حسنا ربما يكون ذلك أمراً طيباً يناسب واحدة من تلك الروايات الرومانسية الخالدة ليتم تسطيره داخلها تحت عنوان أحلام مؤجلة أو غير مكتملة عند مقارنتها بحجم إنفاق المنافسين داخل سوق الانتقالات..
ولكن دائماً يبقى الباب مفتوحاً وكل الاحتمالات واردة لمزج الواقع بالخيال وتحول الأحلام لحقيقة.. بعد معجزة ليستر زادت قناعة الجميع أن جودة العمل واستخدام التكتيك المناسب بإمكانه التغلب على جودة عناصر المنافسين إن نجحت في حرمانهم من التكتيك المناسب لهم لإثبات تفوقهم..
--
ليفربول بين موسمين..
أعود اليوم من حيث انتهيت الموسم الماضي عند تناول مباراة ليفربول وإشبيلية في نهائي الدوري الأوروبي.. أشرت حينها أن يورجن كلوب لا يملك بعد رفاهية إشراك 11 لاعباً من اختياره أو على الأقل المجموعة المُفضلة لديه في كل مباراة على حدة..
بطبيعة الحال توجد استراتيچية ثابتة لكل مدير فني عند اختيار تشكيل فريقه لكل مباراة.. تُفضل الغالبية العظمى من المدربين ثبات التشكيل والمحافظة على نسق واضح للفريق والعمل على رفع مستوى المجموعة سوياً مع الأخذ في الاعتبار احتمالية التعرض للإصابات والإرهاق..
يبقى هناك خيار ثاني عند تعرض سياسة ثبات التشكيل لانتكاسة ما.. هنا يلجأ المدير الفني لتدوير اللاعبين متحملاً ما قد يؤدي إليه ذلك من صعوبة تقديم الفريق ككل لمستويات ثابتة دائماً مع عدم الوصول لذلك الاتساق الكامل في الأداء..
ما سبق هو بيت القصيد فيما بين المباريات التي خاضها ليفربول تحت قيادة الألماني كلوب.. الفريق يتطور ويقدم أفضل مستوياته كما يسجل أكثر أهدافه عندما يُقحم الألماني تشكيلته الكاملة التي لا تضم بين صفوفها لاعب من الطراز العالمي أو ذلك النجم الذي لا يُشَق له غبار..
انظر ملياً لما تحتويه صفوف ليفربول من لاعبين مميزين يتمتعون بالتناغم والتناسق في الأداء تحت قيادة مدير فني قادر على قيادة الأوركسترا وجعلها تعزف أفضل مقطوعاتها بشكل متكرر رغم أن هؤلاء اللاعبين أنفسهم كانوا معروفين بالكاد لجماهير ليفربول عند التفكير في التعاقد مع أي منهم..
سجل ليفربول ثلاثة أهداف في شباك أرسنال بالموسم الماضي مثلما فعل مع تشيلسي ومانشستر سيتي كذلك قبل أن يعاود الكَرّة ويسجل رباعيتين في شباك سيتي نفسه ومن بعده دورتموند في النصف الثاني من الموسم..
ولكن في النهاية فقد الفريق فرصه في المنافسة على أي بطولة ممكنة بسبب فشله في الاختبارات الأكثر عدداً أمام الفرق الصغيرة التي لم تبادر بمهاجمة ليفربول وبالتالي عجز الفريق الأحمر عن اجتيازها..
بالأمس القريب عاود ليفربول ممارسة هوايته المفضلة بتسجيل رباعية جديدة في مرمى أرسنال على ملعب الإمارات..
السؤال عاود أذهان الجميع بشكل سريع ومُلح.. ماذا فعل ليفربول ليتفادى المصير ذاته في الموسم الجديد؟!
--
دكتور يورجن ومستر كلوب..
هل تتذكرون تلك الرواية الشهيرة التي تحدثت عن ذلك الطبيب المرموق الذي أصيب بانفصام الشخصية ليتحول إلى قاتل يحصد أرواح ضحاياه حتى لقى حتفه في النهاية..
انتهت الشخصيتان في نفس الوقت بلا عودة نتيجة ذلك التعامل الخاطئ من الطبيب مع الدواء الذي اخترعه بنفسه وتناوله لتجربته غير مدركاً لخطورته..
هي تلك اللعنة التي يصاب بها كل من يتمرد على فطرة الخالق..
تبقى هناك قناعة هامة لا يمكن إغفالها هي أن الإنسان في نعمة جميلة من خلال ما خلقه الله لنا وعلينا ألا نتمرد على ما طبعه الله فينا حتى لا نصل للنهاية المخزية لجيكل وهايد والتي أدت إلى تواجد شخص ممسوخ لا هوية له ولا مسحة من إنسانية لديه..
