إعادة نشر - نكولومبيا.. كيف تخلصت من كرة "الناركوس" الذين لطخوها بالمخدرات

الخميس، 28 يوليه 2016 - 11:24

كتب : وكالات

رحلة صعود مستمرة للكرة الكولومبية في السنوات الأخيرة زينها أتليتكو ناسيونال بالتتويج بلقب كوبا ليبارتدورس لثاني مرة في تاريخه ولأول مرة منذ 27 عاما.

رحلة لم تكن سهلة لكولومبيا التي عانت كثيرا من استثمار تجار المخدرات أموالهم في كرة القدم.

ويعيد FilGoal.com نشر التقرير الذي نشره بليتشر ريبورت عن تخلص الكرة الكولومبية من عصر الناركوس دخولا لمرحلة الازدهار.

..

تجارة المخدرات.. مهربو المخدرات.. عصابات، قتل وخطف وعالم كامل من الجريمة يعيشه الكولومبيون وصل ذروته في فترتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي لدرجة أنهم اعتادوا على هذا الأمر كما يقول خوان بابلو أنخل لاعب أستون فيلا السابق.

هذه العصابات وهؤلاء تجار المخدرات أداروا كرة القدم وتحكموا فيها بشكل كامل وأصبحت هي تجارتهم الجانبية، حالهم حال السياسيين في الستينات وما قبل.

بعد سنوات من انتهاء هذا العصر (عصر الناركوس) أصبحت كولومبيا من المنتخبات القوية خلال العامين الأخيرين فهي الثالث في تصنيف الفيفا حاليا.. كما أنها مرشحة بقوة للفوز بكوبا أمريكا التي تنطلق يوم الرابع من يونيو الجاري.

أولا يجب أن نعرف أن كلمة ناركو هي إسبانية (اللغة الرسمية في كولومبيا) وجمعها ناركوس تعني تاجر المخدرات والذي تكون تجارته في الأساس بيع المخدرات الناركوتية مثل الهيروين.

بليتشر ريبورت قدمت تقريرا مطولا عن كولومبيا والتحول الذي شهدته البلاد وكرة القدم هناك من عصر تحكم تجار المخدرات فيها لما أصبحت عليه الآن، ويترجمه لكم FilGoal.com على حلقتين.

الحلقة الأولى

جابريل جوميز لاعب وسط منتخب كولومبيا السابق والذي شارك مع بلاده في كأس العالم 1994 يرن هاتفه متحدثا لهم بلهجة غاضبة "لا أريد التحدث عن رجال المافيا لا أعرف واحدا منهم، لا أريد التحدث عن مهربي المخدرات".

جوميز كان يلقب بالـ"بارباس" - وبارباس كان المجرم الذي طالب الجميع أن يطلق سراحه بدلا من السيد المسيح والذي صلب بدلا منه - لاعب وسط قوي وله علاقات بأشخاص تورطوا في جرائم كثيرة لكنه ينفيها حتى يومنا هذا.

لكن زملاء جوميز يختلفون معه فهو له واقعة شهيرة في كأس العالم 1994 الذي كانت كولومبيا مرشحة بقوة للتتويج بلقبها نظرا لما قدمته في التصفيات إذ هزمت الأرجنتين بخماسية نظيفة في مباراة شهيرة.

الواقعة كانت إجبار كولومبيا على خوض جوميز لمباراة أمريكا بالمجموعات في مونديال 1994 وانصاع المدرب فرانسيسكو ماتورانا للتهديدات وأشركه وقال في حديث سابق لصحيفة تيليجراف البريطانية "لم أرد المخاطرة بحياة أحدهم".

مهاجم نيوكاسل السابق وكولومبيا الشهير أسبرييا قال: "لم نعلم من أين أتت هذه التهديدات.. هل كانت من عصابات المخدرات؟ أم كانت بسبب حرب العصابات نفسها؟ لكننا مازلنا نتساءل ولا نعرف من أين أتت".

جوميز لعب لناديي ناسيونال ومييوناريوس قبل البطولة، كانا ناديا القمة آنذاك فالأول كان يمول من قبل بابلو إسكوبار والثاني من قبل جونزالو جاتشا وكلاهما من كبار رجال العصابات وتجار المخدرات في كولومبيا.

يضيف جوميز "لم أقابل أي منهما لم أنم معهما، أنت تسأل عن بابلو إسكوبار عن إله المخدرات وأنا لا أعرف شيئا ولا أريد التحدث عن تجارة المخدرات. فقط أريد التحدث عن كرة القدم".

