كتب : هشام إسماعيل
عندما تأسست الإسكندرية كان مقدرا لها أن تكون المدينة الأكثر في مصر اختلاطا بالثقافات الأجنبية خاصة القادمة من خلف البحر المتوسط.
حتى التسعينات من القرن الماضي (لازال هناك ومضات) كان يمكنك أن ترى كيف أثرى الأوروبيون هذه المدينة التي تأسست قبل الميلاد بمئات السنين على يد الإغريق.
كرة القدم كانت واحدة من مظاهر الكوزموبوليتانية في العالم التي انتشرت عن طريق امتزاج الثقافات المختلفة والتي نقلها الإنجليز والشعوب التي احتلتها بريطانيا قبل أن تتطور لتصبح مجالا للمنافسة بينهما ويعتبر الفوز نوع من أنواع التفوق ولو النفسي على الآخر، وبالطبع كان للإسكندرية الريادة في ذلك الأمر.
ضف على ذلك الألعاب الأوليمبية التي تتفوق فيها مدينة الثغر، 18 ميدالية من أصل 31 حصلت عليها مصر جاءوا من هناك، بل أن الفضل في المشاركة الأوليمبية لمصر جاءت بسبب رجل يوناني ولد وعاش في الإسكندرية يدعى أنجلو بولاناكي وهو الذي أسس اللجنة الأوليمبية المصرية.
لكن دعنا نعود لكرة القدم..
مصر انتشر بها عدد من الأندية الاجتماعية والرياضية أيضا لكنها كانت تخص الأثرياء والطبقات العليا فقط من المصريين والأجانب، مثل الجزيرة بالقاهرة وسبورتنج في الإسكندرية، هذه الطبقات كانت لا تمارس كرة القدم فكانت تنجذب لرياضات الأثرياء في أوروبا مثل البولو أو التنس.
الجنود الإنجليز هم من اهتموا بكرة القدم وتأثرت بها المناطق الشعبية أو الفقيرة في مصر وما أكثرها آنذاك، وكذلك الجالية الأجنبية التي عاش منها 40% في ذلك الوقت بالإسكندرية وهذا الأمر الذي كان له مفعولا إضافيا على انتشار الكرة بشكل أسرع هناك عن باقي المدن.
في القاهرة (العاصمة) عام 1903 أنشأ عدد من المهندسين الأجانب نادي السكة الحديد في مصر من أجل ممارسة كرة القدم، فكرة إنشاء نادي مصري يمارس كرة القدم خرجت من الإسكندرية عبر رجل يدعى علي مخلص الباجوري موظف الجماري السكندري الذي تأثر بكرة القدم من الإنجليز.
الفكرة استطاع أن يقنع بها حسين سامي مدير الجمارك وقتها الذي وافق على رئاسة نادي النجمة الحمراء (الأوليمبي لاحقا) الذي تم إنشاؤه عام 1905، ولذلك فإن الإسكندرية خرج منها أول فريق مصري بحت يلعب.. جدير بالإشارة أن الهدف من إنشاء الأهلي والزمالك لم يكن له علاقة بكرة القدم تحديدا إذ أن الأول حظي بأول فريق في عام 1911 بعد 4 أعوام من إنشائه والثاني في عام 1914 بعد 3 سنوات من إنشائه.
جدير بالإشارة أيضا إلى أن عمر بك لطفي صاحب فكرة تأسيس النادي الأهلي هو محامي ولد في مدينة الإسكندرية عام 1867.
أنجلو بولاناكي
هذا الرجل اليوناني الذي ولد في الإسكندرية وعاش أغلب فترات حياته فيها لم تكن إسهاماته في تاريخ مصر الرياضي مقتصرا على إنشاء اللجنة الأوليمبية فقط، لكن بسببه أصبحت المدينة هي الرائدة في كرة القدم.
