إذا دفعك الفضول يوما ما للدخول إلى القسم الخاص بأكاديمية أياكس عبر الموقع الرسمي للنادي ستجد الملاحظة المكتوبة أعلاه موجودة في آخر الصفحة، ربما هذه الملاحظة تحديدا تشرح الأمر برمته.
واحدة من أفضل أكاديميات كرة القدم في اوروبا والعالم، ان لم تكن الأفضل. "دي توكمست" أو "المستقبل" بالعربية هو الاسم الآخر لأكاديمية أياكس التي تتمركز في شمال أمستردام.
هيو جيننجز، أحد مهندسي تطوير المواهب الإنجليزية ومدير أكاديمية فولهام الشهيرة يقول عن "دي توكمست": "كل الأفكار الحديثة عن كيفية تطوير الناشئين تبدأ في أياكس. إنهم المؤسسون الأوائل"
إذا، ما هو السر وراء كل ذلك؟ لدى الخصمين الآخرين، فينورد وأيندهوفن، أكاديميات مميزة أيضا ولديها شهرة عالمية، إلا أن ما يحدث في أياكس مميز وفريد للغاية. سنبحث قليلا في هذا الشأن خلال هذا التقرير.
يعتمد الفريق الأول بنسبة كبيرة على لاعبي الأكاديمية الذين يتدربون بنفس فلسفة الفريق الأول.
طريقة 4-3-3 الشهيرة هي العمود الفقري للنادي سواء كنت في السابعة من عمرك أو قائد الفريق الأول.
لاعب الأكاديمية يدرس الطريقة بحذافيرها، هذه هي رؤية النادي، كرة سريعة وملفتة، عقلية هجومية، ومساحة للإبداع الفردي والجماعي.
ولكن، قبل الدخول في الفنيات وما وراء الفنيات، سنلقي نظرة على الأكاديمية نفسها..
مجمع "دي توكمست" الرياضي في شمال أمستردام يحوي بين جنباته سبعة ملاعب لتدريب جميع الملتحقين من مختلف الأعمار بين السابعة والتاسعة عشر، مقسمين إلى ستة أقسام (من A حتى F) ويتسع لحوالي 5000 شخص. الأكاديمية لا تقدم أية برامج متخصصة للفتيات.
هناك أيضا 14 غرفة مخصصة لتبديل الملابس، بالإضافة إلى ملعب تدريبي كبير مغطى بالكامل ولديه نظام حراري إلكتروني للتدريب تحت أي ظرف جوي.
الأمر لا يتوقف هنا، في 29 سبتمبر 2015، افتتحت إدارة الأكاديمية مدرسة للاعبين محورها كرة القدم بالتأكيد لكنها توفر أيضا دراسات عديدة في القانون، الاقتصاد، التغذية الصحية، دراسات علمية لحركة الجسم البشري، بالإضافة إلى كورسات متخصصة في اللباقة والتعامل.
عندما يصل اللاعبين إلى مرحلة A2 (الفريق الذي يسبق فريق الشباب مباشرة) ينقل المدربون بالتعاون مع المتخصصين الأمر إلى مرحلة جديدة، ملاحظة دقيقة لكل لاعب على حدة داخل غرفة مخصصة يتم فيها ربط اللاعبين بالعديد من الموصلات والأسلاك الموصولة مسبقا بالكمبيوتر، الغرفة بها العديد من الكاميرات كذلك من أجل تحليل كل حركة بالأرقام.
في 2011، أسست إدارة الأكاديمية مركز "أديداس ميكوتش" داخل المجمع. الهدف الأساسي هو ابتكار وتدريس طرق جديدة في كرة القدم ليتم تطبيقها على الفريق الأول وفريق الشباب.
يتدرب اللاعبون هنا على أساس علمي بحت مبني على التحليل الحركي لكل لاعب لتقوية السرعة، المراوغة، التصويب بالقدم والرأس.
كيفية الالتحاق بالأكاديمية
يعود الكشافون إلى "دي توكمست" بالأولاد الصغار بداية من عمر السابعة. بداية، هناك مباريات مصغرة تقام لهم يتنافس فيها أربعة لاعبين ضد أربعة آخرين داخل ملعب صغير محاط بسور بعد سلسلة من الاختبارات يتم اخبار بعض اللاعبين أنهم سيلتحقون رسميا بالأكاديمية والبرامج المخصصة لهم.
يقول أحد كشافي الأكاديمية، رونالد دي يونج: "لا أبحث عن أكثر ولد سجل أكبر عدد من الأهداف، أو حتى الأسرع بينهم. كل هذه الأمور تختلف نظرا للتباين في أحجامهم. أريد أن ألاحظ كيف يركض الولد، هل يركض بخفة؟ هل يبدع عندما يمتلك الكرة بين قدميه؟ هل يبدو عليه حقا أنه يحب اللعبة؟ أعتقد أن ملاحظة هذه الأمور تعطي مؤشرات جيدة عن ما سيصبح عليه هذا الولد عندما يكبر".
يعمل دي يونج متطوعا في الأكاديمية بالمناسبة أيام السبت والأحد، أما في أيام العمل فهو مأمور سجن! يحب دي يونج كرة القدم كثيرا على ما يبدو فهو لا يتقاضى أي أجر مقابل هذا العمل، وهو مسؤول عن المنطقة ما بين "دين هاخ" و "هارلم" المعروفة بمنطقة الورود، وهي منطقة جيدة لصيد اللاعبين كما يصفها دي يونج.