رئيس اتحاد الكرة في كولمبيا الأسبق ونادي أمريكا دي كالي حاليا تصرف في الأمر ذاته عندما سؤل عن الأخوين رودريجز أرخويلا رؤوساء إحدى كبرى عصابات كولومبيا والذين ترأسوا النادي قبل دخولهم السجن الذين يقضون فيه عقوبة حتى 2030.

وعندما بدأ الكلام عنهما تغيرت طبقة صوته وبدأ يقول: "لا لا لا لا أنا كبير في السن كفاية لا أتذكر مثل هذه الأشياء، لا أريد التحدث عن ذلك فأنا لا أتذكر".

الازدهار؟

عام 2014 قدم منتخب كولومبيا الكثير في كأس العالم ليودع بشكل درامي أمام البرازيل صاحبة الأرض من ربع النهائي بعد الخسارة 2-1 ولم تفلح ركلة جزاء رودريجز في فعل شيء أمام هدفي راقصي السامبا لكنه كان إنجازا رائعا لهذا المنتخب الذي عاد للمشاركة المونديالية بعد الغياب منذ 1998.

بعدها بعام توج فريق إندبندنتي سانتا في بلقب كوبا سودا أمريكانا وهي المعادلة للدوري الأوروبي أو كأس الكونفدرالية في أمريكا الجنوبية بعد التغلب على هوركان الأرجنتيني بركلات الترجيح.

العام الجاري وقبل أيام قليلة نجح أتليتكو ناسيونال في التغلب على روساريو الأرجنتيني ليصعد إلى نصف نهائي كوبا ليبارتدورس بعد أن هزمه 3-2 في مجموع المباراتين بفضل هدف في الدقيقة 95 بمباراة شهدت تدخلات عنيفة داخل الملعب وبطاقات حمراء وحتى ألفاظ عنصرية من مدرب الفريق الأرجنتيني تجاه أحد لاعبي ناسيونال.

نعم هي انتصارات بسيطة لكن بطبيعة الحال تعكس صورة عن الكرة في كولومبيا الآن.

تحول الحياة

خوان بابلو أنخيل مهاجم أستون فيلا السابق أحد الشاهدين على التحول الذي حدث في كولومبيا، فهو ولد في مدينة ميدلين وترعرع هناك عندما كانت عاصمة القتل في العالم ولعب هناك وتوج بالدوري مع ناسيونال قبل الانتقال للعب في الأرجنتين ثم أستون فيلا في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية.

يقول أنخيل "الذهاب للديار مرة واحدة في نهاية كل موسم يجعلك ترى الاختلاف الذي يحدث في البلاد، أقصد تحديدا مع تولي ألفارو أوريبي منصب الرئيس خلال الفترة من 2002 وحتى 2010".

وتابع "التغير الذي حدث يجعلك تذهب خارج كولومبيا بفخر لم يكن موجودا من قبل، أنا واثق من أنه كان هناك قوالب ثابتة "Stereotype" عن الكولومبيين لم نعد نسمعها الآن سوى في نشرات الأخبار التي تتحدث عن السياسة والمخدرات والتغيرات الاجتماعية".

الكوكايين وكرة القدم

كولومبيا اعتادت على إنتاج 80% من الكوكايين في العالم، في فترة ما كانت الحياة هناك رخيصة لدرجة أنك يمكنك استئجار شخصا لقتل أحدهم مقابل 75 دولارا فقط، ارتداء الخوذة أثناء ركوب الدراجات البخارية كانت علامة مميزة للمجرمين!

لكن كل هذا تغير الآن، ففي بوجوتا حيث يتواجد فريق ميوناريوس الذي فاز بـ22 لقبا للدوري انخفضت نسبة القتل بـ70%، الأمر ذاته في ميدلين معقل فريق ناسيونال انخفضت بنسبة 80% بالإضافة لبعض التطورات الأخرى في تلك المدن في التعليم والمواصلات وغيرها.

الأمر ذاته في مدينة كالي حيث يتواجد فريقا أمريكا وديبورتيفو أصحاب 22 لقبا.. هذه المدن الكبيرة في كولومبيا والتي تتواجد فيها الأندية الكبرى هناك تورطت بشكل ما مع تجار المخدرات والعصابات هناك في وقت من الأوقات.

لكن هل اختفى مجتمع الناركوس الذين تدخلوا في كرة القدم؟

الصحفي الكولومبي كارلوس أيمان يقول "بالطبع لا، مازالوا متواجدين، لكن بشكل خفي فقط".

