كتب : فادي أشرف
الموضوع مستوحى بالأساس من مقال جوناثان ويلسون لجريدة "جارديان" يوم 13 أكتوبر، بجانب مقال كارلوس بيانكي لمجلة "مانيجمينت ديبورتيفو"
أحد أعظم المدربين الأرجنتينيين كارلوس بيانكي كتب يوما ما لمجلة تدعى "ماناجيمنت ديبورتيفو" ملخصا لـ10 قواعد تضمن أن تكون مدربا ناجحا. ولا قاعدة فيهم تحدثت عن التكتيك أو ما يحدث داخل المستطيل الأخضر.
ولكن أهمهم كانت القاعدة التاسعة حسبما يرى الكاتب الكروي الشهير جوناثان ويلسون في مقاله لجريدة "جارديان".. كيفية إحكام القيادة.
ما قصده بيانكي لم يكن القيادة بمعناها التقليدي، بل خلق تلك الشخصية التي تدفع اللاعبين للإيمان بها لدرجة العبادة.. "إل ليدرازجو" El Liderazgo مثلما أطلق عليها بيانكي بلغته الإسبانية.
رسل نوعين من كرة القدم يلتقيان في أنفيلد
ذلك الأمر ينطبق على يورجن كلوب و جوزيه مورينيو بشكل ما، بعيدا عن المستطيل الأخضر والتكتيك. تنظر لكلوب تشعر وكأنه رجل يملك كاريزما واضحة بدفئ غير مفهوم. أسبوعيا نرى احتفالاته بأهداف فريقه، نرى مدربا يعشقه لاعبيه والمعظم الأكبر من جمهور ليفربول.
كل ما يفعله كلوب خارج الخطوط، حماسه وتحركاته المبالغ فيها، كيفية تعامله مع المؤتمرات الصحفية باللغة الإنجليزية التي تغلب عليها اللكنة الألمانية وكلمة "ها" التي يكررها بين كل جملة والأخرى، تشعر أحيانا أن كل ما يفعله كلوب ليس تلقائيا بل أمر مرتب كي يخلق كلوب تلك الشخصية والهالة حوله.
على الجانب الأخر، يكفي أن تسمع أي لاعب تدرب مع مورينيو لتشعر وأنك تستمع لعضو في جماعة دينية تسمى "أتباع الإستثنائي".
"يعرف كل واحد فينا بشكل يجعله يعلم كيف يتحكم في مشاعرنا. تخطيطه لكل أمر قبله ينقل لك الشعور أنه يرى المستقبل" فيتور بايا حارس مرمى بورتو والبرتغال التاريخي.
كاتب كروي شهير أخر - روي هيندرسون - كتب في مرة لمجلة "بليزارد" أن ما يفعله مورينيو شبيه بالنظرية التي وضعها الفيلسوف الألماني ماكس ويبر حول "السلطة الكاريزمية" التي تحتاجها الجموع للإيمان بها، أمر يمكن مقارنته بما فعله جوزيف جوبلز وزير إعلام ألمانيا الشرقية إبان العهد النازي مع أدولف هتلر، ولكن مورينيو يقوم به بنفسه ولنفسه.. تذكر فقط المؤتمر الأول له في إنجلترا التي وصف فيه نفسه بـ"الإستثنائي".
والأدعى والأدل، أن الكل بدأ في تلقيبه بـ"الإستثنائي".
من بيانكي ننتقل لمدرب عظيم أخر، أيقونة بنفيكا بيلا جوتمان، الذي شبه مدرب كرة القدم بمروض الأسود "عندما يفقد اقتناعه بقدرته على تنويم لاعبيه مغناطيسيا، ومع ظهور الخوف في عينيه، هنا يضيع المدرب".
يقول ويلسون إن أخطر ما يهدد هؤلاء المدربين الذين يضعون قاعدة بيانكي الخاصة بـ"إل ليدرازجو" هو كسر "هالة القداسة" حولهم.
صراع الماضي والمستقبل على الحاضر
"كسر هالة القداسة" هو ربما ما يمر به مورينيو حاليا، الرجل الذي قال يوما إن المباراة تبدأ مع المؤتمر الصحفي السابق لها لم تعد مؤتمراته الصحفية أو تصريحاته لها نفس الصدى. وعندما أراد أن يفرض سيطرته فرضها على باستيان شفاينشتايجر فقط.
بدلا من التركيز مع تصريحات مورينيو، اتجه الجميع لتحليل ما يفعله مورينيو داخل المستطيل الأخضر وهو الأمر الذي لم يتألق فيه مورينيو في الخمس سنوات الأخيرة منذ حصوله على الليجا مع ريال مدريد في 2012، عام متوسط مع ريال مدريد ثم أخر متوسط مع تشيلسي ثم تتويج بالدوري تلاه بعام كارثي مع تشيلسي ثم فترة بلا بصمات واضحة على مانشستر يونايتد.
أما كلوب، فصار أسلوب أداءه النشيط والحركي مع ليفربول هو حديث الإعلام دائما. أسلوب الضغط المستمر والكل للهجوم والكل للدفاع أو نظام gegenpress كما يطلق عليه صار هو الوريث الشرعي للتيكي تاكا بالنسبة للمحللين والموضوع الأساسي لنقاشاتهم، مثلما كان الأمر قبل 12 عاما عندما فاز مورينيو بدوري الأبطال مع بورتو، كان الحديث عن نظام المثلثات في وسط الملعب الذي وضعه مورينيو حديثا أيضا للإعلام والمحللين.
ولكن مثل كافة مجالات الحياة، كرة القدم تحركت سفينتها من ميناء مورينيو القديم متجهة إلى شاطئ كلوب الجديد
مساء الإثنين عندما يتواجه ليفربول ومانشستر يونايتد في ختام الجولة الثامنة من الدوري الإنجليزي، لن تكون المواجهة بين فريقين يفرقهما أكثر مما يجمعهما أو مدربين يمكن وضعهما بكل أريحية ضمن الأفضل.. مواجهة أنفيلد ستكتب شكلا جديدا لكرة القدم. مواجهة الماضي والمستقبل لتحديد الحاضر.
لسنين طويلة كان مورينيو خط الدفاع ضد ما يمكن تسميته بكرة القدم الحديثة، تلك التي تمثلها أسماء مثل كلوب وبيب جوارديولا الذين لا يمتلك سجلا جيدا ضدهما.
عمرا، مورينيو يكبر كلوب بـ4 أعوام. دولاب بطولات "الإستثنائي البرتغالي" بالتأكيد ممتلئ مقارنة بذلك الخاص بـ"العادي الألماني" مع أن كلوب يتفوق في المواجهات المباشرة 3-1 على مورينيو مع نهاية مباراة واحدة بينهما بالتعادل.
كلوب ومورينيو مثل ليفربول ويونايتد.. يفرقهما أكثر مما يجمعهما، ولكن مباراة مساء الإثنين لن تكون حول من الطرف الأقوى في دربي الشمال الغربي أو من المدرب الأفضل بين كلوب ومورينيو، بل أي نوع من كرة القدم سينتصر على الأخر في جولة جديدة في طريق تطور اللعبة.