشاركته في مباريات ملاكمة استعراضية أو حلقات استعراضات كروية من أجل المال تشرح لك ما عانى منه "النينيو مارافييا" حتى تلك الجلسة في ملعب الاتحاد.
موهبة سانشيز الكبيرة في التعامل مع الكرة بالأحذية المستعارة قادت فريق مدينة توكوبيا، كوبريلوا، للتعاقد معه وهو بعمر الخامسة عشر مع لاعبين صاروا مهمين في تشيلي فيما بعد مثل تشارلز أرانجويز وإدواردو فارجاس الذين صعدوا معا للفريق الأول عام 2005.
إلى أي مدى كان سانشيز موهوبا في ذلك الوقت؟ أن يبدأ مباراته الأولى في كوبا ليبرتادوريس وهو بعمر الـ16 عاما.
كشافو أودينيزي كانوا سباقين لرؤية الفتى التشيلي ليضموه للأبيض والأسود الإيطالي في عام 2006 قبل أن يعيدوه مرة أخرى معارا للعملاق التشيلي كولو كولو.
موسم 2006/2007 كان رائعا لسانشيز، وأتمه بالتألق في كأس العالم للشباب 2007 والتي حصدت فيها تشيلي المركز الثالث بقيادة سانشيز نفسه، مضيفا البرونزية لوصافة كوبا سود أمريكانا ولقب الدوري التشيلي الـ26 في تاريخ كولو كولو.
إعارته الثانية كانت في الموسم التالي في الأرجنتين، وبالتحديد في عملاق أخر هو ريفر بليت وخلالها زامل راداميل فالكاو وتدرب لفترة تحت قيادة دييجو سيميوني – عنصر أخر في تشكيل سانشيز- ومعه توج بلقب الكلاوسورا، قبل أن يعود لأودينيزي في 2008.
عاد سانشيز لأودينيزي وقدم 3 أعوام رائعة توجت برحيله إلى برشلونة، ولكن الـ3 علامات الأهم لسانشيز في إيطاليا كانوا شراكته مع أنطونيو دي ناتالي، حيث اشتركا في 41 هدف لأودينيزي في موسم 2010/2011 ، على بعد هدفين من الثنائي العظيم أليساندرو ديل بييرو وديفيد تريزيجيه في يوفنتوس.
العلامة المضيئة الثانية هي تسجيله لسوبر هاتريك في 52 دقيقة أمام باليرمو ليكسر الرقمين المسجلين باسم الأسطورتين سالاس وزامورانو اللذان سجلا 3 أهداف من قبل في مباراة واحدة في الدوري الإيطالي.
ختام تلك الرحلة الرائعة في جنة كرة القدم هي اختيار الجمهور له على موقع الفيفا كأفضل موهبة واعدة، متنافسا حينها مع جاريث بيل وخافيير باستوري وجانسو ونيمار.
بعدها وصل برشلونة، رحلة سانشيز في كتالونيا يمكن تلخيصها في تصريحات جوارديولا في ديسمبر 2016 "لعب سانشيز جيدا في برشلونة ولكن عادة عندما تلعب إلى جوار ليونيل ميسي الكل لا يكون في نفس مستواه، أعتقد أن دور المهاجم الذي يؤديه مع أرسنال هو الأمثل له. في برشلونة ربما لم أساعده بما يكفي لأنه كان يلعب على الطرف، يستطيع سانشيز أن يقوم بهذا الدور كذلك ولكنه أفضل عندما يلعب بين خطوط الدفاع وعندما يكون أقرب للمرمى".
"في ظل ميسي" قد يكون العنوان الأفضل لرحلة موفقة من حيث الألقاب لكنها لم تكافئ موهبة سانشيز كما استحقت، ليرحل إلى أرسنال في 2014 وتبدأ رحلة في قليل من تفاصيلها انتصارات وفي معظمها خيبة أمل يمكن أن تلخصها في نظرة سانشيز في ملعب الاتحاد.
