كتب : محمود عصام | الأربعاء، 14 ديسمبر 2016 - 12:15

بالوتيللي في وادي المنبوذين.. فانتازيا كروية خالصة

ماريو بالوتيللي

يركض لاعب كرة القدم لاهثا على شفا الهاوية، في جانب تنتظره سماوات المجد، وعلى الجانب الأخر تنتظره هوة الدمار.

ماريو بالوتيلي

النادي : جنوى

الحي الشعبي الذي خرج منه يحسده بأسره، تردد الإذاعات اسمه، تتنهد النساء من أجله، ويسعى الأطفال إلي تقليده. بالرغم من ذلك يتوجب عليه أن يضخ العرق مثل مرشة، دون أن يكون له الحق في التعب أو الخطأ، فهو مجبر على الربح أو الربح.

في المهن الإنسانية الأخرى يأتي الغروب مع الشيخوخة أما لاعب الكرة فقد يشيخ قبل أن يصل للثلاثين ليكتشف أنه قد قامر بحياته وأن المال قد تبخر وتبخرت معه الشهرة أيضا، فالشهرة سيدة مراوغة لا تترك حتى رسالة عزاء صغيرة قبل أن ترحل. (إدواردو جالياني بتصرف) (1)

هكذا يحدثنا إدواردو جالياني عن الجانب الإنساني للاعب كرة القدم عندما تبتعد عنه الشهرة ويبقى وحيدا دون مجده السابق الذي يصنعه متابعي كرة القدم الذين يجيدون تهميشك كما يجيدون تتويجك كملك.

إلا أن بعض لاعبي الكرة يجدوا أنفسهم في نهاية المطاف منبوذين كمرضى الجذام، ربما لأسباب كروية خالصة وأحيانا لأسباب لا تمت للكرة بصلة، إلا أن هناك البعض من يختار أن يسير نحو الهاوية بكامل إرادته، لا يتحمل عقله تلك الموهبة التي تتعلق بقدميه، لا يستطيع تحمل أن يكون في بقعة الضوء وحيدا.

ربما المثال الحي في الوقت الراهن على فكرة الموهبة التي بلا عقل هو ماريو بالوتيللي.

الرجل الذي توهج صغيرا ثم بدأ في جذب الأنظار أكثر خارج المستطيل الأخضر بأفعاله الصبيانية الغريبة ثم بدا يخفت نجمه تماما وفي طريقه بثبات نحو الهاوية.

قديما قرر البشر أن يتخلصوا من مصابي الأوبئة مثل الجذام أو الطاعون عن طريق نفيهم بعيدا عن التجمعات البشرية، كانوا يلقونهم في وادي بعيد حتى لا ينتشر الوباء بين الجميع.

ونحن هنا بصدد فانتازيا كروية خالصة عن وادي، ولكنه للمنبوذين كرويا، واد يسير إليه بالوتيللي بمحض إرادته دون أن يرغمه عليه أحد.

---

- أيها القادم التعس مرحبا بك بيننا، في البداية ستتعذب قليلا، ثم تتعود، ثم تذوي ثم تموت . (2)

- ما الذي جاء بي إلى هنا، أنا ماريو بالوتيللي، أملك من الأموال والألقاب ما يجعلني أعيش كملك باقي حياتي.

- هنا وادي المنبوذين، لا أحد يأتي هنا بإرادته، كلنا نملك المال والألقاب إلا أننا نُبذنا فلم نجد مأوى سوى ذلك الوادي التعيس كي ننزوي فيه سويا كالجرذان.

- ولكنني ما زلت أملك من يتغنى بإسمي أيها الرجل العجوز.

- ربما فقدت أخرهم اليوم، فأصبح ملاذك هنا بجوار الرجل العجوز. العجوز الذي لم يتم عامه الخمسين بعد، ربما سمعت اسمي من قبل.. انا جازا، بول جون جاسكوين.

تتابعني العيون أينما سرت، إبتسامات مكسورة يشوبها الشفقة، وجوه متجهمة يعلوها التذمر، نظرات متشككة يعلوها تعابير الدهشة، الكل الآن يتنكر من جازا، بعض من تلك العيون كانت تمني أنفسها بأن تلتقي عيني جازا قديما، أنا بول جاسكوين، أمهر من أنجبته ملاعب المملكة، أمهرهم على الإطلاق، أما الآن فالكل يريد تذكير نفسه بضرورة المحافظة على ما يملك حتى لا يصبح مثل جازا الذي أدمن الخمر فنبذه الجميع. لكنني أعلم أني من أتيت بنفسي إلى هنا، كان يجب أن أقول لا في بعض الأحيان، لم آبه بالموت الذي طاردتني هلاوسه صغيرا فرد لي الدين ولم يآبه بي هو الأخر وتركني هنا حبيس وادي المنبوذين.

