عانى كأس العالم كثيرا. خبأه أحدهم في صندوق أحذية خلال الحرب العالمية الثانية حتى لا يقع في أيدي النازيين، ثم قام أحدهم باختطافه، أو سرقته مؤقتا، في 1966 أثناء وجوده في إنجلترا.
كان الظهور الأخير للشكل القديم للكأس في ملعب أزيتكا بمكسيكو سيتي، المكسيك. ظهر الحادي والعشرون من يونيو عام 1970 كان حارا للغاية، وقتها رفع كارلوس ألبرتو الكأس وشاهده العالم بأسره للمرة الأخيرة.
وفي 1971، وجدت اللجنة المنظمة لبطولة كأس العالم نفسها دون كأس خاصة بها. عندما رفع كارلوس ألبرتو الكأس في العام الماضي لم يعد بإمكان الاتحاد الدولي المطالبة بعودته لأنه كان اللقب الثالث للبرازيل، ما يعني أنهم سيحتفظون بهذه النسخة لأنفسهم.
كان على اللجنة صناعة نسخة جديدة من الكأس، إلا أن النسخة الجديدة لم تكن مماثلة للقديمة على الإطلاق.
هذا الرجل الذي صمم الكأس الجديدة توفي بالأمس في 31 أكتوبر 2016. اسمه سيلفيو جازانيجا، نحات من مدينة ميلانو الإيطالية غادر الحياة بعد أن قضى فيها 95 عاما، قضى منها سنوات طويلة في صناعة رموز لنجاح أناس آخرين.
لم يكن كأس العالم أول أعمال جازانيجا الرياضية، صنع قبله الكثير من الميداليات والكؤوس لمختلف الرياضات منها المصارعة وسباقات الدراجات البخارية، كما عمل لحساب اللجنة الأولمبية الدولية. لقد كان متخصصا في الأمر على ما يبدو.
عندما أرادت اللجنة المنظمة لكأس العالم تصميم نسخة جديدة فضلت ألا يأتي هذا التصميم من الداخل، فوجدت اللجنة نفسها أمام 53 تصميما مختلفا من 7 دول.
كيف سمع سيلفيو عن هذا المشروع؟
"لقد كان الأمر بسيطا. كنت أعمل فنيا لحساب شركة بيرتونيكمديرا وطلب منا أن نرسل بعض التصاميم. قمت بمفردي بإرسال تصميمين. ثم أدركت أنه إذا أردت أن يشعر الناس هناك في اللجنة بشكل الكأس بطريقة ملموسة فعلي أن أرسل لهم نموذجا مبدئيا.
نعم، صممت نموذجا مبدئيا وقمت بإرسال صورة له للجنة في عام 1971، ووقع الاختيار على التصميم الخاص بي."
سيلفيو جازانيجا في حوار سابق للموقع الرسمي للفيفا
نشأ سيلفيو خلال الحرب العالمية الثانية وأمضى فترة شبابه في حب الجواهر وعمارة ميلانو، يقدر الجمال جيدا ويعرف قيمته كما يقدر تماما جمال كأس جول ريميه الذي احتفظت به البرازيل لنفسها في 1970. وكان ذكيا كذلك ولديه رؤية خاصة تبلورت في تصميم الكأس الجديدة.
"كأس ريميه كان مثالا جيدا لنهاية مفهوم الكأس في القرن التاسع عشر.. تصميمي كان مثالا جيدا لنهاية مفهوم الكأس في القرن العشرين"
كان يدرك تماما أن كأس ريميه بمثابة جوهرة ثمينة للاتحاد الدولي للعبة، لكنه كما ذكرنا كان ذكيا ولديه رؤيته الخاصة أيضا. الزمن قد تبدل، والاتحاد الدولي سيتطلع الآن لشيء أكثر جاذبية على الشاشات خاصة مع كل التطور الذي يشهده العالم في البث المباشر والتلفزة.
لديه ستوديو خاص به في ميلانو، متوسط الحجم لكنه سيكفي لأن يحبس نفسه بداخله مدة أسبوع كامل لينجز المهمة. يعي جيدا الفارق بين التصميم المجرد والمرسوم فقط على الأوراق وبين النموذج الحي الذي يمكنك أن تستشعر كم هو حقيقي ولذلك بدأ على الفور.
يحكي جازانيجا قصة العمل على النموذج المبدئي مباشرة وعدم الاهتمام بالتصاميم:
"الرسم وحده لن يكون كافيا للتعبير عن الشعور القوي الذي تخلفه المادة. أردت لهذا النموذج أن ينقل الشعور بالقوة والحيوية، وأن تستحضر خطوطه الحادة والقوية الديناميكية المطلوبة، وأعتقد أنني نجحت في هذا الأمر.
هذه الكأس مختلفة عن أية كؤوس مزخرفة أخرى، هي كؤوس رائعة على طريقتها الخاصة لكن تقليدية للغاية. لهذه الكأس شخصيتها الخاصة وبإمكانك القول إنه عمل نحات".
"أبقيت نفسي أسبوعا كاملا في الستوديو الخاص بي لإنجاز هذا العمل، أقل بقليل أو أكثر بقليل ربما.
لم أكن أرغب في أن أصمم قالبا ثم أضيف له التفاصيل، كان هذا ليجعله رخيصا للغاية ويقلل من حضوره أيضا، لذلك، قمت بنحته مرة واحدة من نفس المادة.
عندما طلب مني الاتحاد الدولي رؤية النموذج الحقيقي، قمت بإضافة بعض التفاصيل الجغرافية التي تمثل بعض المناطق على الكوكب، أمر اعتبروه مهما للغاية بالنسبة لهم.
لا تعمل عادة دون أن يتوفر لديك ملخص للمشروع من شركتك، لقد كانت مخاطرة كبيرة لي وللاتحاد الدولي بالتأكيد. لكن، عندما أنجزت النموذج علمت أنني نجحت بالفعل في ما كنت أحاول فعله."
كان جازانيجا سعيدا للغاية بما أنجزه وقام بإرساله للاتحاد الدولي في عصر ما قبل البريد الالكتروني، لذلك كان عليه أن ينتظر لفترة من الزمن قبل أن يتلقى أي رد منهم.
بعد شهور من الترقب، وصل الخطاب المنتظر: تم اختيار التصميم الخاص بك ليصبح كأس العالم اعتبارا من نسخة 1974.
جازانيجا عاش ليرى منتخب بلاده يرفع الكأس التي صممها هو بنفسه، مرتين، في 1982 و 2006. ربما لا يوجد أي شيء يدعو للفخر والسعادة في حياته أكثر من هذه اللقطات. حياة رجل عادي تحولت رأسا على عقب بفضل جرأته وذكائه.
"بإمكان اللاعبين أن يلمسوا الكأس أو الفوز بها مرة أو مرتين إذا حالفهم الحظ. لكن كأس العالم ملكي للأبد. أنا الفائز الحقيقي".