أول بطولة كروية مصرية أقيمت بين الأندية كانت فكرة هذا الرجل اليوناني السكندري عام 1913، اعتذر الأهلي عن المشاركة ولم يكن الزمالك قد أنشأ فريق الكرة، تصفيات الإسكندرية فاز بها الأوليمبي وفي القاهرة كان السكة الحديد قبل أن يلتقيا في النهائي وخسر بطل الثغر أمام السكة الحديد الذي كان أغلب لاعبيه أجانب.
بولاناكي كان قد أسس ناديا يدعى الاتحاد المختلط في الإسكندرية واتخذ من استاد الشاطبي ملعبا له، قبل أن يصبح في عام 1914 مع موعد تاريخي بعد أن رفع العلم الأوليمبي لأول مرة في التاريخ هناك في الاحتفالية بمرور 20 عاما على انطلاق الأولمبياد.
ربما كانت التميمة التي جلبت التفوق للإسكندرية في الألعاب الأوليمبية.
من ناحية أخرى وفي نفس العام كان هناك مساعي من عدة أندية للاندماج سويا، حتى حدثت بين أندية (الحديثة، الاتحاد الوطني، الأبطال المتحدين، السكندري) وتم إنشاء نادي الاتحاد السكندري الذي أصبح زعيما للثغر.
لماذا أصبح هو النادي الأشهر على الرغم من أن النجمة الحمراء أو الأوليمبي لاحقا كان يمتلك الأقدمية بالإضافة لريادته في كرة القدم على مستوى مصر؟
الأمر يتلخص في أن نادي النجمة الحمراء كان في البداية مقتصرا على الموظفين بعكس الاتحاد السكندري الذي نجح في اجتذاب شعب الثغر حوله ليصبح منذ ذلك الحين هو الفريق الشعبي رقم 1 بالإسكندرية.
الاستاد الأول في إفريقيا
كان يحلم بولاناكي بإنشاء استاد في المدينة التي ولد بها، من أجل تنظيم أول دورة ألعاب أوليمبية في القارة السمراء وبدأ في اقتراح بناء استادات كالتي توجد في أوروبا على الأعيان المصريين والأجانب.
الأمر تحمس له الملك والأمراء وكذلك رجال الأعمال السكندريين الذين بدأوا في ضخ التبرعات من أجل أول استاد بمواصفات أوروبية في إفريقيا، وبالفعل في نوفمبر من عام 1929 افتتح الاستاد بحضور الملك فؤاد وأقيمت عليه مباراة الاتحاد ونادي القاهرة وانتهت بفوز زعيم الثغر بهدف.
أول استاد في إفريقيا والوطن العربي ليس فقط في مصر.
الاتحاد
إذا تطرقنا للحديث بشكل منفصل عن أندية كرة القدم السكندرية، لا نستطيع أن ننكر تفوق الاتحاد شعبيا وكذلك كرويا على الرغم من إنه لم يتوج ببطولة الدوري من قبل بعكس الأوليمبي الذي فعلها وشارك في بطولة إفريقيا للأندية أبطال الدوري وحرمته النكسة من استكمال مسيرة رائعة.
الاتحاد هو أول فريق يتوج بكأس مصر من خارج القاهرة وحدث ذلك عام 1925 على حساب الأهلي بعد أن فاز عليه 3-2 في مباراة الإعادة بعد أن تعادلا 2-2 بالمباراة الأولى، ليكتب بداية تاريخه مع الألقاب.
زعيم الثغر عاد وانتزع اللقب من جديد بعد 10 سنوات على حساب السكة الحديد ثم في 1948 على حساب الزمالك بهدفين مقابل هدف.
لكن الذي يظل واحدا من أغلى ألقاب الاتحاد السكندري هو الفوز بكأس مصر عام 1963 على حساب الزمالك الذي كان يعتبر الفريق الأفضل في البلاد آنذاك وامتلك لاعبين مثل حمادة إمام وسمير قطب وعبده نصحي ويكن حسين وغيرهم.
تقدم الأبيض بهدف الثعلب الكبير ثم تعادل الاتحاد بهدف جابر الخواجة لكنه لم يصمد دقيقة حتى أضاف الزمالك هدفا ثانيا عن طريق فاروق السيد، وبدأت الدراما في الربع ساعة الأخيرة بعد أن تقدم أحمد صالح مدافع زعيم الثغر ليسجل هدفين في 10 دقائق قلب بهم الطاولة على الفارس الأبيض في قلب القاهرة ليعود باللقب إلى الإسكندرية.
