الدقيقة 14 من الشوط الأول – ملعب ساينت جايمس بارك
انطلق دينيس بيركامب من وسط الملعب تماما إلى حدود منطقة جزاء نيوكاسل رافعا يده لروبرت بيريس طلبا للكرة.
روبرت بيريس مرر الكرة للتو إلى دينيس الذي يبدو في موقف صعب. تتوقف الأشياء عن الحركة وكأن أحدا قد ضغط على زر إيقاف التشغيل ويصدر الصوت من داخل بيركامب..
المرمى وأحد المدافعين في ظهري. هناك أيضا هذا اللاعب أمامي تماما.
التمرير للخلف سيفقد الهجمة ميزتها الخاطفة. التمرير إلى يميني حيث يقف ويلتورد فكرة ليست مقبولة فهناك لاعب يغلق المسار.
علي أن أعتمد على نفسي إذا ولنرى ما سيحدث"
بالطبع تعرفون من يكون بيركامب، لكن قليل من التذكير بأسلوبه في اللعب، ونبذة مختصرة عن تحوله بين مراكز مختلفة ربما يكون البداية الأمثل لما سنتناوله لاحقا.
"الشجرة ليست عريضة كفاية لذلك عليك أن تكون دقيقا لأقصى درجة عند التصويب، عليك أيضا أن تكون ذكيا ولتستخدم كل ما هو حولك."
"تمريرة ثنائية مع اطار سيارة مركونة سيكون حلا ممتازا لتخطي الخصم مثلا. عليك أن تركز على الاطار لأن استخدام باب السيارة لن يكون الحل الأمثل. كن دقيقا، ابدع!"
"هذه هي الفكرة الأساسية دائما، البحث المستمر عن الحل"
لطالما قيل أن يوهان كرويف أو لويس فان خال أو أي من مدربي الشباب في اياكس قد علّمه أو طوّر لمسته الفريدة للكرة، لكنه يقول في سيرته الذاتية:
"عندما كان يحضر لمشاهدتي ألعب كان يرى أدق التفاصيل دوما. بعدها، بإمكانه أن يحلل لك الموقف، ومن كان يقف أين. لطالما كان دينيس مشاهدا ومحللا ممتازا."
عندما شارك للمرة الأولى بقميص آياكس، لعب تحت أنظار مدربه كرويف في مركز الجناح الأيمن، وبقى هناك لمدة 3 سنوات تالية.
لعب هناك إلى جوار روبن سوزا وسالفاتوري اسكيلاتشي.. خط هجوم يتكون من ثلاثة لاعبين من أجل احراز المزيد من الأهداف (سجل بيركامب 8 أهداف فقط في موسمه الأول).
كانت فترة كارثية على مدار عامين بالتأكيد، تعلم منها مواجهة أكثر من مدافع في آن واحد، واللعب مع لاعبين يفضلون أنفسهم على الفريق (يقصد روبن سوزا. نعم).
سنجد بيركامب يشارك أقل من المعتاد خلال موسم 1996/97، في المقابل، يصنع 13 هدفا للاعبي الفريق الاخرين.
ربما فترته في ارسنال هي الفترة التي استطعنا خلالها "مراقبة" بيركامب بتمعن، بحكم سهولة البث بالطبع. ولذلك نستخلص ما يلي:
ما نعلمه جميعا هو قدرته الفائقة على تسجيل الأهداف بالطبع، ربما تؤكد هذه القدرة على وجود عين خبيرة، الا أن وجوده خلف المهاجم يبرز "سر دينيس" دون أدنى شك.
"كمهاجم، ربما تحصل على خمس فرص في المباراة الواحدة مع آياكس. في انتر، ستكون محظوظا لو حصلت على واحدة. أما في ارسنال فقد استمتعت كثيرا باللعب خلف المهاجم، هناك خارج الصندوق"
فاز ارسنال بثلاثة أهداف مقابل هدفا واحدا للضيوف، يومها صنع بيركامب الهدف الأخير في المباراة لزميله، فريدي ليونبيرج.
كان متواجدا هناك على الجناح الأيمن، تسلم تمريرة من ليونبيرج في هجمة مرتدة واعدة. وجد الهولندي نفسه محاصرا ولا يجد من يمرر له، عليه أن يبتكر! حاول الاحتفاظ بالكرة لأطول فترة ممكنة حتى يظهر فريدي في الأفق.