ما هو الفارق بين عام 1993 وحاليا

يحكي خوان بابلو أنخيل "مشاكل المخدرات لم تتخلص منها كولومبيا بعد، لكنها ليست مثلما كانت في الثمانينات والتسعينات لأن بلادنا تطورت بشكل جيد وكذلك كرة القدم التي كانت ملطخة بها دائما".

"خلال الثمانينات والتسعينات وصل تدخل العصابات في عالم كرة القدم للذروة، الرياضة بشكل عام لم تكن بعيدة عما يحدث في كولومبيا، كان هناك الكثير من العنف والمخدرات والمشاكل السياسية والاقتصادية لكننا اعتدنا عليها وأصبحت جزء من حياتنا".

لكن من الصعب معرفة كيف انتهى عصر كرة القدم المرتبطة بالناركوس، هناك نكتة قديمة في كولومبيا يقولون أن الناس في مدينة كالي يستطيعون السير في الشوارع بأمان عندما يلعب فريق أمريكا دي كالي لأن كل رجال العصابات في الاستاد.

في عام 1998 كانت هناك واقعة شهيرة عندما استغلت الشرطة مباراة كولومبيا وفنزويلا وانتظروا حتى سجلت كولومبيا هدفا ليقتحموا مكان اختطاف عصابة لأحد رجال الأعمال وقاموا بتحريره من قبضتهم مستغلين فوضى الاحتفال بالهدف.

لكن كيف حدث هذا التدخل؟

الحكومة الكولومبية برئاسة خوليو سيزار تورباي فرضت آلية سمحت للبعض بتقنين بعض الأمور غير القانونية مثل تجارة المخدرات.

هذا الأمر جعل تجار المخدرات يظهرون قوة اقتصادية كبيرة واستثمروا أموالهم في بعض الأنشطة الأخرى في مجالات الصناعة والتجارة وبالطبع كرة القدم وعندما تتحدث عن الناركوس يجب أن تتحدث عن إسكوبار.

كان هناك الكثير من المحاولات لأخرين من تجار الماريجوانا ورجال العصابات في دخول عالم كرة القدم حتى جاء الثلاثة الكبار.. الشقيقان أوريخويلا والمكسيكي وبابلو إسكوبار.

الأخوان أوريخويلا و المكسيكي

في عام 1997 سجل أنتوني دي أفيلا لاعب أمريكا دي كالي هدفا لبلاده كولومبيا في شباك بوليفيا ساهم به في وصولهم للمونديال أهداه للأخوين أوريخويلا، هما من كبار رجال العصابات والذين يتحكمون في زمام الأمور من خلف القضبان بعد أن سجنا عام 1995.

بعدها بأيام وقف النادي دقيقة صمت في إحدى مبارياته حدادا على روح والدة الشقيقين، في عام 2013 فقط أزالت الولايات المتحدة الأمريكية فريق أمريكا دي كالي من "لائحة كلينتون" وهي لائحة تضم شركات محظورة عن القيام بأي أعمال هناك بسبب تورطها في تهريب المخدرات وهذا ما جعل النادي يعاني ماليا.

الآن هم يلعبون في الدرجة الثانية ويحاولون العودة من جديد بعد التخلص من آثار الأخوين أوريخويلا.

لكن بالعودة للوراء تجد أن أوريخويلا جعلوا أمريكا دي كالي واحدا من أفضل الفرق بأمريكا الجنوبية ووصل لنهائي كوبا ليبارتدورس 3 مرات متتالية أعوام 1985 و1986 و1987 لكنه خسرهم جميعا، هناك الأقاويل حول اقترابهم من ضم مارادونا لستة أشهر مقابل 3 ملايين دولار عام 1979 لكنه كان وقع لبرشلونة والصفقة فشلت.

في العاصمة بوجوتا الأمر ليس مختلفا، عام 2012 أشارت تقارير كولومبية إلى أن فريق ميوناريوس يضع في حسبانه إعادة لقبين حصل عليهما خلال فترة سيطر عليها رودريجز جاتشا والذي كان معروفا بالمكسيكي (لأنه بدأ مهربا للمخدرات هناك في المكسيك) وبالطبع هو أحد كبار رجال العصابات وقتل عام 1989 على يد الشرطة.

جاتشا المتهم الرئيسي في قتل رئيس نادي ميوناريوس ليتولى رئاسته بعدها بسنتين قاده للفوز بالدوري المحلي لموسمين متتاليين عامي 1987 و1988.

بعدها بسنة ألغي الدوري الكولومبي بسبب مقتل الحكم ألفارو أورتيجا في مباراة بين ديبورتيفو وأمريكا دي كالي.