يعود الاتحاد ويقتنص من الأهلي لقبين للكأس في أقل من 4 سنوات، الأول عام 1973 بالفوز 2-1 بعد وقت إضافي سجل للأحمر محمود الخطيب فيما سجل للاتحاد شحتة الإسكندراني والجارم.
وعام 1976 البطولة الأشهر ربما في تاريخ الاتحاد السكندري بعد أن سجل طلعت يوسف هدفا شهيرا بعد أن طار حذائه خارج المرمى وسط اعتراضات لاعبي الأهلي بعدم قانونية الهدف ليركض يوسف نحو حذائه حتى لا يرى الحكم وبالفعل تم احتسابه ليتوج زعيم الثغر بسادس بطولاته.
الأوليمبي
منذ بداية الدوري عام 1948 لم ينجح فريق من خارج القاهرة خطف اللقب، الأهلي والزمالك يسيطران ومعهم الترسانة الذي بدأ في الظهور بالصورة بلقب وحيد مع ترنح الأحمر في الستينات.
حتى امتلك الأوليمبي جيلا ذهبيا نجح في اقتناص اللقب بموسم 1965-1966 على حساب الزمالك بقيادة حمادة إمام وعمر النور وأبو رجيلة.
والأمر كان مثيرا إذ أن الأوليمبي استضاف الزمالك في الأسبوع الأخير وكان الأبيض لا يمتلك خيارا سوى الفوز فيما احتاج الفريق السكندري للتعادل فقط للظفر بلقب الدوري، لكن الراحل عز الدين يعقوب الهداف التاريخي للأوليمبي وصاحب الـ86 هدفا استطاع أن يخطف الانتصار في الدقيقة الأخيرة ليؤكد أحقية فريقه باللقب.
الأوليمبي تأهل للمشاركة في بطولة إفريقيا للأندية أبطال الدوري ووصل لربع النهائي وخاض مباراته الأولى أمام سان جورج الإثيوبي وخسر خارج ملعبه 3-2 وكان يحتاج للفوز بهدف إيابا لكن بسبب ظروف النكسة انسحب النادي السكندري.
الكرة في الشوارع
بعد سنوات ربما لم تصبح كرة القدم هي اللعبة التي تتفوق فيها أندية الإسكندرية، تفوق الاتحاد غير العادي في كرة السلة جعل البعض يتجه لها.. لكن تظل هي اللعبة الشعبية الأولى في الشارع.
هل سمعت عن دورة الفلكي؟
الكل في الإسكندرية يعرف ما هي دورة الفلكي، اللعب هناك بكرة شراب لكنها ذاع صيتها كثيرا فقد علق عليها محمد لطيف وحمادة إمام ومحمود بكر وحضرها المدربون الأجانب.
في فيلم الحريف والذي قام ببطولته عادل إمام كان يريد محمد خان المخرج الراحل أن يصور بعض المشاهد هناك.
ويقول أحمد ساري قائد ونجم الاتحاد في التسعينات في تصريحات لـFilGoal.com "هل تعلم أن الفنان عادل إمام جاء وحضر دورة الفلكي من قبل عندما كان يستعد لتصوير فيلم الحريف؟".
وأضاف "بل وكان يريد أيضا التصوير هناك لكنه واجه صعوبات بسبب المكان والعدد".
ربما لو شاهدت مباراة من قبل في دورة الفلكي ستعرف مدى تأثير كرة القدم بشكل كبير في شوارع الإسكندرية.
نجوم الإسكندرية
خلال أكثر من قرن أخرجت الإسكندرية الكثير من نجوم الكرة المصرية، الشقيقان محمود حودة والسيد حودة أصحاب المشاركات الأوليمبية مع منتخب مصر في العشرينات مع حسين حجازي والتتش وسجلا في دورة أمستردام التي حصل فيها الفراعنة على المركز الرابع.
