في بعض الأحيان يولد في الملاعب شاب تتوسم فيه الجماهير السير على نهج الأساطير، هذا هو عالم كرة القدم مليء بالتوقعات، وبالتالي بعضها يصيب وبعضها يخيب.
لا توجد تركيبة معينة للنجاح، لا توجد خطوط محددة للسير عليها، الأمر قد يبدو محبطا للكشافة والمدربين، لكل من يتوقع النجاح للاعب فينجح لموسم أو اثنين ثم يخالف كل شيء ويستسلم للضغوط.
أحد هؤلاء هو روبينيو الأسطورة الذي انتظرناها كثيرا لكنها لم تأتي أبدا، كل لاعب شاب يحتاج للانتباه إليه والتشجيع لكي ينضج ويتطور ويتعلم، في بدايات الألفية الجديد عام 2000 كان هناك شابا برازيليا جديدا يتطلع الجميع لرؤيته يسمى روبينيو.
كل التوقعات كانت تشير إلى أنه أسطورة البرازيل القادمة وجذب انتباه كبار أوروبا بسرعة كبيرة، تمت مقارنته بتوستاو النجم البرازيلي الذي توج بطلا لكأس العالم 1970، إضافة إلى أن توستاو نفسه أثنى عليه وكذلك كارلوس كيروش الذي تابعه بعناية.
قال بيبي المهاجم الذي لعب بجانب بيليه في الخمسينات والستينات للبرازيل :"العالم بأكمله أصبح يتحدث عن سانتوس مرة أخرى والفضل يعود لروبينيو".
وتابع "أعتقد أن روبينيو يمتلك كل شيء ممكن للنجاح في أي مكان، حتى ريال مدريد، إنه ببساطة رائع".
ووصفه توستاو بـ "روبينيو هو بطل الجماهير في كل أندية البرازيل".
وأضاف "المشجعون معجبون به ويهتمون به كثيرا ليس لموهبته فقط أو طريقته السهلة في مراوغة الخصوم، لكن شكله الذي يبدو كالطفل وطريقته في التعامل معهم جعلته يخطف قلوب الجميع".
بالنسبة للبرازيليين كان روبينيو هو الخليفة المثالي لبيليه بدء من عام 1999، كان في تلك الفترة يتطور كناشيء هناك، وبكل تأكيد الجميع لاحظ موهبته.
لكن لم يلحظ أحد أن روبينيو لم يكن جاهزا للتعايش مع كل تلك الأحمال على كتفيه مقارنته بكثير من الأساطير، شخصيته لم تكن مثالية في تلك النقطة.
توقعات بيليه لم تكن صائبة دائما، ربما هو أسطورة داخل الملعب لكنه لم يكن كذلك في التوقعات، نتذكر جيدا كيف وصف نيك بارمبي لاعب ليفربول السابق بأنه سيكون في نفس مكانة زين الدين زيدان وباولو مالديني ورونالدو، لكن كم شخص يتذكر بارمبي؟ بيليه اختار روبينيو ليكون خليفته.
أداء روبينيو كان ممتازا للغاية في بدايته كان يبشر بشيء ما لكن لم يكن يجب أبدا أن يتم الضغط عليه بتلك الطريقة، وقع عقده الاحترافي الأول مع سانتوس في 2002، كان عمره 18 عاما، كان بكل سهولة يسجل الأهداف، وبطريقة أسهل يتصدر قائمة الهدافين والأسهل من كل ما سبق هو تصدر عناوين الصحف، مباراة بعد مباراة كان يطلق عليه الأسطورة وهو لازال في بداياته.
عائلة روبينيو وصفها بنفسه ذات مرة قائلا :"هم وتر أكيليس بالنسبة لي"، لكنه كان شخصية محبوبة كذلك من الجميع وليس عائلته فقط كان مرتاحا للغاية مع سانتوس ويشعر وكأنه في منزله لا يرغب أبدا في الرحيل.
مرة أخرى نجح في الفوز بالدوري عام 2004، الجميع أصبح يصفه بالساحر الذي يلعب كرة القدم للمتعة، دائما محبوب ومبتسم في الملعب يمتع المشاهد بإسهاماته، ببساطة وفي سنه الصغيرة، أهدافه ومراوغاته قادت فريقه للدوري كان ذلك بمثابة الحلم المنشود للجماهير التي تغنت باسمه قاوم الضغوط ولم يستسلم سجل 10 أهداف في 33 مباراة بكل المسابقات، وحظى بدعم عائلته التي كانت تحيطه إضافة للجماهير التي رأت فيه المنقذ لسانتوس إذ أنه ساهم في تتويج الفريق بالدوري عام 2002.
موسمه الثاني مع الفريق البرازيلي لم يكن الأفضل، على الهامش عرضا دراميا غير مرغوب فيه تم اختطاف والدته.