دكتور يورجن دائماً ما يبدع في البدايات عند تكوين فريق كرة القدم الذي يقوده ولكن في النهاية تجده يتحول لمستر كلوب الذي يدمر كل شيء بسبب تمرده على فطرة كرة القدم وآليات سوق الانتقالات الخاص بها كما حدث مع ماينز وبروسيا دورتموند بشكل أو بآخر..
الأمر يختلف قليلاً عند الحديث عن قيادته لفريق ليفربول، دكتور يورجن يظهر في مباراة فيما يأتي مستر كلوب ليقود الفريق في المباراة التالية بدون أي أسباب منطقية واضحة غير الفلسفة الكروية الزائدة عن الحد المسموح به في البريمييرليج..
إن شئت الدقة أكثر عليك بمشاهدة مباراة ليفربول وأرسنال في افتتاحية البطولة أو مواجهة برشلونة في الفترة التحضيرية.. الفريق الأحمر يقدم أداء مبهر رفيع المستوى يحمل العديد من فنيات كرة القدم والسبب واضح ومعروف أن المنافس يبادر بالاستحواذ والتقدم ويترك المساحات خلفه.. إذن ستظهر شخصية دكتور يورجن وينتصر ليفربول في النهاية..
الأمر ينعكس تماماً عندما تواجه فريقاً أقل في المستوى مثل بيرنلي في الإسبوع الثاني من الدوري أو ماينز على سبيل المثال في فترة الإعداد..
المنافس يترك لك المبادرة والاستحواذ وهو ما لا يريده أو يدركه دكتور يورجن، وعندها يتحول إلى مستر كلوب الذي يدمر فريقه ويحوله إلى مسخ بسبب تمرده على فطرة كرة القدم..
هي تلك الفطرة التي تقتضي إكمال نواقص الفريق ودراسة المنافسين المحتملين لإدراك كيفية مواجهتهم وانتزاع الفوز بدون تلقي الأهداف الساذجة بسبب تشكيل فريقي من لاعبين في غير مراكزهم ولا يجيدون أداء الأدوار المكلفين بها..
مركز الظهير الأيسر على سبيل المثال أهم وأول مواصفات اللاعب الذي يشغله أن يجيد الواجبات الدفاعية لأنه في الأساس مدافع.. التمرد على ذلك بإشراك ظهير لا يجيد الدفاع ولا اتخاذ القرارات الصحيحة أو الدفع بلاعب وسط يستخدم قدمه اليمنى هو بالتأكيد من نتائج انفصام الشخصية الكروية عند المدير الفني..
--
استنفاذ الرصيد..
المدرب الألماني ذو الشخصية المرحة شارف على استنفاذ رصيده عند الأغلبية من مشجعي ليفربول.. ربما تغاضى الجميع عن تجاربه في الموسم الماضي لتوليه قيادة الفريق متأخراً ولكن الأمر نفسه ليس متاحاً الآن..
استخدم كلوب عدة خطط لعب في الموسم السابق بتشكيلات مختلفة من اللاعبين.. ما بين 4-3-2-1، 4-2-3-1، 4-4-1-1، 4-2-2-1-1 حتى ظن الجميع استقراره على الشكل الأفضل لفريقه واستعداده لقيادة الميركاتو الصيفي بما يناسب اختياراته الخططية والفنية..
عَقَدَ الفريق ما لا يقل عن 6 صفقات جيدة مع لاعبين قابلين للتطور وتخلص كذلك من أغلب الأسماء التي لا تناسب أفكار الألماني ذو النظرة الثاقبة.. ولكن كانت المفاجأة في تغاضيه التام عن التعاقد مع ظهير أيسر أو لاعب وسط مدافع رغم المسئولية المباشرة لهذين المركزين عن فقد الفريق لنقاط عديدة في الموسم الماضي..
بالنظر للاختيارات الخططية ظهر الفريق في شكل جديد تماماً مستخدماً خطة لعب 4-1-4-1 بتوظيف عدة لاعبين في غير مراكزهم المعروفة مع تكرار الأخطاء المعتادة في عدة خطوط فكانت النتيجة فوزاً خادعاً على أرسنال وهزيمة قاسية من بيرنلي..
الإصرار لدرجة العند على أفكار فنية وسياسات مالية وشرائية أثبتت فشلها في فرض نفسها على البريمييرليج، مع تحدي آليات سوق الانتقالات وأسعار اللاعبين العالية لدرجة تفضيل عدم التعاقد مع الأسماء المطلوبة يبقى السمة المميزة لشخصية مستر كلوب الذي قارب رصيده على النفاذ وعليه العودة إلى وضعية دكتور يورجن سريعاً..
Follow: @ahmednaguibgad