مثالية سانشيز واعتماده على نفسه جعلته دوما متألقا فيما يمكن أن نصفهم بأندية اليسار الكروي، هؤلاء الضعفاء مثل أودينيزي وأرسنال الذين يعطوننا أحلاما جميلة دون تحقيقها على أرض الواقع ودون انتصارات تترجم إلى كؤوس، حلم أودينيزي بكأس في إيطاليا تحطم على صخرة روما قبل أن تتحطم أحلام أرسنال في كل موسم لأسباب مختلفة، في مقابل القوى الحاكمة لعالم كرة القدم مثل برشلونة التي لم يجد فيها نفسه.
قد ترى سانشيز كمناضل على يسار القوى الحاكمة لكرة القدم، تماما مثل سلفادور ألليندي الذي ترشح 3 مرات للرئاسة في تشيلي فشل فيهم جميعا قبل أن يحتاج لتصويت برلماني ليحصل على الرئاسة في المرة الرابعة عام 1972، ومثل رحلة فيدل كاسترو وتشي جيفارا من جبال الجنوب إلى قتال جيش الديكتاتور فولينسيو باتيستا والسيطرة على حكم كوبا، ستعطون أرسنال بايرن ميونيخ في قرعة دوري الأبطال لكنهم ليسوا قلقين لأن سانشيز المناضل موجود في الصفوف.
ألليندي كان رجلا يساريا يؤمن بحقوق الفقراء والعمال والطلاب، رجل مثالي، رفض أن يستقيل وقصر "لا مونيدا" يتم قصفه وحمل سلاحه وقرر المقاومة في حين كانت قوة الانقلاب أقوى بكثير من الرفقاء الذين آمنوا بحلم ألليندي، لينتحر بعد 7 ساعات من المقاومة ويسلم تشيلي لبينوشيه.
يمكن أن نرى ألليندي أخر في قصة سانشيز في صورة أرسين فينجر، رجل مثالي أخر يحاول تحسين موقف فريقه إلا أنه لا يعي أن تيار كرة القدم الحديثة أقوى منه ومن فريقه ومعه يغرق سانشيز ، مثلما غرق بسطاء تشيلي تحت وطأة عنف بينوشيه... تمسك ألليندي بقصر "لا مونيدا" أمام تمسك فينجر بفلسفته في أرسنال، مثلما دمرت الأولى حياة عائلة سانشيز تدمر الثانية مشوار سانشيز الكروي.
ما الحل إذا يا سانشيز؟ هل ستكتفي بانتصارات صغيرة مثل كعبك في شباك ديفيد دي خيا أو رائعتك في مرمى وست هام دون تحقيق بطولات ملموسة، أم تتحول لليمين الكروي الحاكم في صورة بايرن ميونيخ أو يوفنتوس أو ريال مدريد من أجل مزيد من الألقاب لن تجد نفسك فيها مثلما حدث في برشلونة؟
بالتأكيد لا نريد لسانشيز أن يبقى مقاوما لتيار لا يقهر مثل ألليندي، ولا نريده شريرا مثل بينوشيه.. ولكن نريد له عاما سعيدا يحصل فيه على ما تستحقه موهبته حقا بدلا من عدم الحصول على صفر من أصوات الصحفيين المشاركين في استفتاء الكرة الذهبية في مجلة "فرانس فوتبول".
مقالات أخرى للكاتب
-
العنصرية بطعم أوميكرون وكرامة قارة على المحك الأربعاء، 15 ديسمبر 2021 - 13:46
-
حوار مع صديقي البراجماتي المؤيد لـ دوري السوبر الأوروبي الأحد، 18 أبريل 2021 - 20:35
-
إلى الأصدقاء في مدينة الإنتاج الإعلامي: لقد أصبح الأمر مملا للغاية السبت، 27 فبراير 2021 - 18:36
-
شيء من الخوف: ابن حميدو (الجزء الثاني) الثلاثاء، 25 فبراير 2020 - 12:59