يراقب الكشاف المتطوع اللاعبين لأشهر وربما لسنوات، ثم يعد قائمة ويقدمها لأحد كشافي النادي المعتمدين الذي يرشح بعض اللاعبين بدوره للمدربين. أحيانا يذهب مدير الأكاديمية بنفسه لمراقبة اللاعب إذا كان استثنائيا بصحبة أحد المدربين والكشافين.
ترسل الأكاديمية خطابا في البريد للعائلة إذا كان ابنهم يستحق الانضمام للنادي تطلب منهم احضار الولد لإجراء اختبار داخل "دي توكمست"، وهي دعوة لا ترفض غالبا.
الأمر أشبه بالكليات المتخصصة، هناك ناجحون وراسبون، يقال لبعض الأولاد أحيانا "حسنا، لا تعودوا في السنة المقبلة" ويتم إلحاق أولاد آخرين مكانهم. حتى المدربين يتم استبعادهم أيضا في الأكاديمية!
يتم حفر أياكس داخل قلوب وعقول الأولاد في الأكاديمية، يشربون الشاي في كؤوس عليها شعار النادي، يخلدون للنوم بملابس عليها شعار النادي ويتدثرون بأغطية عليها ذات الشعار.
إنه بمثابة استثمار والأولاد الصغار هم رأس المال. يقول المدير السابق للأكاديمية، فرانك دي بور:
"الاعتماد على الشباب وتطويرهم شيء جوهري هنا، إنه في دمنا".
"منافسة الأندية الكبيرة في أوروبا صعبة نظرا للفوارق المالية الرهيبة بيننا وبينهم خاصة عندما تتحدث عن عوائد البث التلفزيوني التي قد تبلغ 100 ملايين يورو لذلك، علينا أن نكون أذكياء".
"نستطيع أن ندبر الموارد المالية ونسخرها للأكاديمية عوضا عن إنفاق مبالغ كبيرة على لاعبين من خارج النادي، وهو ما يؤتي ثماره في النهاية"
لدى الأكاديمية نموذج يطبق على الجميع (TIPS)
T – Technique (الأسلوب)
I – Insight (الفطنة)
P – Personality (الشخصية)
S – Speed (السرعة)
الأسلوب والشخصية هي خصائص فردية، أما الفطنة والسرعة فهي خصائص يتم تطويرها دوما داخل الأكاديمية.
تتشعب كل ركيزة من الأربعة إلى تدريبات على التنسيق الجماعي، التصويب، التمرير القصير والطويل، حركات للتخلص من الخصم في المواجهات الفردية، التصويب بالرأس، إنهاء الهجمة، كيفية التمركز.
في عمر الثانية عشر، تكتفي الأكاديمية بتدريب الأولاد ثلاث مرات أسبوعيا فقط مع مباراة تقام بعطلة نهاية الأسبوع.
أما الأولاد في الخامسة عشر فيتدربون خمسة ايام أسبوعيا بسرعة أعلى داخل مساحات أضيق على مستوى أعلى. هذا هو الأسلوب الهولندي.
المدرب الحالي لفريق جالاتاسراي، يان اولدي رايكيرينك، كان مدربا لفريق الشباب منذ 2007 وحتى 2011 وكان رئيسا لقطاع التطوير داخل أكاديمية آياكس. يقول رايكيرينك:
"لدى الصغار حياة خاصة بعيدا عن كرة القدم وعلينا أن نضع هذا في الاعتبار. لا نريد أن نحرم الأطفال من عائلاتهم. عندما يكونون هنا يلعبون في الشارع مع أصدقائهم، هذا أكثر أهمية أحيانا فلديهم الحرية لبعض الوقت في التصرف بالكرة بحرية دون تلقي أي تعليمات"
الأكاديمية ليست مهمة لأياكس فحسب، أنها مهمة أيضا بالنسبة للاتحاد الملكي الهولندي لكرة القدم الذي يسعى للاستفادة من تجربة أياكس وتعميمها على البلاد.
بيت هوبرز، أحد المسؤولين عن هذا الأمر داخل الاتحاد سابقا قال في حوار مع موقع الاتحاد الأوروبي:
"ندرك أهمية أكاديمية أياكس بالنسبة لكرة القدم لذلك، طورنا سياسة خاصة تمكن الأندية الصغيرة من التعاون معا لتأسيس أكاديميات على نفس مستوى أكاديمية أياكس".
"نأمل أن نطور العديد من المواهب بهذه الطريقة ليصبحوا لاعبين محترفين، حتى إذا لم ينجحوا فعلى الأقل لديهم تعليم جيد بالنسبة للهواة."
الحاضر والمستقبل
لدى الأكاديمية وفريق الشباب حاليا لاعبين مميزين للغاية وصل بعضهم بالفعل للفريق الأول وينتظر أن يصبحوا من أبرز المواهب في اوروبا في الفترة المقبلة.
لاعبون مثل ريكاريو جيفكوفيتش (19 سنة)، عبدالحق نوري (19 سنة)، جايرو رايديفالد (19 سنة)، وكيني تيتي (20 سنة) ينتظرهم مستقبل كبير، خاصة المهاجم جيفكوفيتش الذي تدرب على يدي المهاجم المخضرم دينيس بيركامب.
كما يوجد في الفريق الأول مهاجما مميزا اسمه دافي كلاسن (23 سنة) ربما يغادر الفريق في الصيف المقبل إذا ظهر بشكل جيد خلال الموسم الجديد.
كما خرج من النادي مؤخرا لاعبين مثل أركاديوش ميليك (نابولي)، ريكاردو كيشنا (لاتسيو)، فيكتور فيشر (ميدلسبروه)، لوكاس أندرسن (جراسهوبرز)، ومايك فان دير هوورن (سوانزي سيتي)