يتخلص دينيس من ثنائي يوفنتوس، يضع ليونبيرج في مواجهة المرمى بتمريرة تغنى بها الجمهور والصحافة أكثر من الهدف ذاته!
اذا طلبوا منك تقييمه بوضع علامة صح أمام كل خانة من الخصائص السابقة على أن يكون التقييم بين سيء وبالتدريج إلى ممتاز، ستختار ممتاز في كل مرة بداخل كل خانة في أي وقت من اليوم.
"انه يظل يشاهد ويراقب، يشاهد ويراقب، يشاهد ويراقب، ثم يقوم بفعل هذا الشيء بنفسه وينجح فيه"
في البداية، وبعد الاعتزال، قرر دينيس أن يمضي المزيد من الوقت مع العائلة. لديه ابن كان يلعب في فريق محلي وكان يذهب معه بصفة مستمرة، ويبدو أن تواجده هناك في الحصص التدريبية جعله يفكر في الأمر من جديد.
يعلم بيركامب أن باستطاعته انجاز دبلومة التدريب في هولندا خلال عام واحد فقط، لكنه قال لنفسه أن هذا الأمر ليس مقدرا له. ثم جاء ذلك القرار منه بنفسه: حسنا، سأعطي نفسي فرصة لعام واحد.
يقول بيركامب في حوار سابق:
"أستطيع أن أرى نفسي مدربا هناك (يقصد اياكس) في يوم من الأيام، أدرب المهاجمين بضع مرات خلال الأسبوع. كما أستطيع أن أرى نفسي أفعل ذات الشيء في ارسنال."
"لقد أعادني التدريب للعبة من جديد، يبدو أنني كنت بحاجة لدفعة قليلة فحسب."
ثم يكتب يوهان كرويف في عموده بجريدة تيليجراف الهولندية: "هذا ليس اياكس بعد الآن".. لقد كان رثاءا وتنفيسا عن الغضب أكثر منه مقالا تحليليا.
"انه لمن الرائع العمل مع دينيس بيركامب خلال التدريبات لأنه يعلم الكثير. انه يعلم الكثير ويعطيني الكثير من النصائح والارشادات كذلك، الأمر الذي يحفزني للاستماع إليه دوما"
"ألعب تقريبا في نفس مركز بيركامب. تدربت معه كثيرا على لمستي الأولى للكرة وانهائي للهجمات. أعتقد أنني تعلمت الكثير منه ومن نصائحه عن كيفية التمركز السليم"
لماذا ارسنال دون سواه؟ لديّ هنا وجهة نظر واستنتاج شخصي للغاية.
أول اسم سيكون جلين هودل (لاعب وسط)، أحد اساطير توتنام، كما لعب لمنتخب انجلترا أيضا. لماذا؟ الإجابة في سيرة بيركامب الذاتية:
"شاهدت الكرة الانجليزية على التلفاز وأنا صغير وكان جلين هودل هو من استوقفني لأنه كان متزنا دائما. لطالما أحببت الطريقة التي يلتقط بها الكرة من الهواء ثم يسيطر عليها. سيطرة فورية. كانت لمسته مثالية"
"كنا نلعب تلك اللعبة في المدرسة حيث كل واحد منا يملك عصاة خشبية وعليه أن تجعلها تصمد أمام الكرة أطول فترة ممكنة."
أعطى كرويف الكثير من الحرية لبيركامب داخل الملعب فقط لأنه يثق في قدرات لاعبيه على الابداع، العمل في منظومة دون اجبارهم على العمل داخل منظومة. أنهم يعلمون أن عليهم العمل سويا في نهاية اليوم.
"واحدة من مميزات اللاعبين المعتزلين أنهم يستطيعون التأقلم سريعا."
هل ستكون الإدارة في ارسنال متفتحة لتعيين دينيس بيركامب مديرا فنيا للفريق عقب اعتزال ارسن فينجر؟ ربما.
وربما لا، لكننا سننتظر ظهوره الأول كمدير فني لأي فريق سيذهب إليه بفارغ الصبر.
"تأتيني دوما تلك الصورة في مخيلتي، كيف ستبدو الأشياء عقب ثلاثة ثوان من الآن. أستطيع حساب ذلك."
"نعم، هناك متعة لا يمكن تخيلها في فعل أشياء لا يمكن للآخر رؤيتها"