- اتركه يا سيد بول فهو لن ينتبه لكلمة مما تقول، أنا أعرفه منذ أن كان في السادسة عشر من عمره.

قاطعه الرجل الطويل ذو الأنف المميزة المدعو ماركو، ماركو ماتيرازي.

- هل تنسى ما فعلت بجماهير النيرازوري يا ماريو، الجماهير التي حملتك على أعناقهم ولكنك لم تقاتل من أجلهم أبدا مثلما قاتلت أنا.. أنا قاتلت من أجل النيرازوري بل من أجل إيطاليا بأكملها، ولم يشفع لي شيء في النهاية.

نبذني الجميع من أجل بضع الكلمات للقديس الفرنسي. تأبى أن تبقى هنا لأن لديك ألقاب.. أنا حصلت لإيطاليا على كأس العالم ولكنني لم أجد أحد بجانبي في النهاية، تطاردك العيون المعاتبة، ماذا قلت لزيدان، لم يكن من اللائق أن ينهي مشواره مع الكرة بهذه الطريقة، أنت عار على الكرة، ما علاقتك أنت بأخته أو أصوله.. حسنا فليقف هؤلاء المتأففين في موضعي وليتركوا زيدان في الملعب آمنين لدغاته المتكررة وليرووا لي شعورهم بعد أن يقتنص كأس العالم من بين أيديهم. تلك المثالية اللعينة أتت بي إلي هنا أما انت فمن العدل بقائك هنا للأبد، بل من العدل المطلق أن تنتهي حياتك مثلما انتهت حياة أندريس إسكوبار، أن ينبذك الجميع لدرجة القتل من أجل خطأ في كأس العالم، انت لا تتفهم ماذا تملك يا ماريو، فقط المدافعين أمثالي المنتسبين للكرة من باب القوة فقط يدركون ماذا تملك، ولكنك لم تفهم ذلك أبدا.

ربما فات أوان الفهم بالنسبة لرجل يمتلك عقلا كعقلك، فأنت لست باولو روسي حتى تغادر هذا الوادي اللعين.

- لقد ترك نفسه ينطح بالرأس من أجل كأس العالم، أكذوبة الجرينتا الإيطالية يجسدها هذا اللعين.. أما أنا فيكفي أن يذكر اسمي حتى يعرف الجميع أن الكرة خلقت للرجال.. لا يهمني إن نبذني الجميع أو بقيت في هذا الوادي للأبد. دوما سيبقي جون بارتون مثال لمن يتفهمون أن الكرة ليست عرضا للسيرك.. أنا لا ألعب الكرة بل أعمل وعملي هو أن أدمر هجمات الخصم سواء بمخالفة أو إيذاء، لا يهمني ذلك كثيرا فأنا أبقى هنا حتى يحتاجني فريق أخر لأمارس عملي ولا يهمني أن أنهي فترة عملي لأعود هنا مرة أخرى.. أنا لا أنتظر التشجيع من أحد، ولكنه محق في شيء واحد أنت تستطيع أن تخرج من هنا مثلما فعلها باولو ولكنك بلا عقل!

يحكي أن رجلا وحيدا دخل هذا الوادي من قبل بسبب اتهامه بالتواطؤ في قضية توتونيرو الخاصة بالمراهنات في الدوري الإيطالي.. ولكنه كان قناص إيطاليا الأول آنذاك.

قضى سنتين هنا نبذه الجميع واعتبروه المثال الحي على فساد كرة القدم الحديثة ولكنه خرج بفضل مسئولي البيانكونيري لكي يمثل إيطاليا ويجلب كأس العالم ويغفر له الجميع كل ما سبق .

يقف ماريو على حافة هذا الوادي المظلم، لكنه يسمع صراخ طفل صغير يأتي من بعيد من قلب أليانز ريفيرا معقل صقور نيس، هتاف فرنسي خالص، مازال يؤمن أحدهم بماريو، مازال هناك فرصة يا ماريو حتى لا يبتلعك هذا الوادي اللعين.. وادي المنبوذين.

(1) تلك الفقرة هي مزيج من كتابات إدواردو جالياني تم مزجها بتصرف.

(2) أيها .... ثم تموت، تلك الجملة مقتبسة من كتاب محمد المنسي قنديل "لحظة تاريخ "

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات