كتب : وكالات
(إفي): في حديثه عن دربي مدريد، قال ألفريدو دي ستيفانو، أحد أساطير ريال مدريد "في عصري، كان الخصم هو أتليتكو (مدريد). كان الفريق الذي يجب علينا أن نفوز عليه بأي ثمن لأنه كان الفريق الجار، والخسارة أمام الجار تعني أنه في اليوم التالي في المكتب أو في الحانة أو في الشارع سيسخر أنصاره من أنصارنا وبالتالي منا نحن".
وقال أديلاردو رودريجيز، أكثر من لعب لأتليتكو مدريد حتى الآن (1959-1976) "كانت مباراة العام (أمام ريال مدريد)، كنا نسبب لهم المتاعب كما هو الحال الآن".
ففي السابق كانت مباراة ريال-أتليتكو مدريد هي الكلاسيكو في إسبانيا، فقد "كان برشلونة بعيدا"، كما صرح دي ستيفانو.
فدائما ما طغت المنافسة الشديدة بين الفريقين منذ اللحظات الأولى لظهورهما في العاصمة الإسبانية.
كان فوز أثلتيك بلباو بأول نسخة من بطولة كأس ملك إسبانيا، والمسماة وقتها باسم "البطولة الإسبانية"، في أوائل ابريل عام 1903 على حساب فريق مدريد (ريال مدريد حاليا) هو بداية التنافس والحماس، بل وأحيانا العداوة في العاصمة الإسبانية.
غير أن فريق أثلتيك بلباو ينتمي لإقليم الباسك في أقصى شمال البلاد، بعيدا عن العاصمة التي تتوسط أراضيها تقريبا.
لكن بعد نجاح أثلتيك في الفوز بلقب الكأس على فريق مدريد، الذي كان له الفضل في اقامة البطولة واستضافتها والتكفل بتنظيمها في العاصمة، قام الفريق الباسكي بانشاء ناد جديد تابع له في مدينة مدريد وأسماه "نادي أثلتيك (فرع مدريد)" الذي نافس جاره العاصمي في البطولات المحلية والوطنية، والذي تحول لاحقا لـ"أتليتكو مدريد".
كان فريقا أثلتيك بمثابة فريق واحد، حيث كان يشارك لاعبو الفريق من فرع العاصمة مع الفريق الأساسي القادم من الشمال في بطولة الكأس في ظل عدم استطاعة فريق فرع مدريد التأهل لها حيث كانا يعتبران ناديا واحدا.
وتجدر الإشارة إلى أن كلمة "أتليتكو" (أو Atlético) بالإسبانية هي المرادف لكلمة "أثلتيك" (أو Athletic) الانجليزية، والتي تعني "رياضي".
وكان أول لقاء جمع فريقي العاصمة في الـ28 من فبراير من عام 1904 في مباراة ودية انتهت بفوز فريق مدريد (ريال مدريد حاليا) برباعية نظيفة، ولكن أول مباراة رسمية بينهما كانت لها وقع خاص.
كان نظام الكأس في سنواته الأولى يقضي بمشاركة ثلاثة فرق فقط كممثلين عن شمال البلاد وجنوبها ومنطقة الوسط، ويتم اختيار الممثلين عن طريق بطولة محلية تشارك فيها الفرق الموجودة في كل منطقة مع بعضها البعض ويصبح الفائز هو ممثل تلك المنطقة في بطولة الكأس.
تواجه فريقا مدريد وأثلتيك (فرع مدريد) سبع مرات رسميا في بطولة مدريد المحلية فاز فيها جميعا فريق مدريد (الريال حاليا) وكانت أولها بنتيجة 2-1 في ديسمبر/كانون أول عام 1906 ، فيما كان أول فوز لأتليتكو على مدريد عام 1914.
وفي عام 1907 استطاع فريق مدريد الاحتفاظ بكأس البطولة الإسبانية بعدما فاز بلقبه الثالث تواليا على حساب اثلتيك بلباو الفائز بأول لقبين، ليعترض الفريق الباسكي على النتيجة بسبب "عدم رضاه عن التنظيم وسلوك الجماهير المدريدية".
كان فريق أثلتيك يشارك في هذه النسخة الخامسة من البطولة باسم "نادي بيثكايا" وهي مقاطعة باقليم الباسك وعاصمتها مدينة بلباو، وكان يشارك في الفريق لاعبون من ناديهم المدريدي "أثلتيك (فرع مدريد)".
وكان لهذه البطولة تحديدا مذاق مميز للفريقين، مدريد وأثلتيك، فقبلها كان لكل منهما لقبان ويسعى للفوز بالثالث للاحتفاظ بكأس المسابقة للأبد في خزائنه، وأدت النتيجة، بفوز مدريد، إلى امتناع الفريق الباسكي عن المشاركة في النسخة السادسة من البطولة عام 1908 ، والتي فاز بها مدريد ايضا على حساب فريق شمالي آخر هو فيجو (سلتا فيجو حاليا)، ولتبدأ العلاقات بين الناديين في التدهور، وخصوصا بين فريقي العاصمة؛ مدريد وأثلتيك (فرع مدريد).
وبدأ ظهور فريق أتليتكو (أو أثلتيك فرع مدريد) على الساحة الرياضية وتسببه في المشكلات لنادي مدريد في عام 1913 حيث تحتم على الفريقين لعب مباراة فاصلة لاعلان الفائز بالبطولة المحلية.
وفي عام 1916 ، تواجه فريقا العاصمة في المباراة النهائية للبطولة المحلية والتي فاز فيها مدريد بنتيجة 3-2 ، ليتأزم الموقف وتندفع جماهير أتليتكو لأرض الملعب وهي تنتوي مهاجمة حكم المباراة المنتمي لفريق مدريدي آخر وقتها كان يسمى "خيمناستيكا مدريد"، وبدأ من هنا معتقد التحيز التحكيمي ضد بعض فرق العاصمة.
وهو السيناريو المشابه لنهائي البطولة المحلية عام 1918 ولم يستطع فريق أتليتكو المشاركة في الكأس ايضا، وكانت أولى مشاركاته به عام 1921 بعد تتويجهم أبطالا لمنطقة مدريد، وهو اللقب الذي حصدوه مرتين اضافيتين قبل أن تبدأ بطولة الدوري الإسباني أو (لا ليجا).
ومن الملفت للنظر أن فريق "أثلتيك فرع مدريد" الذي شارك في بطولة الكأس الأولى له عام 1921 ، كان هو وصيف البطل "أثلتيك بلباو".
وفي نفس العام (1921) بدأت عملية الفصل بين فريقي أثلتيك لتتم نهائيا عام 1924 ، حيث تغير اسم الفريق العاصمي من "نادي أثلتيك - فرع مدريد" إلى "نادي أثلتيك مدريد".
كان فريق مدريد (ريال مدريد حاليا) قد حصل على أربعة ألقاب متتالية للكأس آخرها عام 1908 ، وهي البطولة التي رفض فريق أثلتيك بلباو المشاركة فيها، ولكنه غاب بعدها عن المباراة النهائية للبطولة حتى عام 1916 ليخسر اللقب من جديد أمام الفريق الباسكي برباعية نظيفة.
ومع انطلاق دوري القسم الأول في إسبانيا (لا ليجا حاليا) في نسخته الأولى موسم 1928-29 ، شاركت أندية ريال مدريد وأثلتيك بلباو وأثلتيك مدريد من اجمالي 10 فرق.
وكان لأثلتيك بلباو اللمسة الأخيرة في خسارة ريال مدريد للقب في ذلك الموسم لحساب برشلونة بفارق نقطتين بفوزه عليه في الجولة الأخيرة بهدفين نظيفين، بينما فاز الريال بنتيجة 5-1 في مباراة الذهاب.
