إدارة النادي الأهلي جلبت مدربا خبيرا في دوريات أوروبية قوية ومن الممكن القول بكل أريحية أنه صاحب أقوى سيرة ذاتية دخلت الكرة المصرية، ولكن ماذا بعد؟
التعاقد الخاطئ – والمتأخر - مع جوزيه بيسيرو كلفه فريقا لم يختره المدرب البرتغالي وبدأ معه بداية بطيئة للغاية، ثم أتى عرض بورتو كطوق نجاة للإدارة من غضب الجماهير على بيسيرو.
مارتن يول – مع كل التحفظات على بعض قراراته الفنية وتصريحاته غير الموفقة في بعض الأحيان – أتى على فريق لم يختره وحصل به على الدوري وهذا يحسب له ولكنه لا يعفيه من المسؤولية الكاملة عن موسم الانتقالات الحالي.
يول يعمل مع جهاز معاون لا يعرفه ومختلف عن الأسماء التي طلبها، ثم جردته الإدارة من أهم لاعبين في الفريق وبعدها لم تستطع تعويضهم.
صفقة جونيور أجاي هنا أبرز مثال على هذا الأمر، قبلت إدارة الأهلي عرضا لا يمكن رفضه لماليك إيفونا ولم تجهز نفسها طول المفاوضات التي دامت أسبوعين تقريبا لضم بديل للجابوني، ومع الضغوط الجماهيرية واقتراب موعد إغلاق القيد الإفريقي اضطرت لضم مهاجم سيغيب عن الفريق حتى نهاية دور المجموعات الإفريقي للجلوس بديلا مع منتخبه في ريو، ناهيك عن كونه لعب معظم مبارياته في الصفاقسي كجناح من الأساس بسعر مبالغ فيه.. وهو ليس بديلا لإيفونا أو لرمضان صبحي.
بالمناسبة، صفقة أجاي بالذات أتت على عكس رغبة مدير قطاع الكرة عبد العزيز عبد الشافي "زيزو" ويول نفسه.
لن يكون انتقادا جديدا لإدارة طاهر أنها لا تمتلك عضو لعب كرة القدم من قبل، وأن عدم تشكيل لجنة كرة لتدير أمور الفريق بدلا من محاولته إدارتها بنفسه بمثابة تدمير ذاتي. إدارة فريق كرة تصبح في حالة عدم التخصص أو غياب الخبرة أصعب من هندسة البترول.
غياب الرؤية الفنية عن الإدارة تسبب في اختلال المعايير وفي تقديم غير الخبير للمشورة، فيصبح الصحفي مستشارا للعلاقات العامة ووكيل اللاعبين كشافا للمواهب وتصبح الوظائف الرسمية مجرد مسميات.. ما هو دور مدير التعاقدات إذا كان وكيل ما – والأمر لا يعيبه – مكلفا بالتفاوض لإتمام صفقات الفريق؟
يظهر هنا السؤال.. ما هو دور زيزو؟
مثله مثل وظائف كثيرة داخل النادي.. مجرد مسمى وظيفي.
الأمر الواضح للعيان أن منصب زيزو مع الوقت تحول لمنصب شرفي، يخرج علينا الرجل – الذي أحترمه شخصيا كثيرا – بحديث عن خطة تجعل من الأهلي ناديا عالميا على مستوى كرة القدم وفي الوقت نفسه لا يعلم أحدا معالم تلك الخطة أو دلائل على بدء تنفيذها من الأساس.
نتائج فريق الكرة هي بالطبع مرآة لمدى نجاح القطاع الذي يرؤسه زيزو. سيخرج عليك المدافعون عن أحد أهم القامات في تاريخ النادي قائلا إن الرجل بلا صلاحيات ملموسة.. فلم لا يستقيل من منصبه بدلا من الوجود دون أي تأثير؟
مثلما الأمر في أي مؤسسة فاشلة، يتحمل المرؤوسين غلطات رؤسائهم ويصبحون المسؤولين عنها وحدهم.. ولكن في حالتنا هنا أزاد الجهاز الفني الطين المتراكم عليهم من الإدارة وقطاع الكرة بلة.
