أنا سيد معوض (9) - حكايات دامية مع الجزائر.. وأحلى صورة في حياتي

لا أسمع. متعب يحاول التحدث معي لكني غير قادر على تفسير كلماته. بركات يقف بجواري ويقول لي ما لا أتبينه لأن صوت الجماهير يغطي كل شيء.<br>

كتب : أحمد عز الدين

الجمعة، 09 سبتمبر 2016 - 23:10
لا أسمع.. متعب يحاول التحدث معي لكني غير قادر على تفسير كلماته. محمد بركات يقف بجواري ويقول لي ما لا أتبينه لأن صوت الجماهير يغطي كل شيء.

نحن في استاد القاهرة. أمامنا 90 دقيقة ضد الجزائر وفي الحقيقة أنا أرتجف من المنظر الذي شاهدته أمامي.

لقد لعبت عشرات المباريات في استاد القاهرة وهو ممتلئ عن أخره، لكن هذا العدد من الجماهير لم أشاهده في حياتي.

لازلت أتذكر قبل دخول الملعب لإجراء عمليات الإحماء طلب كابتن حسن شحاتة التحدث معنا وكنا جميعا في غرفة خلع الملابس.

وائل جمعة قرر ألا يحضر خطبة كابتن حسن لأنه موقوف ولن يلعب، وخرج إلى الملعب ليشاهد عدد الجماهير والأجواء.

حين عاد إلينا وائل جمعة، وجدنا وجهه "أصفررررر".. ماذا هناك؟ قال لنا الصخرة: لن تصدقوا المنظر في الخارج. مصر كلها في استاد القاهرة تقريبا.

قلت لنفسي وائل يبالغ، لكن حين نزلت الملعب ووجدت أني لا أسمع ما يقوله متعب أو بركات عرفت أننا في أجواء استثنائية فعلا.

أنا سيد معوض وهذه حكايتي مع الجزائر في أكثر فترات مصرة منافسة مع محاربي الصحراء. 3 مباريات نارية وأحيانا دامية.

دعونا نعود لبداية الحكاية:

أبو تريكة

كان الأهلي يلعب أمام إنبي وسجل محمد أبو تريكة هدفين في تلك الليلة، لكن عقلي كان في مكان أخر.

ذهبت إلى أبو تريكة وقلت له: "كفاية.. حوش جول ولا اتنين للجزائر".

كنا مطالبين بالفوز على الجزائر بفارق 3 أهداف للتأهل إلى المونديال أو بفارق هدفين للذهاب إلى مباراة فاصلة.

وفي المعسكر كنا لا نشاهد التلفاز ولا نفعل أي شيء سوى التحدث عن حلم كأس العالم.

زار رئيس الجمهورية التدريبات ولم يقض 5 دقائق ويرحل كما اعتدنا بل حضر المران بالكامل.

حتى حين ذهبنا لأداء صلاة الجمعة أثناء المعسكر وجدنا الشيخ خالد الجندي يخطب فينا وكل حديثه عن الأمل وضرورة التشبث به والتفاؤل وأن الله لن يضيع عملنا لو اجتهدنا.

5 دقائق

احتجت لخمس دقائق حتى أدخل أجواء اللقاء وأنسى الرهبة التي انتابتني بسبب الجمهور.

لكن المنتخب لم يحتج سوى لدقيقتين فقط ليسجل إذ بدأنا المباراة بهدف لعمرو زكي في الدقيقة 2!

الجمهور يزأر ونحن نندفع بكل ما نملك من طاقة والنتيجة 1-0 لا تتغير.

صنعت كرتين رائعتين لمحمد أبو تريكة أضاعهما "البيه".

ذهبت إليه وقلت: "مش قلتلك في ماتش إنبي اهمد خليك تعرف تجيب جولين في الجزائر :)".

كنا نعاني من التسرع. نرغب في إحراز الهدف الثاني سريعا وهذا التسرع كان السبب في تأخر الكرة القاتلة.

لهذا بين شوطي اللقاء قال لنا المعلم: "اهدوا.. أنا كل اللي كان يهمني الجول الأولاني وأهو جيه. نهدى بقى والجول التاني هيجي هيجي، بس اهدوا".

"كاس العالم.. كاس العالم"

في الدقيقة 85 كانت أعصابنا محترقة.

دخلت في مشاجرة مع لاعب جزائري أنا ومحمد بركات، اخذنا نكيل لبعضنا السباب ثم فوجئت بمحمد بركات ينسحب.

لم أنتبه وظللت أسب اللاعب بكل ما أملك من مصطلحات للأسف :) وحين انتهيت نظرت لأعلى فوجدت أنا الكاميرا تلتقطني دون سواي في الشاشة بالكامل :)))

وصلنا إلى الوقت الضائع ونحن لا نسجل. وهنا بدأ هتاف "كاس العالم.. كاس العالم" يرج الملعب.

