كتب : محمد يسري
"في الصباح كنت أفكر في مباراتي المقبلة مع الكاستيا، وفي المساء وجدت نفسي مدربا للفريق الأول" هكذا تحدث زين الدين زيدان عن تولية تدريب ريال مدريد في 4 يناير الماضي خلفا لرفائيل بينتيث.
كل ما امتلكه زيدان قبل خوض مباراته الأولى مع ريال مدريد تمثل في: بعض الدورات التدريبية للحصول على الرخصة الرسمية للمزاولة المهنة، كان منها دورة تحت إشراف الأرجنتيني مارسيلو بيلسا، وزيارة لمدة 3 أيام لجوسيب جوارديولا في بايرن ميونخ و41 مباراة مع الكاستيا.
ومع ذلك قدم لم يخسر سوى مرتين فقط مع ريال مدريد وتعادل في 8 مباريات من أصل 48 مباراة. أي زيدان قاد فريقه للفوز في 38 مباراة وحقق لقب دوري أبطال أوروبا، وحاليا يتصدر الدوري الإسباني بفارق 6 نقاط عن برشلونة بعد مرور 13 جولة.
لماذا؟ الإجابة تتمثل في استعراض أفكار زيدان التدريبية خلال رحلته مع ريال مدريد.
التأثر بأفكار بيلسا وجوارديولا
في المؤتمر الصحفي الأول لزيدان قال: "سأعيد الكرة الجميلة للفريق التي تُمتع الجمهور".
ديبورتيفو لاكورونيا كان الاختبار الأول له مع ريال مدريد، اختبار سهل نسبيا أمام صاحب المرتبة التاسعة وعلى ملعب سانتياجو بيرنابيو. بالفعل، نجح زيدان في تحقيق وعده الأول.
الاستحواذ على الكرة، التمرير القصير، بناء الهجمات السليم من الخلف، الضغط المبكر الجماعي على الخصم لاستعادة الكرة، أمور ساهمت في الفوز بخماسية في أمتع مباراة لريال مدريد في الموسم الماضي، لم تكن مباراة بقدر ما كان عرض ممتع على البيرنابيو.
المباراة الثانية أمام خيخون وعلى البرنابيو أيضا، الخماسية تتكرر، والتأثر بأفكار بيلسا وجوارديولا مازال يسيطر على فكر زيدان الكروي، حيث استحوذ الريال على الكرة بنسبة 62% بعدما خسره في المباراة الأولى لصالح الديبور بنسبة 52%.
إذا، يبدو أن "تيكي تاكا" مدريدية تلوح في الأفق مع صانع الألعاب الفرنسي، بعد اعتماده على توني كروس، لوكا مودريتش وإيسكو في وسط الملعب مع بيل، بنزيما ورونالدو في الهجوم.
قبل الخوض في باقي النقاط، يجب أن نشير إلى أن زيدان خاض اختبارات مع ريال مدريد لم يكن قد خاضها من قبل، تسببت في تغيير أفكاره والاستغناء عن بعضها مقابل تحقيق المكسب.
فمثلا لم يسبق لزيدان وأن واجه فريق خارج أرضه قبل لقاء ريال بيتيس في ملعب بينتو فيامارين العام الماضي، وأيضا لم يسبق لزيدان وأن لعب مباراة أمام خصم متوسط القوة في ملعب صعب مثل جوزيه ألفالاد معقل سبورتنج لشبونة بعد الانتصار على فريق شرس مثل أتليتكو مدريد.
المراد قوله أن زيدان مازال يتعلم في ريال مدريد...
الخسارة التي تهديك مفتاح الفوز
مؤشر الدوافع التي خلقها زيدان للفريق أصبح في هبوط مستمر، ويقابله صعود في قوة الخصوم؛ لذا كان من الطبيعي هبوط أداء الفريق وظهور بعض العيوب الدفاعية التي كادت أن تكلف الفريق نقاط مباراة غرناطة لولا لوكا مودريتش، ويبدو أن كروس لن يستطع الاستمرار في مركز الارتكاز على الدائرة كما أكدت مباراة بلباو.
الهدف الأول الذي سكن شباك ريال مدريد، لاحظ أين يتواجد كروس.
مباراة غرناطة التي فاز فيها الريال بشق الأنفس، كروس لم يقم بواجبه الدفاعي؛ لتنتهي اللقطة بتعادل الفريق الأندلسي.
وأمام بلباو وتمركز خاطئ أيضا من كروس الذي كان يشارك في مركز غير مركزه.
يبدو أيضا أن أفكار بيلسا وجوارديولا لن تفيد الفريق أمام أتليتكو مدريد الذي ألحق بزيدان هزيمته الأولى -والوحيدة حتى الآن- في الدوري الإسباني.
في تلك المباراة استحوذ ريال مدريد على الكرة بنسبة 66%، ولم يصوب على المرمى سوى مرتين فقط. نفس عدد تصويبات أتليتكو مدريد الذي استحوذ على الكرة بنسبة 34% فقط.
تمريرات ريال مدريد في اللقاء تؤكد عجز الفريق في تحويل السيطرة لأهداف.
فيما تكفي لقطة هدف أنطوان جريزمان عن تفسير الوضع الدفاعي الذي يرثى له.
