تقرير في الجول - حكاية أخطبوط الميركاتو رايولا.. زعيم مافيا وكلاء اللاعبين

الإثنين، 01 أغسطس 2016 - 11:49

كتب : حسين لطفي

بينما كان يجلس متكئاً على طاولته في أحد مطاعم مدينة تورينو، ينفث الدخان من سيجاره الكوبي الفاخر، قطع تفكيره في عمولة صفقة انتقال هنريك مخيتاريان إلى شياطين مسرح الأحلام. كيفية إقناع إدارة إيفرتون بالتخلي عن لوكاكو هذا الصيف. ومصير ماريو بالوتيللي المجهول الذي يؤرقه، إضاءة هاتفه للإشارة إلى رسالة قادمة من مدينة مانشستر، ابتسم ابتسامة ماكرة ، فكما كان يتوقع سيحدث هذا الأمر عاجلاً أم آجلاً، إنه السيد إد وودوارد، المدير التنفيذي لمانشستر يونايتد.

"مستر مينو، أريد أن أتحدّث معك في أمر لا يقبل إضاعة المزيد من الوقت" قرأ الرسالة وهو يدرك في قرارة نفسه أن جوزيه مورينيو يضع بول بوجبا على رأس قائمة أولوياته، ثم سرح بخياله في حسابه البنكي الذي سينتعش بعشرين مليون يورو أو أكثر إن تمت الصفقة.

لم يُجب على وودوارد ليصيبه بالقلق ويجبره على الرضوخ لأي شيء يطلبه، لملم أشيائه واتصل بمساعده ليحجز له تذكرتين إلى إنجلترا، ثم تحدث مع بوجبا وقال له:"الأمور أوشكت على الانتهاء ، استعد للذهاب إلى مانشستر!".

مينو رايولا، اسم دائماً ما يتردد بكثرة حينما يتعلّق الأمر بالصفقات الضخمة، وإذا كنت لا تعرفه جيداً فبالتأكيد لمحت عيناك اسمه عدة مرات وأنت تتابع أخبار أكثر الصفقات ضجيجاً هذا الصيف، محاولات إعادة بوجبا إلى أولد ترافورد.

وكيل اللاعبين الأقوى في العالم، كيف بدأ مشواره؟ وما هي الاستراتيجية التي يتبعها في العمل؟ ماذا عن علاقته بلاعبيه؟ ومن هو عدوّه الأكبر؟ أسئلة كثيرة سيجيبك عليهاFilgoal.com في التقرير التالي.

بائع البيتزا

وُلد رايولا في إيطاليا، لكنه نشأ وترعرع في إقليم "هارليم" في هولندا بعد انتقال والديه إلى هناك. وكعادة أي إيطالي افتتح والده مطعماً للبيتزا، ومع مرور الوقت أصبح المطعم سلسلة مطاعم، وتدرج "مينو" من شاب يقوم بتنظيف الصحون إلى نادل، حتى أصبح المسئول عن الشئون الإدارية في المطعم بعد أن درس القانون في الجامعة لسنتين وأجاد الهولندية إلى حد كبير.

كيف بدأ مشواره؟

الصدفة البحتة وضعت رايولا على أول طريق المجال الإداري الرياضي لكنه – وبفضل حنكته - صار بعدها واحداً من أكثر الشخصيات نفوذاً وتأثيراً في عالم الساحرة المستديرة.

ذات يوم، كان رئيس نادي هارليم يتناول العشاء في مطعم رايولا، وأُعجب بشخصية ذلك الفتى الإيطالي حديث السن، الشغوف بكرة القدم والمُلِم بتفاصيل العمل الإداري والتجاري، وبعد عدة لقاءات بينهما انتهى الأمر برايولا جالساً على مكتب المدير الرياضي للنادي، ولم يكن عمره آنذاك تجاوز عقدين من الزمان.

يقول رايولا عن تلك الفترة:"كنت مولعاً بكرة القدم وخبير بمهارات التفاوض. أعطيت رئيس النادي العديد من النصائح لأساعده على تجاوز الأزمة المادية التي كنّا نمر بها. كنت أعلم خبايا المدينة وكيف تُدار الأمور هناك ولم يتطلب مني الأمر أكثر مما كنت أفعله في المطعم، أراقب الأوضاع جيداً واستخدم عقلي".