كنت أبكي حرفيا في الملعب.

أحد أصدقائي حكى لي بعد المباراة أنه قرر الرحيل حين وصلنا للدقيقة 90 وعاجزون عن هز شباك الجزائر.

في الدقيقة 92 وصلتني الكرة، وأخذت أفكر.

كان منتخب الجزائر قد أجرى تبديلا وأقحم مدافعا طويلا مميزا أخذ منا كل الكرات العرضية.

لهذا أخذت وقتا طويلا وأنا أفكر كيف أرسل الكرة إلى رأس متعب من دون أن يلتقطها هذا المدافع.

بعد 20 ثانية مثلا خرجت الكرة من قدمي، ذهبت إلى رأس متعب. واترجت الأرض تحت قدمي.

جوووووووووووووووووووووووول.

ربما كانت تلك الصورة الأجمل في حياتي. صورتي وأنا أركض محتفلا بالهدف وفي الخلف يظهر 3 من لاعبي الجزائر ساقطون على الأرض.

صديقي الذي ترك الاستاد حكى لي بعد المباراة: "حين جاء الهدف كنت قد وصلت إلى البوابة. وسمعت صراخا لم أسمع مثله".

يا الله.

تلك اللحظات لا تزال في بالي، بعد المباراة تحدث معي والدي وقال لي هناك 20 ألفا من الجماهير أمام منزلي في الفيوم يحتفلون.

لكن للأسف، هذا الاحتفال المبالغ فيه كان السبب الرئيسي في أننا لم نتأهل إلى كأس العالم.

الإحساس بالتأهل كان السبب في تقديمنا لمباراة سيئة في أم درمان، هذا وطبعا الرجل الذي لا أعرف من هو وأتمنى من كل قلبي أن يعرف أنه سبب عدم وصولنا للمونديال، الرجل الذي اختار السودان دونا عن كل الملاعب التي كانت مقترحة لاستضافة اللقاء.

الانتقام

بعد خروجنا من المونديال بدأنا نستعد لكأس أمم إفريقيا 2010.

وحين عبرنا مرحلة المجموعات عرفنا أننا سنلاقي الكاميرون، وإن فزنا قد نلاقي الجزائر.

هنا توقفنا عن التفكير في الكاميرون وفي كأس الأمم وفي كل شيء، فقط نفكر في الرد على الجزائر.

حتى كابتن حسن شحاتة قبل لقاء الكاميرون كان يفكر في الجزائر لا في عبور الأسود.

تأهلنا على حساب الكاميرون وبدأنا في الاستعداد للجزائر. والحمد لله أن ربنا أتاح لنا تلك الفرصة.

دخل كابتن حسن غرفة المحاضرات وقال لنا: "لازم تثبتوا انكم ماتغلبتوش كورة من الجزاير في تصفيات كاس العالم. لازم نثبت اننا أحسن منهم وبكتير".

دخلنا المباراة وارتكبت شيئا أندم عليه كثيرا اليوم.

وأنا أسلم على لاعبي الجزائر لم أنظر لأي منهم، هذا التصرف كان سيئا مني لأنهم أشقائنا وما حدث لا يزيد عن كرة قدم ولم يكن طبيعيا أن نتعامل معهم بشكل غير جيد لكن فقط كان الشحن كبيرا.

في تلك المباراة لعبنا بشكل دموي. كم الالتحامات وقوتها غير طبيعي.

أنا وعماد متعب من المنتخب أصبنا بتمزق عضلي بسبب القوة التي لعبنا بها.

كانت كل كرة مشتركة لصالحنا، كل فرصة للمراوغة فرصة للرد، فزنا وتأهلنا للنهائي وحصدنا اللقب.

الحمد لله على كأس أمم إفريقيا 2010.

فلاعب كرة القدم حين يخسر في مباراة يكون كل تفكيره اللعب سريعا للرد وللفوز من جديد، وكأس الأمم جاءت في توقيت مثالي حتى ننسى إحباط المونديال.

هكذا كنت أفكر.

لكن للأمانة اليوم أقول لنفسي إن الندم على عدم الوصول للمونديال يفوق أي شيء أخر.

كنا منتخبا قويا للغاية، الجزائر كانت قوية لكن نحن أفضل بمراحل. كان منتخب مصر الأجدر بالوصول لكأس العالم، لكن "منها لله مباراة زامبيا في بداية التصفيات والتي لم نفز بها".

لهذا أقول لمنتخب مصر اليوم، البداية أهم شيء في التصفيات. فلتبدأوا جيدا وتحققوا أنتم الحلم الذي عجزنا عن تحقيقه.