إسكوبار

كارلوس أيمان الصحفي الكولومبي يقول "الجميع هنا يتذكر عندما فاز ناسيونال بكوبا ليبارتدورس في ذلك العام، العار الأكبر لبلادنا".

آنذاك ميلان كان بطلا لأوروبا ومن المفترض أن يواجه ناسيونال في كأس إنتر كونتنينتال ووقتها خرج بيرلسكوني بتصريح ناري مشيرا إلى أن الروسونيري سيحارب للفوز على الجانب القبيح من العالم.

يقول شونتو هيريرا لاعب ناسيونال السابق "بالطبع ناسيونال كان فريق إسكوبار، لعبت هناك لعشرة أعوام وكان معروفا أنه يستثمر أمواله هناك، لم أقابله لكن الجميع يعرف أنه كان شغوفا بكرة القدم".

إسكوبار عُرف عنه وجود جانبين في شخصيته، القاتل والإرهابي الذي فجر طائرة أفيانكا.. الجانب الثاني هو بطل الفقراء الذي قام ببناء 1000 بيتا لأسر عاشت في الشوارع وسط القمامة.

في ديسمبر من عام 1993 الشرطة الكولومبية طاردت إسكوبار في أحد أحياء ميدلين وبعد تبادل إطلاق النار قتل بابلو برصاصة في الرأس، ودفن ملفوفا بعلم ناسيونال، لكنه ليس الإسكوبار الوحيد الذي قتل من ناسيونال.

هدف عكسي = قتل

هيريرا يتذكر "كان هناك الكثير من المراهنات علينا في كأس العالم 1994 لكننا لم نتخط دور المجموعات، بعد الخسارة كنا غاضبين للغاية وفي وسط هذا الضغب قرر أندرياس إسكوبار (المدافع الذي سجل هدفا عكسيا في كولومبيا بالمونديال) الخروج مع أصدقائه وقابل أشخاصا بدأوا في مضايقته خارج أحد الملاهي الليلية".

يقال أن من قتل إسكوبار أطلق عليه النار 6 مرات ومع كل طلقة كان يقول "جول".

البروفيسور ميدينا بيريز الباحث بإحدى جامعات كولومبيا "عصر الناركوس في كرة القدم كان انتهى بالنسبة لي مع مقتل أندرياس إسكوبار، تحدثت مع الكثيرين وقدمت أكثر من تحقيق وكان من الصعب إيجاد الكثير من الأموال لهم في كرة القدم".

"أندرياس كان في حانة والشخص الذي قتله لم يرسل أحدا فقط الأمر حدث هكذا، لم يكن محظوظا بأنه لقي هذا القدر في تلك الليلة".

"الأمور في كولومبيا تطورت بشكل كبير بعدها بشكل عام فمثلا في بوجوتا بدأوا في إنشاء مكتبات ومتاحف في وسط الأحياء الفقيرة وإعادة تطوير مباني المدينة لتفوز في 2013 بجائزة الأكثر ابتكارا في العالم، كرة القدم أيضا حاولت السير وراء هذا الأمر".

"في كوبا أمريكا 2001 في كولومبيا والذي توج به المنتخب، رفض المنتخب الأرجنتيني السفر لكولومبيا بعد أن تلقوا تهديدات بالقتل.. لكننا لم نصعد للمونديال عام 2002".

"وقتها عرفوا أنه يجب أن تتغير طريقة إدارة كرة القدم، الموسم أصبح يبدأ مثل أوروبا في أغسطس وتم تقليل عدد الأندية في الدوري الممتاز وتلقوا استثمارات أكثر وبدأوا في وضعها لتطوير الناشئين وما تراه الآن هو نتاج لما حدث وقتها".

بالتأكيد الكمال ليس موجودا، المجتمع مازال يعاني من المخدرات فمن 2009 حتى 2013 قتل 7 ألاف شخصا بسبب حروب العصابات في ميدلين فقط والسلام لا يعم في هذه الأحياء سوى عندما تتفق العصابات على هدنة.. في مايو الماضي أيضا وجدت الشرطة 8.8 طنا من الكوكايين في أكبر حرز تصادره في تاريخها.

أيضا بالنسبة للدوري المحلي فهناك 3 لاعبين محليين فقط كانوا في قائمة المنتخب الكولومبي بمونديال 2014، لكن من جديد كرة القدم مرآة للمجتمع وكلاهما يحاول بناء نفسه من جديد بطريقة سليمة.

التعليقات