محمد دياب العطار أو الديبة والذي سجل 81 هدفا في بطولة الدوري مع الاتحاد السكندري كما قاد منتخب مصر للفوز بكأس الأمم الإفريقية 1957 بخمسة أهداف، 4 منهم كانوا في شباك إثيوبيا بالمباراة النهائية.
عرابي حارس الاتحاد السكندري، صاحب أكثر إنجاز فريد في تاريخ حراسة المرمى بالكرة المصرية بعد أن نجح في التصدي لخمس ركلات جزاء أمام الإسماعيلي في نصف نهائي كأس مصر 1973.
القانون آنذاك كان يجبر الفريقين على لعب الركلات الخمس حتى لو حُسمت النتيجة وبالتالي فإن الاتحاد نفذ الركلات الخمس وسجل 4 فيما فشل لاعبو الإسماعيلي أمام عرابي الذي تصدى للركلات الخمس.
شحتة الإسكندراني
أحد أبرز لاعبي الجيل الذهبي للاتحاد في السبعينات والذي توج بلقبي كأس مصر على حساب الأهلي وكان له دورا كبيرا في بطولة 1973 تحديدا بهدف في شباك إكرامي بالنهائي.
شحتة كان ضمن ثلاثة مصريين تم اختيارهم لتمثيل منتخب إفريقيا في كأس استقلال البرازيل عام 1972 بمشاركة منتخبات كبيرة مثل البرازيل والأرجنتين وفرنسا والبرتغال وألمانيا بنجومهم مثل ريفلينو ودجوركاييف الأب وإيزبيو وغيرهم.
المصريان الآخران كانا حسن علي حارس الترسانة وهاني مصطفى مدافع الأهلي.
لا يمكن التحدث عن نجوم الكرة في الإسكندرية دون التطرق للأفضل على الإطلاق، أحمد الكاس والذي نجوميته بدأت مع الأوليمبي وسجل معه 78 هدفا قبل أن ينتقل للزمالك وحقق معه دوري الأبطال وسجل 25 هدفا بقميصه بالدوري قبل أن يختتم مشواره في الثغر من جديد مع الاتحاد وسجل 4 أهداف ليصل إلى 107 هدفا يجعلوه في المركز السادس يتفوق عليه فقط الخطيب ومصطفى رياض والضظوي وحسام حسن والشاذلي.
الكاس أطلق عليه هذا الاسم تيمنا بالكاس الكبير، نجم الأوليمبي والاتحاد في الستينات صاحب البشرة السمراء والذي سجل الكثير من الأهداف للفريقين السكندريين تخطوا الخمسين.
الكاس أيضا هو أحد أعضاء نادي المائة مع المنتخب الوطني إذ خاض 112 مباراة بقميص الفراعنة ويكفي أنه من صنع هدف حسام حسن أمام الجزائر والذي صعد بأبناء الجوهري لكأس العالم 1990 في إيطاليا والذي شارك فيه الكاس أيضا، وسجل المهاجم الأسمر 25 هدفا للفراعنة.
هناك الكثير من النجوم الأخرى عز الدين يعقوب نجم الأوليمبي وبطل الدوري معه في الستينات والذي فصله فقط 14 هدفا عن نادي المائة في بطولة الدوري.
لم يكن فقط لاعبا مميزا في كرة القدم بل أنه كان يمتلك رقما إفريقيا في لعبة الوثب الطويل، لكنه كان أحد اللاعبين الذين ظلمتهم النكسة.
وآخرون مثل طلعت يوسف ومحمد عمر وأحمد ساري وهناك أيضا بعض اللاعبين الذين خرجوا من الإسكندرية وتألقوا أكثر مع أندية خارجها، أبرزهم أيمن شوقي أحد أبرز هدافي الأهلي في السنوات الأخيرة وشادي محمد قائد الجيل الذهبي للشياطين الحمر.
- بعض الصور منقولة من موقع Ittihad.com والصورة الرئيسية من تصوير صديقنا نديم أحمد.