فيليبي لويس ينطلق من مركز الظهير للأمام دون أي رقابة، جريزمان لا يجد أي ضغط، وإيسكو يترك كوكي ينطلق لمنطقة جزاء ريال مدريد.
دربي مدريد نقطة التحول لريال زيدان.
كاسيميرو أصبح أساسيا على حساب إيسكو، ومن وقتها لم يخسر الفريق أي مباراة شارك فيها قاطع الكرات البرازيلي الذي أضاف القوة والصلابة لخط وسط ريال مدريد وحماية أكثر لثلاثي الهجوم وقلل معدلات جري كروس ومودريتش وراء الخصم لقطع الكرة.
مهمة كاسيميرو مع الفريق لا تقل أهمية عن مهمة كلود مكاليلي مع الفريق إبان فترة لعب زيدان، فمثلما كان الفرنسي الأسمر هو "مهندس" ريال مدريد بحسب وصف المدرب الإيطالي المخضرم كلاوديو رانييري، أصبح كاسيميرو مفتاح انتصارات ريال مدريد بحسب وصف مدرب أتليتكو مدريد دييجو سيمويني الذي لم ينتصر على الفريق في أي مباراة شارك فيها كاسيميرو.
القليل من كابيلو لا يضر
بعد التخلي عن أفكار جوارديولا وبيلسا، أصبح الأهم عند زيدان هو الفوز وليس الآداء، الفوز هو المهم حتى لو سيقدم الفريق كرة قدم قبيحة.
هل تعلم لماذا رحل فابيو كابيلو عن الفريق بعد تحقيقه للقب الدوري موسم 2006-2007؟ الإجابة تمثلت في أن آداء الفريق ممل وسئ ودفاعي.
أغلب مباريات ريال زيدان هذا الموسم تحمل تلك الصفات، لكنه أضاف صفة جديدة: كثرة الأهداف.
مع كابيلو كان يسجل الفريق 1,82 هدفا في المباراة، أما مع زيدان فيسجل الفريق 2,98 هدفا في المباراة، الفارق واضح لريال زيدان مع العلم أن كابيلو قاد الريال في 50 مباراة في هذا الموسم، مقابل 48 مباراة لزيدان مع ريال مدريد.
نحو المزيد من مورينيو
"يؤمن مورينيو أن من يمتلك الكرة معرض أكثر للخطأ في المباريات، لذا يتركها للخصم ويعتمد على المرتدات" الصحفي دييجو توريس يشرح لماذا يلعب مورينيو خلف الكرة في كتابه عن الرجل الاستثنائي "الجانب المظلم من مورينيو" الذي نُشر إبان فترة تواجد المدرب البرتغالي في ريال مدريد.
اتبع مورينيو أسلوب الخطة المضادة لبرشلونة جلب لريال مدريد الفوز الأول على برشلونة في نهائي كأس الملك عام 2011، بعد 6 مباريات كلاسيكو دون أي انتصار لريال مدريد.
ترك الكرة للمنافس والعودة للمناطق الدفاعية لسد المساحات واللعب بتحفظ وواقعية سياسة أنشأها مورينيو في ريال مدريد، تقبلها الجمهور المتعطش للفوز على برشلونة ونفذها الفريق بشكل جيد حتى تم كسر هيمنة الكتلان على الكلاسيكو.
لذا لم يجد زيدان أي مانع في تطبيقها خصوصا وأن قادة الفريق أمثال سيرجيو راموس وبيبي وكريستيانو رونالدو أجادوا تطبيقها مع مورينيو.
تطبيق أسلوب مورينيو بطريقة زيدان جلب للريال مدريد الانتصار الأول على ملعب كامب بعد عامين من الخروج بخفي حنين مع كارلو أنشيلوتي.
اللعب خلف الكرة لم يكن أمام المنافس التقليدي وحسب؛ بل أمام أتلتيكو مدريد أيضا.
هل تتذكر النقطة التي تحدث فيها عن تعلم زيدان لأشياء جديدة مع ريال مدريد؟
بعد الدربي الذي خسره "زيزو" تعلم كيف يلعب أمام الجار المدريدي، لم ينجح بنسبة كبيرة في تطبيق أسلوب لعبه في نهائي دوري الأبطال، لكنه نجح بنسبة 100% في تطبيقه في الدربي الأخير الذي جمع بين الفريقين في الجولة 12.
مورينيو كان لا يحتاج للكرة ليفوز، تماما مثلما يفعل زيدان في مبارياته الهامة مع الفريق.
بالإضافة للنقاط السابقة، لدى زيدان مرونة تكتيكية تجعله يعرف كيف يفوز على أي فريق، بسبب عمله كلاعب مع إيميه جاكيه في فرنسا، ومارشيلو ليبي وكارلو أنشيلوتي في يوفنتوس وبيثنتي ديل بوسكي في ريال مدريد.
اكتساب الخبرات من هؤلاء المدربين والعمل مع "مدارس تدريبية" مختلفة في دوريات مختلفة أثر على المستوى التدريبي لزيدان وأضاف له المرونة الخططية.
لا يُصنف زيدان ضمن الكبار في عالم التدريب لكنه يسير نحو تلك المكانة بخطى ثابتة حتى الآن.