نشر الخبر كالتالي في صحيفة "جارديان" البريطانية اختطفت والدة اللاعب صاحب الـ20 عاما روبينيو أحد أبرز المواهب البرازيلية، كانت تستعد لحفلة شواء مع أصدقائها، على بعد 45 ميل من ساو باولو، حينما ظهر مسلحون في المنزل واختطفوها لمنزلها".
وأضافت الصحيفة البريطانية عن طريق مراسلها جاريث تشيتويند في ريو دي جانيرو "مارينا دي سيلفا سوزا وعمرها 43 عاما كانت محبوسة في حمام المختطفين في وسط المدينة بساو باولو".
شتت تلك الحادثة روبينيو كثيرا أخرجته عن مستواه وأبعدته عن سانتوس لكن من قال إنه سيخسر كل شيء؟ عاد من بعيد فور عودة والدته وجلب لقب الدوري لسانتوس مسجلا 21 هدفا في 37 مباراة.
بعد ذلك النجاح المحلي، كانت كل العناوين الصحفية الإخبارية وكل المحللين يرون أن الوقت قد حان لروبينيو لأن يخرج من البرازيل ويتجه لأوروبا عليه أن يبتعد ليرقص السامبا بعيدا عن رمال شواطئ ريو دي جانيرو.
كان عليه أن يثبت أنه يمتلك موهبة حقيقية لا استعراضية ويتم ذلك عن طريق أوروبا بكل تأكيد، احتاج ذلك في أقرب فرصة، مما دفع الوكلاء لدراسة العروض من أجله للتعايش مع الطبيعة الجديدة لكرة القدم التي اتجهت للإعلانات التجارية.
ريال مدريد ظهر وأراد ضمه بأي ثمن وعرض عليه عرضا لا يرفض، كانت تلك الفرصة الحقيقية لروبينيو ليثبت للجميع أنهم مخطئين وأنه موهبة كبيرة.
انتقل في 2005 إلى ريال مدريد، لكنه اصطدم بواقع مؤلم إصابات كثيرة والفشل في بلوغ سقف التوقعات الملكية، مما جعل الأمر صعبا بأن يكون بيليه الذي تمنته إدارة القلعة البيضاء في ذلك الوقت.
أن يدفع الفريق في ذلك الوقت مبلغ 25 مليون يورو لضم روبينيو جعل ذلك التوقعات ضخمة، بعد الإصابة كانت السخرية من أن النادي الملكي قد ابتاع بضاعة فاسدة، على الجانب الأخر كان هناك فتى صغيرا في الـ19 من عمره يدعى سيرخيو راموس انضم بمبلغ 27 مليون يورو لكنه كان أكثر صلابة من الفتى البرازيلي الهش.
في ذلك الموسم كان هدف ريال مدريد هو الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا، امتلك تشكيل يضم إيكر كاسياس وميشيل سالجادو وروبيرتو كارلوس وزين الدين زيدان وراؤول جونزاليز ورونالدو وجوتي وكاسانو وبيكام، كل تلك الأسماء المخيفة كانت من أجل هدف واحد التتويج الغالي، في تلك الفترة كان هناك مدربين الأول هو فانديرلي لوكسيمبرجو وخوان رامون لوبيز، الول تولى المهمة حتى ديسمبر 2005 والثاني حتى يونيو 2006.
حاول روبينيو العودة من بعيد في مباراة الكلاسيكو الشهيرة في النصف الثاني من الموسم عام 2006 حينما فاز الملكي بنتيجة 2-0 في ملعبه على حساب برشلونة، سيطر بمهارته على الجناح الأيسر وفاز بجائزة رجل المباراة وصنع هدفا لرود فان نيستلروي، وتوج بطلا للدوري الإسباني مع الملكي في 2006-2007 سجل روبينيو 5 أهداف في أخر 12 مباراة من الموسم ليؤمن اللقب لمدريد، وفي موسم 2007-2008 سجل 11 هدفا في 32 مباراة ليكون لقب الدوري الثاني على التوالي لريال مدريد لأول مرة منذ 28 عاما، من دون مساهماته في تلك المباريات لخسر الفريق الدوري نظرا لأن أهدافه كانت حاسمة للغاية.
لقد كان روبينيو لاعبا من نوع خاص موهوب وسريع للغاية ولديه القدرة على قلب نتيجة المباراة تماما، لكنه افتقر للثبات على مستواه لأعوام عديدة، كان مزاجيا حسب وصف البعض، إن كان مزاجه جيدا فأنت تمتلك أفضل لاعب مهاري في العالم، وإن لم يكن فأنت في ورطة كبيرة.
في ريال مدريد وبداياته كان متوقعا أن يكون النجم الأول لكن كيف يمكن أن يحدث ذلك في وجود أيقونة مثل زين الدين زيدان الأمر مستحيل كليا.
فيما بعد تحدث روبينيو عن فترته في ريال مدريد وقال :"كان لدي أوقاتا جيدة في ريال مدريد، الشيء الوحيد السيء في مواسمي الثلاثة بالنادي كان الطريقة التي غادرته بها".
