كتب : محمد الفولي
حينما كنت مدربا لسان لورنزو في 2009 كان لدي لاعب جيد للغاية يدعى بابو جوميز. كان يلعب معي على طرفي الملعب ولكنه كان يحب اللعب كرأس حربة. كان مقتنعا بأنه يتألق أكثر حينما يصبح أخر مرجعية هجومية للفريق. كان قد انتقل من فريق أرسنال الأرجنتيني حيث كان رأس الحربة الثاني هناك. بالنسبة لي كنت أفضل وضعه كجناح أو صانع ألعاب.
كانت مشكلته أنه يسعى خلف إثارة الاعجاب عبر اللعب بالقرب من المرمى أو المجد كما يظن. أنا لا أحب هذه الأمور، أحب أن يسعى اللاعب لتمكين الفريق من الفوز وليس تقديم أهدافه الشخصية على تلك التي تخص المجموعة. الفريق يأتي في المقام الأول وليست طموحات الأفراد. عانيت كثيرا في مهمة اقناعه. كان متمردا ويصر دائما على إظهار رغبته، لذا سألته اذا ما كان هناك بند في عقده ينص على ضرورة لعبه في الهجوم وعدم اللعب كجناح أكثر من مرة.
في يوم من الأيام قلت له "انظر يا بابو. أنت ستلعب في أوروبا يوما ما وفرصتك الوحيدة في النجاح هناك تتمثل في اللعب كجناح وليس كرأس حربة لأن خصائصك لا تتماشى مع المركز الأخير". لم يبد عليه الاقتناع لذا أضفت في نهاية الحديث "أقول لك هذا لأنني لعبت في أوروبا". تمرده لم يتغير ولم أقدر على إقناعه. علاقتنا كانت متقلبة ومليئة بالنقاشات والشجار والاستياء.
تمر السنوات ويأتي الحدث الأهم في هذا القصة حيث فوجئت به يتصل بي في يوم من الأيام ويقول "يجب أن أشكرك لأن كل ما يحدث لي يعود بشكل كبير إلى ما نقلته لي حينما كنا معا في نفس الفريق". هذه الكلمات ملأتني بالفخر. حينما يعمل مدرب من أجل تحقيق شيء وتثبت صحته فهذا أكثر ما يجعله سعيدا. داخل أي مجموعة ستجد عناصر أكثر انفتاحا لتقبل النصائح عن غيرها وعمل المدير الفني هو معرفة كيف يتعامل مع كل واحد منهم.
دييجو كوستا
حالة دييجو كوستا خاصة للغاية. في موسم 2011-2012 كان معارا في رايو فايكانو. في تلك الفترة كان دخوله أتلتيكو أمر صعب والأفضل بالنسبة للطرفين كان ضرورة تركه يلعب في فريق أخر، ولكن دييجو كان ترك في المجموعة أثرا رائعا.
أثناء عودتنا من المباريات في الحافلة كنا نستمع للاذاعة واذا ما قيل أن دييجو سجل هدفا لرايو كان كل الفريق يحتفل كما لو كنا نحن من سجلنا الهدف. هذا الأمر لفت انتباهي لأن هذا ليس أمرا عاديا في كرة القدم. من الغريب أن تحتفل مجموعة كبيرة ومتنوعة بهذه الطريقة بأهداف زميل قديم.
مشكلتنا في مسألة إعادة دييجو كوستا لأتلتيكو كانت تتمثل في أن الأماكن الثلاثة المخصصة للاعبين القادمين من خارج دول الاتحاد الأوروبي كانت بالفعل مكتملة بوجود ميراندا وسالفيو وفالكاو. في بداية موسم 2012-2013 تحدثت معه وقلت له أن سالفيو كانت له أفضلية البقاء ولكن الجهاز الفني سيتعامل معك كما لو كنت ستستمر مع الفريق. قلت له أنه من الممكن أن تحدث أي مفاجأة ويرحل واحد من هذا الثلاثي، لذلك يجب أن تظل مستعد ذهنيا وبدنيا لهذا الاحتمال وللعب كل أسبوع لأنه لا توجد حبة سحرية تجعلك تصل لأفضل مستوياتك خلال دقيقتين اذا ما كان الفريق في حاجة اليك.
حينما شاهدته يتدرب مع الفريق اندهشت: وحشية ورجولة. كان لا يمكن لأحد ايقافه. ما يراه الجميع الآن كان يفعله في التدريبات. في النهاية رحل سالفيو عن النادي وانفتحت أبواب الفريق لدييجو الذي كان يشعر ببعض القلق بخصوص فرص مشاركته ولكن قلت له أن لاعب بمثل خصائصه سيلعب معي دائما. قلت له أنه اذا ما استغل الدقائق التي سأمنحها له سينتهي الأمر بصناعة مكان له في التشكيل الأساسي.
يبث دييجو كوستا في من حوله قوة معدية لا يمكن قياسها داخل باقي المجموعة. طريقة سيره في الملعب هي طريقة قوله بأن كل شيء على أفضل حال. فاز بمركزه في فريق تنافسي لأنه أصبح انعكاسا لتاريخ شخصية أتلتيكو مدريد. يقدم أفضل ما لديه ولكن يجب عليه تعلم كيفية السيطرة على قوته. يجب أن يتحكم فيها لأنه كلما عملت على تحسين مزاياك ستقل عيوبك.
تمثل شخصية دييجو كوستا مشكلة بالنسبة للخصوم. معاناة المنافسين أمام لاعب بخصائصه شيء طبيعي ومنطقي، ولكن على كل شخص البحث عن الأسلحة التي تعمل على تقوية الفرد والمجموعة. معه كنا نلعب بخطة 4-4-2 فيما أنه في فرق أخرى كان اللعب يتم بثلاثة مهاجمين أو رأس حربة واحد. كوستا يمتلك القدرة دائما على ارهاق من أمامه. حدته في اللعب تنتقل لبقية الفريق؛ بمعنى آخر: اذا ما كان يركض بكل هذا الحماس من أجل الفريق، فلماذا لا يفعلوا هم نفس الأمر؟
باختصار وجود لاعب بهذه الخصائص هام لتحفيز طريقة لعبنا. إنه يعكس هوية تتميز بالحدة والعدائية وهي العلامة المميزة لتاريخ أتلتيكو مدريد، بجانب الاعتماد على المرتدات السريعة.
--
هذه كانت الحلقة التاسعة من كتاب "تأثير سيميوني – استراتيجية التحفيز".
الكتاب هو سيرة ذاتية يحكيها سيميوني ويترجمها FilGoal.com للمهتمين برحلة التشولو الملهمة.
اقرأ الحلقات السابقة
تأثير سيميوني – (1) كيف تقنع لاعبا بطيئا بأنه سيحقق لقبا لا ينسى
تأثير سيميوني – (2) ركنية روبن كازان و"حكاية" ما قبل النوم
تأثير سيميوني – (3) درس من لاعب والحظ والحكام والنظام
تأثير سيميوني – (4) الشغف وبداية الرحلة
تأثير سيميوني – (5) برود الألقاب وعشق الأتلتي والمدرب الغبي
تأثير سيميوني – (6) الفرق الكبرى وبيب جوارديولا ودور الإدارة