منتخب الكونجو فريق كرة قدم عادي لا يميزه شيء واضح ويؤدي أساسيات كرة القدم بكثير من الارتجال.. ولكن كعادته دائما يواجه هيكتور كوبر المدير الفني لمنتخب مصر خصومه بكثير من الاحترام حتى وإن كان ذلك التقدير يحمل بين طياته الكثير من المبالغة في بعض الأحيان.
ربما اختار الأرچنتيني ذلك المنهج في قيادته لمنتخب مصر بسبب إدراكه لحقيقة دامغة لا تحتمل الجدال أن لاعبي منتخب مصر لا يجب أن يتسرب إليهم ذلك الشعور بالاطمئنان لمستوى المنافس خوفا من أن يحدث ما لا يُحمد عُقباه..
رغم ذلك كان المنتخب المصري في تلك المواجهة عاديا تماما لم يميزه شيء عن المنافس المتواضع إلا قليل من النظام.. وبالتالي أصبحت المعادلة غير متوازنة بسبب كثير من الاحترام للمنافس وقليل من النظام لمنتخب مصر حتى جاء الفوز بصعوبة بالغة بسبب لاعبي منتخب مصر تحديدا فيما لم يملك لاعبي الكونجو من أمرهم شيئا..
دأب البعض على التراشق والتلاسن حول اختيارات الجهاز الفني لقائمة اللاعبين يدعمهم في ذلك الانتماء لأحد القطبين وحالة التعصب والاحتقان السائدة داخل الوسط الرياضي.. فيما تناسى هؤلاء أن مسئولي الفريق قد اختاروا بالفعل أفضل العناصر المتاحة بحسابات المنطق والخبرة في المواجهات الإفريقية.. بكل تأكيد الأمر لا يحتمل إخفاقا جديدا بسبب مجاملة هذا أو ذاك والجميع يعي هذا الأمر تماما..
احترام زائد عن الحد
الشكل التكتيكي لمنتخب مصر كان ثابتا كما اعتدناه مؤخرا باستخدام طريقة لعب 4-2-3-1 بشكل مبدئي فيما يتحكم في الرسم الفعلي للفريق داخل الملعب عبدالله السعيد الذي يحدد مكان تواجده الرسم الخططي لتركيبة خماسي الوسط فيما بين (2-3) بتوسطه للثنائي محمد صلاح ومحمود حسن «تريزيجيه» أمام طارق حامد ومحمد النني أو (3-2) بانضمامه للثنائي حامد والنني أمام رباعي الدفاع..
ظهر الكثير من الاحترام لمنتخب الكونجو في أداء منتخب مصر بسبب التراجع الدفاعي المبالغ فيه للثنائي تريزيجيه وصلاح رغم أنهم رئة الفريق الهجومية وعناصر نقل الهجمة.. في نفس الوقت الذي استخدم فيه كوبر 3 لاعبين في خط الوسط لتشكيل ستار دفاعي قوي من أجل توفير الحماية اللازمة للرباعي الخلفي.
انتقد الكثيرون تكرار الأداء الدفاعي الضعيف لتريزيجيه مع منتخب مصر في المباريات الأخيرة، فيما أنها ليست المرة الأولى كذلك التي يكون فيها الظهير خلف محمد صلاح فريسة سهلة لانطلاقات جناح الخصم وعُرضة لمواجهات فردية بدون أي مساندة حقيقية.
الأمر ببساطة أن اللاعبيّن غير متناسبين مع بناء المنظومة الدفاعية لمنتخب مصر كما يريده هيكتور كوبر أو كما يفرضه عليهما الاحترام المبالغ فيه للخصوم.. ما جدوى اختيار لاعبين يملكون السرعات ويجيدون الضغط العالي على مدافعي الخصم وفي النهاية أطالبهم بالدفاع من مناطق متأخرة ومواجهة الخصم في الثلث الأخير من الملعب؟
ذلك الاحترام الذي عَمَد كوبر بسببه لتكثيف تواجد ثلاثي وسط الملعب في العمق تاركا تغطية الأطراف للجناحين ومن خلفهما الظهيرين.. رغم الدفاع المتأخر بتسعة لاعبين إلا أن ظهيرا الجنب عمر جابر ومحمد عبدالشافي تعرضا لمواقف دفاعية كثيرة محرجة ومن أهمها هدف الكونجو الوحيد..
رغم الدفع بلاعبيّ ارتكاز بدون أدوار هجومية إلا أن ذلك لم يمنع وجود بعض المساحات الشاغرة فيما بين المساكينّ بسبب اندفاع قلبي الدفاع للأطراف (تحديدا إسلام جمال) لتغطية الظهيرين المكشوفين دفاعيا رغم وجود خماسي في خط الوسط..
رغم قلة عدد لاعبي الكونجو في الهجوم وعدم امتلاكهم لأي مهارات خاصة إلا أن منتخب مصر اختار أسلوب الدفاع المتأخر لحماية مرماه وما يستتبع ذلك بالتالي من تعرض الفريق لاحتمالات عالية من الوقوع في الأخطاء وارتكاب المخالفات..