وأضاف "النادي كان يحاول ضم لاعب جديد وهو كريستيانو رونالدو، لم يهتموا بي كثيرا رأوني بطيئا مقارنة به، وندمت فيما بعد على مغادرتي لريال مدريد، لأنني أعلم أن الجماهير لن تفهم أبدا ما حدث والسبب وراء رحيلي خلف ما يصدر في الصحافة".
وعلى الرغم من ذلك لم ينجح ريال مدريد بعد بيع روبينيو في ضم رونالدو عام 2008 من مانشستر يونايتد.
وتابع روبينيو "حينما لاحظوا أنهم لم يتمكنوا من ضم رونالدو في 2008، حاولت الإدارة أن تصلح الأمور لكنني لم أكن مهتما بالبقاء ما دمت خيارا أخيرا لهم".
كان فابيو كابيللو قد صرح في وقت سابق عن أسباب انتهاء قصة الحب بين إدارة الملكي وروبينيو قائلا :"ربما أخطأ ريال مدريد بجعل روبينيو ينمي الكثير من العضلات ساهم ذلك في الإبطاء من سرعته".
انتقاله لميلان لم يكن بالخطوة الجيدة على الرغم من أنه حقق لقب الدوري الإيطالي، لكن موهبته كانت تتلاشى مع مزيد من المستوى السيء، ثم فجأة انضم لمانشستر سيتي بمبلغ يقدر بـ42 مليون يورو في نهاية سوق الانتقالات الصيفية لعام 2008، كان ذلك في نفس اليوم الذي اشترت فيه مجموعة أبو ظبي المتحدة النادي.
روبينيو تحدث فيما بعد عن فترته في سيتي "لا مارك هيوز أو روبيرتو مانشيني فهموني، ربما آمنوا بالجوانب الرياضية فقط لكن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة لي".
وأضاف "كان هناك افتقارا للتواصل بين اللاعبين والنادي، لقد بدا الأمر كالمكتب نذهب للتدرب ثم نرحل، أنا برازيلي لا يمكنني أن أقدم أفضل مستوى لي إن لم أكن سعيدا، تلك كانت مشكلتي، أنا لاعب فريد من نوعه، أريد أن أكون سعيدا وأن ألعب".
وتابع "كنت سعيدا في ريال مدريد ولم أكن كذلك في سيتي، ربما لم يكن علي أبدا مغادرة ريال مدريد".
وأتم "كنت أريد الانضمام إلى تشيلسي مع لويس فيليبي سكولاري، في اللحظة الأخيرة ظهر سيتي ووافقت، لم أكن صاحب القرار الحاسم للصفقة، المراسلات كانت بين النايين ولم أكن مسؤولا عن شيء، لكن مارك هيوز اتصل بي وأصر على أن أنضم إليه، كان ذلك حاسما في الصفقة".
لكنه لم يقدم شيئا يذكر، اعتقد الجميع أنه سيفوز بالألقاب لسيتي وسيسجل الأهداف أينما حل، لكنه لم يكن ذلك اللاعب على الإطلاق.
بعد ذلك رحل إلى إيطاليا بعد موسمين مع سيتي، لم يشعر قط بالراحة في ميلان وظهر ذلك على أدائه في 144 مباراة سجل خلالها 32 هدفا في 4 مواسم كاملة لم يترك ذلك الانطباع الكبير ولم يكن البطل الذي ضمه ميلان من سيتي على الرغم من أنه ترك الأخير بناء على رغبته بعد إعارة قصيرة لسانتوس في 2010، ثم إعارة أخرى عامي 2014 و2015، كانت رغبته الملحة دوما في الانضمام إلى سانتوس حتى لو اضطر لأن يتغاضى عن جزء كبير من راتبه.
حينما غادر روبينيو سانتوس كانت لديه الفرصة للتطور ليصبح أحد أفضل اللاعبين البرازيليين على مدار التاريخ بمساعدة زملائه، لكنه لم يقدم أيا من تلك التوقعات، حقق العديد من الإنجازات ومثل منتخب البرازيل في 99 مباراة دولية كان في قائمة طويلة ضمت كلاوديو تافاريل وروبيرتو كارلوس وكافو جميعهم سبقوه وكان هو التالي، وسجل 28 هدفا، حقق كأس القارات مرتين وبطولة كوبا أمريكا مرة وفضية الكأس الذهبية.
هل كان كسولا بما يكفي ليهدر موهبته؟ هل افتقر للبرازيل لدرجة أنه عاد لسانتوس معارا مرتين؟ ضغط عليه كثيرا من جميع من حوله؟ ذكيا؟ مهاريا وخطيرا وأحد أفضل مواهب البرازيل؟ لن نعرف أبدا الإجابة ظهر سريعا وتلاشى بعد فترة ذهبية لا بأس بها، لقد قضى وقتا طويلا من مسيرته يحاول أن يرتقي للتوقعات لا أن يقدم ما يبرع فيه، لتمضي الألفية ويظل واقفا في مكانه.