كتب : مصطفى عصام
في أحد الأيام الأخيرة من عام 1969 وفي إطار التصفيات النهائية لمجموعة دول الكاريبي للتأهل لكأس العالم بالمكسيك عام 1970، كانت المباراة بين هندوراس والسلفادور وتُقام على ملعب الأولى، تمكن رودريجز مهاجم السلفادور من إحراز هدف لفريقه وقبل أن تفيق جماهير السلفادور من نشوتها وهي تنصت بشغف لمعلقها الذي ينقل الوصف التفصيلي عبر الأثير.
إذا بالمعلق يصيح قائلا "يا إلهي، إنهم يقتلون رجالنا"، فكانت تلك الصيحة إشارة لحرب شعواء لطيارات مقاتلة من السلفادور تنتقم من المعتدين في هندوراس.
التعليق الرياضي له خطورة وتأثير بالغ وفوري على جماهير المستمعين والمشاهدين، تتفاوت تلك ردود الأفعال بين السلبية والإيجابية طبقا لقدرات المعلق والظروف التي يُعلق بها بطبيعة الحال.
النوادر الإذاعية الأتية يحكيها لكم حسام الدين فرحات الإذاعي الشهير وأول رئيس لقناة النيل للرياضة فور إنطلاقها من كتابه "استوديو 7.. خواطر وطرائف خلف الميكروفون الرياضي".
كوماسي والخدعة
يوم 12 ديسمبر عام 1982 كان يوما مشهودا في تاريخ الكرة المصرية.
سافر فريق الأهلي لكوماسي للقاء كوتوكو بمعقل الأشانتي بغانا في نهائي بطولة إفريقيا للأندية أبطال الدوري، وسافرت مع الأهلي لإذاعة المباراة على الهواء عبر أثير الإذاعة.
وكان الأهلي قد فاز بالذهاب في القاهرة بثلاثية نظيفة، وقبل يوم من المباراة ذهبنا للإذاعة المحلية بكوماسي للإطمئنان بتوفير نقطة إذاعية لنا في الملعب لإذاعة المباراة وفقا للبرقيات السالف إرسالها لإذاعة غانا.
ويوم المباراة العصيب امتلأ الإستاد بكوماسي بما لا يقل عن ثمانين ألف متفرج، وجلست ومعي ميمي الشربيني أمام الميكروفون الذي أُعد لنا لننادي على القاهرة ولا مجيب، الوقت يمر والأعصاب تتوتر وتبدأ المباراة.
أتى لي مسؤول الإذاعة الغانية فجأة، وتحدث لي في الميكروفون على أننا الآن على الهواء في القاهرة وأوهمنا بأنه علم ذلك من مسؤول السنترال.. لم يكن أمامنا حيلة سوى أن ننفذ ما يقول ربما كان صادقا، وفعلا بدأنا أنا وميمي الشربيني نقدم المباراة والوصف التفصيلي لها حتى نهايتها وكانت نهاية سعيدة لنا بتعادل الأهلي بهدف لكل فريق بهدف للموهوب محمود الخطيب.
و لكنها لم تكن سعيدة إذاعيا، حيث علمت مساء من الزميل محمود معروف أن صوتنا لم يصل للقاهرة، وبلغة الإذاعة كنا نذيع (أمريكاني)، وأن الأستاذ فهمي عمر عندما افتقد صوتنا راح يتصل عن طريق وزارة الخارجية بالسفارة المصرية بأكرا حيث علم من موظف السفارة الذي يستمع لراديو غانا أن الأهلي تعادل وفاز بالكأس وأن مصطفي عبده هو من أحرز التعادل فزف النبأ في تعليقه الكروي مساء نفس اليوم.
وفي اليوم التالي، وعقب وصول البعثة، ذهبت للأستاذ فهمي عمر الذي هدأ من قلقي وحزني لما حدث، وقال لي أنه سافر لثلاث مرات نحو كوماسي وفي تلك المرات الثلاث، لم يذع دقيقة واحدة إرسال!
خفف من حزني أن صوتي أنا وميمي الشربيني أذيع على شريط المباراة في اليوم التالي مباشرة، ومن العجب أن الأمر تكرر في عام 1983 وحدث نفس الأمر في نفس النهائي بين الأهلي وكوتوكو مع الزميل أحمد الليثي.. ولكنه استفاد بالدرس ولم يقم بالتعليق!
إثنان.. على "كارو"!
في إحدى مباريات النادي الأهلي بالمنيا، كُلفت أنا والكابتن أحمد عفت بإذاعة هذه المباراة.
ركبنا القطار الديزل المجري الذي يغادر القاهرة في الثامنة والنصف صباحا، ولكن حدثت ظروف أخرت موعد وصول الديزل إلى المنيا بعض الوقت فنزلنا للمحطة قبل بدء المباراة بنصف ساعة، والسيارات التي تنتظرنا خارج المحطة لتقلنا للملعب قد غادرت المحطة لسبب غير معلوم.
البحث عن عربة أجرة كالبحث عن إبرة في كومة قش، الجماهير تملأ شوارع المدينة في طريقها للملعب.
فجأة جذبني عفت من يدي مسرعا بالركوب نحو "عربة كارو" تسير متهادية بين الجماهير وهى تحمل ركابا في طريقهم للملعب ودفعني لها لأنها ملاذنا الأخير.
وفعلا ركبنا "الكارو" وسط سعادة جماهير المنيا التي تجاذبت معنا أطراف الحديث، ودخلنا الاستاد في أغرب زفة بلدي رأيتها في حياتي. حتى رجال الأمن رغم معانتهم أفسحوا الطريق للكارو لدخول الاستاد حتى حطت على دائرة وسط الملعب قبل نزول الفريقين لأرض الملعب، واستطعنا نقل الوصف التفصيلي للمباراة عبر الأثير، وكانت الوسيلة الوحيدة آنذاك حيث لم يكن التلفزيون ينقل مبارايات من المنيا وقتها.. وتمت المهمة بنجاح.