"بعد فترة وجيزة، أصبحت على دراية كاملة بالعقود والقوانين ونظام الانتقالات في هولندا، اكتشفت ثغرة تمكّن الأندية الكبيرة من التحكم بالسوق الهولندي دون الحاجة لدفع الكثير من المال، اتصلت بمسئولي نادي نابولي – عائلتي كانت من هناك - وأخبرتهم بالتفاصيل مما أدى إلى نشوب خلافات بيني وبين مجلس إدارة نادي هارليم واتحاد الكرة الهولندي، قدمت استقالتي ومن هنا بدأ المشوار".

وبعد أن ترك نادي مدينته، انضم رايولا إلى شركة "سبورت بروموشن" المختصة بأمور انتقالات اللاعبين وساهم في صفقتي انتقال فرانك ريكارد من سبورتينج لشبونة إلى ميلان (1988)، ودينيس بيركامب من أياكس إلى إنتر ميلان (1993) قبل أن ينفصل عن الشركة ويعمل لحسابه الخاص.

"أنا السوق!"

كيف يدير هذا الرجل أعماله؟ وما السر وراء إمبراطوريته الضخمة؟ وما هي كواليس استراتيجيته في تلك المهنة؟ كل هذه الأسئلة ستتبادر إلى ذهنك إذا قرأت تلك السطور السابقة، والآن سأدع رايولا بنفسه يجيبك عنها.

"وكيل الأعمال الجيد أكثر من مجرّد وسيط في عملية التفاوض ،يجب عليه أن يتأكد أن لاعبيه يشعرون بالارتياح والأمان. أحل مشاكل عملائي كما لو كنت والدهم، أنا عائلتهم، أنا من يريهم الطريق الصحيح ليسلكوه".

"لا أبحث عن اللاعبين، هم من يبحثون عنّي. لم ولن أسأل أي لاعب عن رغبته بالعمل معي، هو من يجب عليه أن يسألني إذا كنت أريد أن أكون وكيل أعماله ،ومن ثم تبدأ علاقتنا".

"طبيعة عملي اليومي تتمثل في الاهتمام باللاعبين، فهم المركز الذي أدور حوله. يجب أن أعرف إن كانوا مستقرين وأوضاعهم جيدة، وإن لم يكونوا كذلك، فما السبب؟ يجب أن أتابع أخبار الأندية أولاً بأول لأعرف من سيحتاج للاعب خط وسط بالصيف القادم؟ من سيحتاج لجناح أيسر؟".

"أميل دائماً إلى الخيار الأفضل لعملائي، سأعطيك مثالاً إن كان هناك نادي لديه عرض بـ50 مليون سأحصل منها على 50% لإنجاح الصفقة، أي ما يعادل 25 مليون، لكن النادي عرض 100 ألف يورو راتباً للاعب، وهناك نادي آخر عرض 10 مليون، سأحصل منهم على 5 مليون، لكنه سيعطي اللاعب راتب قدره 500 ألف يورو، سأقرر حينها على الفور أن أحصل على 5 مليون يورو".

"أنا لا أعمل بالسوق ، أنا السوق. عندما أنقل لاعب كبير يتحرك معه السوق بأكمله. إذا انتقل لاعب ، سيحتاج فريقه إلى بديل مناسب فتتحرك معه 10 مراكز أخرى".

"هناك لاعبون يتحدثون معي مرتين يومياً والبعض مرة بالشهر، يجب أن نبقى على اتصال. نادراً ما أذهب للملاعب ، المشاهدة أفضل في التلفاز، وسيكون عليّ أن أحضر مباراة كل يوم تقريباً إذا أردت متابعة كل اللاعبين".

"قضيت نصف عمري أعمل بكرة القدم، ولا يزال ما يمنحني السعادة إلى هذا اليوم هي رؤية الحلم يتحقق. عندما أشاهد التطور الذي حدث في مستوى مخيتاريان– أحد عملائه - مثلاً ،هذا ما يجعلني سعيداً".