جهاز فني غير متجانس تم تشكيله على عكس رغبة المدير الفني الذي طلب أسماء بعينها. تصريحات غير موفقة من جميع أعضاء الجهاز تشعر فيها وأنهم يخاطبون جمهورا من الأطفال، الضغط على أعضائه يزيد يوما بعد الأخر بسبب التصريحات والنتائج المتراجعة، بجانب أخطاء لا تغتفر في إدارة بعض المباريات الهامة فنيا ومسؤولية كاملة عن موسم الانتقالات الحالي.
من الصعب أن تطلب من الجهاز الفني أن يحقق نجاحا باهرا في ظل عشوائية الإدارة في إدارة فريق الكرة، ولكن الجهاز لم يقدم أقل القليل حتى بالنظر لأسماء أعضائه ومرتباتهم الشهرية.. فحصل على بطولة دوري – يشكروا عليها رغم وصولهم والفريق متصدرا لها بمساعدة أخطاء منافسيه واجتهادات فردية من لاعبيه الأفضل في مصر- وخسر بطولة كأس بأخطاء فنية أمام المنافس الرئيسي قبل أن تتحد جميع العناصر السالف ذكرها لقتل حلم التاسعة الإفريقية.
العشوائية أحيانا و"الاستسهال" كثيرا في الإدارة وقطاع الكرة والجهاز الفني انتقلا بطبيعة الحال للاعبين، فتجد قائد الفريق يكلف نفسه طردا مجانيا وفريقه يحاول إدراك التعادل في نهائي الكأس، ومدافع يصمم على إكمال لقاء قمة بنصف عين معتبرا ذلك نوعا من البطولة ليكلف فريقه 3 أهداف، بل ويوافق الجهاز على إكماله للقاء بسبب عدم الثقة في بديله وعدم استقدام الإدارة لبديل يعتمد عليه في الدفاع.. ولا داع للخوض أكثر في أداء بعض اللاعبين المزري واستهتار البعض الأخر.
ومع الحديث عن رحيل مارتن يول، أتذكر الحكمة التي سنها ألبرت أينشتاين بأن الجنون هو تكرار نفس الأمر مع توقع نتائج مختلفة. للمرة الثالثة – في حالة رحيل يول – سيجلب مدربا على فريق لم يختره دون فترة إعداد جيدة لتتكرر نفس الدائرة التي جعلت بيسيرو عدو الشعب الأول قبل رحيله ويول هدفا لاعتداءات الجماهير.
سلسلة جرائم لا أتوقع أن تنتهي قريبا تسببت في أن يكون أنجح فريق في القارة هدفا سهلا على أرضه قبل خارج الديار وأن يكون نادي القرن أسوأ فريق في دور الثمانية من دوري الأبطال.
الحل؟
لا أجد حلا واضحا سوى أن "نعطي العيش لخبازه" وأن يدير فريق الكرة من يفهم في إدارة الكرة.
المطالبات برحيل محمود طاهر منطقية ولكنها غير واقعية، ولكن على الأقل في الفترة المتبقية له يجب أن يجرب طريقة إدارة مختلفة بعيدة عن العشوائية التي سيطرت على عهده.
ولكن إن كان مجلس الإدارة يرى أن منصب مدير التعاقدات غير مؤثر في صورته الحالية لدرجة أنه كلف وكيل لاعبين لإتمام الصفقات، فلم لا يجلب عدلي القيعي مجددا بدلا من دفع أموال أعلى بكثير من القيمة الفنية للصفقات؟
لماذا لا يترك المجلس إدارة الكرة لمن لعب الكرة من قبل؟ ربما لا يوجد كادر أهلاوي يمكنه قيادة الدفة في الوقت الحالي، فلما لا يحصل زيزو على صلاحيات كاملة أو يوكل المدير الفني لإدارة فريق الكرة بشكل كامل؟
الحل يبدو أسهل مما تبدو المشاكل، لكن إرادة تحقيقه هي الفارق.
ناقش الكاتب عبر تويتر من هنا