الدليل الأوضح على ذلك الهجمات الكونجولية اللي اضطر مدافعي مصر لإفسادها وهم ينظرون لحارس مرماهم وكدنا نقبل منها هدف عكسي بقدم على جبر.. بكل تأكيد يبقى الوضع الأخطر لأي مدافع هو أن يضطر للتدخل على الكرة وحارس المرمى أمام عينيه مباشرة وليس من خلفه كما اعتاد دائما..
الشيء بالشيء يُذكر عند التحدث عن لاعبي الارتكاز الدفاعي في منتخب مصر.. طارق حامد تمتع بالحيوية اللازمة لشغل مركزه وتواجد في في أغلب المناطق اللازمة أمام خط الدفاع لصنع الفارق في عمق الملعب كما يتضح من الخريطة الحرارية التالية..
فيما ظهر رفيقه محمد النني بشكل أقل تأثيرا بحسب الخريطة التالية، وبمعدلات ركض بطيئة في أغلب الأوقات أثرت على تقديم المساندة المطلوبة لمجموعة الهجوم، مع التأكيد على غياب كلاهما عن مساندة الظهيرين بالشكل اللازم وترك تلك المهمة للجناحين اللذين لم ينجحا كثيرا في ذلك..
ما سبق ليس الشكل الأمثل لمواجهة فريق يعتمد على خطة لعب 3-5-2 مرتكزا على طرفي الملعب لإرسال العرضيات بكثافة مع عجز واضح لخط وسطه في بناء الهجمات من عمق الملعب.. بالتالي بات منتخب مصر يدافع بقوة في المنطقة الأقل خطورة ومفتقدا للنظام اللازم في المنطقة الأكثر خطورة..
اللجوء إلى الضغط المبكر على دفاع الكونجو ومنع التدرج في بناء الهجمة وصولا إلى الأطراف ربما كان يبدو خيار أكثر منطقية..
يقوم رباعي الهجوم المصري بالضغط على ثلاثي الدفاع الكونجولي ولاعب الارتكاز.. فيما يقترب الظهيرين عمر جابر وَعَبد الشافي عدةخطوات للأمام من أجل قطع الطريق على طرفي الملعب..
في تلك الحالة يحافظ لاعبي الارتكاز في منتخب مصر على تمركزهما بشكل مائل أمام قلبي الدفاع مع العمل على تقارب خطوط الفريق اعتمادا على مبدأ الترحيل في الضغط وإغلاق المساحات لخنق أي محاولة كونغولية لإرسال تمريرة طولية في العُمق.
الغاية تبرر الوسيلة..
يُحسب لكوبر إجادته في التدخل أثناء المباريات وتعديل أخطاء البداية فيما تبقى مسألة التحفظ الدفاعي وإعطاء الخصوم القدر الكافي من التقدير والاحترام جَدَلية للغاية طالما كانت الغاية تبرر الوسيلة والفريق يفوز في النهاية..
ومن أجل إدراك تلك الغاية يجب على الجهاز الفني أن يجد بديلا للاعب المحوري عبدالله السعيد الذي يصنفه كوبر نفسه بأنه الأفضل داخل مصر في الربط بين خطوط الفريق.. غياب السعيد لأي سبب طاريء سوف يسبب مشكلة كبيرة للمنتخب الوطني.
لماذا لجأ كوبر لإشراك مهاجم كل قوته في التمركز والالتحام والتقاط العرضيات داخل منطقة جزاء المنافس بينما نلجأ للدفاع والاعتماد على المرتدات السريعة؟
الأمر قد يكون مقبولا بحسب رؤية الجهاز الفني لتخفيف الضغط على لاعبي وسط ودفاع مصر أملاً في نجاح كوكا في العمل كمحطة لبناء الهجمات وإعطاء فرصة لالتقاط الأنفاس..
فيما كان التغيير الثاني بإشراك رمضان صبحي مناسبا تماما لقتل المباراة والاحتفاظ بالكرة في الوقت المتبقي..
محمد صلاح بين مطرقة سباليتي وسندان كوبر..
مشكلة محمد صلاح في روما انتقلت معه للمنتخب، كان يجب على الجهاز الفني أن يؤهله نفسياً للتركيز مع المنتخب ونسيان تصريحات سباليتي اللاذعة بعد زيادة معدلات اللاعب في إهدار الفرص..
طالما كان اللاعب خائفا من إهدار أي فرصة تهديف سانحة سوف تطول أزمته مع التسجيل بأفضل معدل ممكن.. وكلما استمر في التفكير فيما أهدر سابقا سوف يُخفق أكثر مستقبلا، هنا يجب على كوبر التدخل حتى لا تكون واحدة من تلك الفرص المُهدرة سببا في حرمان المنتخب من التأهل لكأس العالم..
محمد صلاح هو اللاعب الأهم في منتخب مصر ونقطة تفوقه الأقوى.. الحفاظ عليه ومساعدته على الإجادة والتألق ستكون عاملاً مباشراً في الوصول للمونديال.
--
مباراة غانا القادمة أصبحت نقطة فاصلة في الصعود لكأس العالم.. إما الفوز وحسم كل الأمور أو تجنب الهزيمة على الأقل وتأجيل الحسم فيما يتبقى من مشوار التصفيات.. لا توجد رفاهية الاختيار الثالث على الإطلاق في ظل المستوى المتواضع لكل من أوغندا والكونجو..