إبراهيموفتيش

مما يتضح من تصريحات رايولا السابقة أن علاقته بلاعبيه أشبه بعلاقة الأب بابنه وليست مجرد علاقة بين لاعبٍ ووكيله، فأولويته دائماً تقوم على تأمين مستقبل أفضل لهم مع وضع راحتهم واستقرارهم صوب عينيه دائماً.

والآن ، سأسلط الضوء على أحد لاعبيه ليقوم هو بشرح طبيعة علاقته بالسيد مينو، إنه السويدي العملاق زلاتان إبراهيموفيتش.

السبب في بداية علاقة رايولا بإبراهيموفتش كان ماكسويل الذي أمّن لهما لقاءً مشتركاً في أحد فنادق أمستردام حينما كان إبرا لاعباً في صفوف أياكس لكي يضعا الخطوط العريضة على طبيعة علاقتهما.

إبراهيموفيتش تحدث عن لقائه برايولا في كتابه "أنا زلاتان" ووصفه بأنه "نقطة تحوّل في حياته المهنية"، فما الذي دار بينهما؟

يقول إبرا:"وصل للفندق بسيارته البورش، لقد كان غريب الأطوار، ألقى التحية ثم بدأ في الأكل مباشرةً، ثم قال كريستيان فييري 24 هدفاً في 27 مباراة، فيليبو إنزاجي 20 هدفاً في 25 مباراة، دافيد تريزيجيه 20 هدفاً في 24 مباراة، إبراهيموفيتش 5 أهداف في 25 مباراة ، هل يمكن أن يهتم أي نادٍ بك مع هذا الرقم ؟".

ويتابع "قال لي لا تركض وراء المال، اتبع النجاح والشهرة ، الثروة سوف تأتي لاحقاً، حديثه جعلني أعيد التفكير في أهدافي وطموحي ، لقد كان ينقصني الدافع ، ورايولا كان هو ذلك الدافع".

ويكمل "رايولا أدخلني مرحلة جديدة ، شعرت بأنني أقوى من أي وقت مضى، بذلت الجهد في التدريبات والمباريات وحصدت النتائج، إنه لأمر رائع أن تهتف الجماهير باسمي".

وأتم السلطان حديثه "إنه وكيل أعمالي وصديقي، وأذكى شخص قابلته في حياتي، أنا مدين له بالكثير".

العدو الأكبر

نجاح أي شخص يترتب عليه دخوله دائرة المنافسة مع أناس كثيرة في نفس مجاله، لكن ما بالك بالمنافسة بين شخصين يسيطران على مجال ما بأكمله؟ إنها بالتأكيد أشبه بحرب مستعرة.

رايولا وخورخي مينديز هما قطبا مهنة وكالة اللاعبين في العالم، ولمن لا يعرف مينديز فيكفيك العلم بأنه وكيل كريستيانو رونالدو وجوزيه مورينيو.

"أنا وهو مثل القطبين الجنوبي والشمالي. لدينا نظرية مختلفة تماماً في العمل ومع ذلك فكلانا ناجح .مينديز مستثمر، ما يهمه هو تحقيق أعلى ربح ممكن. أما أنا فأهتم باللاعبين. أنا أتمتع بالإيثار، وهو أناني" رايولا متحدثاً عن مينديز.

قد تؤمن بأن مهنة وكالة اللاعبين أشبه بحياة رجال المافيا فهي مليئة بالألاعيب والحيل القذرة، وقد تجد ما يتقاضاه الوكيل جرّاء انتقال لاعب واحد رقماً مبالغاً فيه، وربما تعجبك شخصية هذا الرجل المحنّك، لكننا جميعاً سنتفّق على أن مسيرة رايولا هي قصة كفاح بائع بيتزا سابق أصبح بعد عدة سنوات من أهم المتحكمين في كرة القدم.

كل ما جاء على لسان رايولا هي أجزاء من مقابلته مع مجلة فرويندا الألمانية والتي نُشرت بتاريخ 29 ديسمبر 2014.

أخر الأخبار
التعليقات