وكانت نتيجة لقائي الريال وأثلتيك مدريد في ذلك الموسم هي فوز الريال في مبارتي الذهاب والإياب بنتيجة 2-0 و3-0 على الترتيب.
أما خلال الحرب الأهلية التي استمرت ثلاثة أعوام (1936-1939) فقد توقف النشاط الرياضي في إسبانيا تماما، إلا أن المنافسة بين الفريقين لم تتوقف، بل وواجه فيها فريق ريال مدريد تحديدا الكثير من المشكلات.
ففي دراسة قام بها إدواردو جونزاليز، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة كارلوس الثالث في مدريد، يقول "يجب أن نضع في الاعتبار أنه تم التحقيق في تعاون نادي ريال مدريد مع 'الجبهة الشعبية' خلال الحرب (الأهلية) بينما تقدم نادي أتليتكو مدريد بطلب للاستحواذ على الفريق (ريال مدريد)، وهو التهديد الذي تجنبه الريال باجراء اتصالات مع الجيش الإسباني".
وتغير اسم فريق أثلتيك مدريد في عام 1939 إلى أثلتيك-أبياثيون مدريد بعد اندماج نادي أبياثيون الوطني معه، وهو النادي الذي كان قد أنشأه ثلاثة ضباط في سلاح الجو الإسباني شغوفين بكرة القدم، وهو الاندماج الذي تفكك عام 1946 ليصبح اسم النادي "أتليتكو مدريد" كما هو معروف الآن.
يذكر أنه في عام 1941 ، صدر مرسوم من الجنرال فرانكو بمنع الكلمات الانجليزية في الرياضة الاسبانية ليصبح اسم فريق مدريد الرسمي "ريال مدريد"، وأثلتيك مدريد إلى "أتليتكو-أبياثيون مدريد" وأثلتيك بلباو إلى "أتليتكو بلباو".
وبالطبع كانت مسألة ضم اللاعبين من أبرز مظاهر المنافسة بين فريقي العاصمة حيث لجأ الفريقان إلى عقد اتفاقيات مع فرق أخرى لتزويدهما باللاعبين.
وفي أوائل خمسينيات القرن الماضي، أصبح ريال مدريد وجاره أتليتكو من الأندية القليلة التي استمرت طوال خمسين عاما في الكرة الاسبانية، وسط اختفاء أندية عديدة في نفس الفترة.
ظل التفوق لأتليتكو مدريد حتى تعاقد سانتياجو برنابيو، رئيس النادي الملكي، مع الأرجنتيني ألفريدو دي ستيفانو لقيادة الهجوم الأبيض عام 1953.
وألحق الأتليتي عدة هزائم كبيرة بالريال قبل وصول هذين القطبين، حيث كان في خزانته أربعة ألقاب للدوري ولقبان في الكأس، بينما كان لدي ريال مدريد لقبان فقط في الدوري وعشرة في الكأس.
بينما استطاع ريال مدريد بعدها حصد 19 لقبا، منها 15 رسمية، في غضون عشرة أعوام كان فيها دي ستيفانو هو قائد هجوم الملكي، وعلى الرغم من ذلك فقد حقق الأتليتي أول ألقابه الأوروبية موسم 1961-62 بفوزه بلقب كأس الكؤوس الأوروبية على حساب فيورنتينا الإيطالي.
وعلى ما يبدو، وكما اختتم الباحث جونزاليز فإن المنافسة الرياضية، سواء في كرة القدم أو في غيرها، تتخطى بساطة النتائج الرياضية، التي من الطبيعي أن تشهد طرفا فائزا وآخر خاسرا، فهي متعلقة كذلك بالظواهر الاجتماعية والمشاركة المجتمعية لكافة الأطراف.. فالأمر ليس محصورا في الرياضة فحسب.