قد تأتي إلى الحياة وتذهب دون أن يتذكرك أحد. وقد تحاول أن تجعل أعمالك يتحدث عنها الجميع عند وفاتك. وقد تكون محمد علي كلاي.

محمد علي كلاي أسطورة الملاكمة وبطل العالم السابق رحل عن عالمنا عن عمر 74 عاما بعد صراع طويل مع المرض. (طالع التفاصيل)

21 عاما هو ملخص الحياة المهنية للأسطورة محمد علي كلاي في عالم الملاكمة. أعوام ستبقى في الذاكرة إلى الأبد. ألقاب ستخلد دائما بأسمه.

لما لا وقد حقق "المقاتل" كلاي 56 انتصارا من 61 مباراة خاضها طوال مسيرته في لعبة الملاكمة، بينهم 37 فوزا بالضربة القاضية. توج بطلا للعالم في الوزن الثقيل 3 مرات وحصد الميدالية الذهبية الأولمبية.

في المقابل خسر 5 مرات فقط بينهم مرة واحدة بالضربة القاضية. ولكن في حياة المسلم الأمريكي العديد من الأحداث التي لا تنسى. وهنا تأتي حكاية FilGoal.com عن كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور (محمد علي كلاي).

حادث سرقة = تحول إلى أسطورة

هل تتخيل أن حادث سرقة تتعرض له قد يحول حياتك تماما لتصبح أسطورة؟ نعم هذا ما حدث مع محمد علي.

كاسيوس مارسيلوس كما كان يُدعى من قبل، ولد في يناير 1942 في مدينة لوزيفيل بولاية كنتاكي " Kentucky" الأمريكية. ولكن التحول الكامل في حياته كان في عمر الـ12 سنة.

ذهب كاسيوس رفقة أحد أصدقائه إلى مقاطعة كولومبيا في أمريكا لمشاهدة مسابقة للكلاب. ووضع كاسيوس دراجته في الخارج ثم دخل إلى القاعة للاستمتاع بالعرض وأكل "الفشار" المجاني.

استمتع الثنائي كثيرا بالعرض وكل ذلك طبيعي، ولكن ما غير كل شيء هو حادث السرقة الذي حدث لكاسيوس.

بمجرد نهاية العرض خرج كاسيوس وصديقه ليتفاجأ بعدم وجود الدراجة. لقد سُرقت.

حزن الطفل صاحب الـ12 عاما كثيرا وقتها وقرر الذهاب إلى الشرطة وقال للشرطي بغضب: "سأنهال بالضرب على من سرق دراجتي. مهما كان هو".

ليرد جو مارتن (الشرطي) عليه قائلا: "ولكن عليك تعلم القتال والضرب أولا قبل أن تفعل ذلك".

جو مارتن، شرطي يعمل في المقاطعة ويعمل أيضا كمدرب ملاكمة في إحدى الصالات الرياضية. وهنا بدأ كل شيء مع محمد علي.

اقتنع محمد علي بذلك وبعدها بعدة أيام ذهب إلى الصالة الرياضية ليبدأ التدرب تحت قيادة جو مارتن.

أيام ثم أسابيع ثم أشهر وسنوات. كلها شهدت دخول محمد علي عالم الملاكمة مع جو مارتن قبل أن يشارك لأول مرة في بطولة رسمية. دورة الألعاب الأولمبية روما 1960 "وقتها كان عمره 18 عاما".

تدريبات كانت السبب الرئيسي في بداية مشوار الأسطورة حسبما أكد بنفسه في فيلمه الوثائقي "الأعظم في كل الأوقات" وموقعه الرسمي.

"طر كالفراشة في الهواء وألدغ كالنحلة" محمد علي كلاي

رحلة الأولمبياد وسيطرة الأسطورة

بعد تأخر وخوف من ركوب الطائرة المتجهة إلى روما لخوض الأولمبياد بسبب "الخوف من الطيران" سجل أخيرا محمد علي مشاركته في البطولة الأولى له.

وفي الخامس من سبتمبر من عام 1960 فاز محمد علي على البولندي زبيجنيو بيترزيكوسكي ليحقق الميدالية الذهبية في الأولمبياد.

ميدالية جاءت عن جدارة واستحاق وسط أداء "راقص ورشيق للغاية من كاسيوس" حسبما تم وصفه في كتابه (قصة حياتي – أنا الأعظم).

محمد علي كلاي كان استثنائيا منذ الصغر في تصريحاته فكان دائما يتحدث عن نفسه قبل كل مباراة ويخطف الأضواء ويكسب الأموال من ذلك، فكان يقول على سبيل المثال: "أنا عظيم في كل الأوقات وأقوى من أي وقت".

وبعد 19 انتصارا متتاليا، حقق محمد علي كلاي أول لقب عالم للوزن الثقيل في مسيرته بعدما سحق الأمريكي سوني ليستون بالضربة القاضية في 25 فبراير من عام 1964.

"من ليس شجاعا بما يكفي للمخاطرة لن يحقق أي إنجاز في حياته".. محمد علي كلاي

اعتناق الإسلام وتغيير الأسم والتحدي الأصعب

مثل أي شخص في حياته فقد واجه كاسيوس العديد من التحديات، ولكن أصعبها جاء بعد إعلانه اعتناق الديانة الإسلامية.

بطل أمريكي خرج أمام الجميع بعد فوزه بعد أيام بلقب الوزن الثقيل عام 1964 يعلن اعتناقه الإسلام وتغيير اسمه للأبد.

ليس هناك عن كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور بعد الآن.

"اسمي هو محمد علي".

مفاجأة كبرى بالنسبة لكل عشاق ومتابعي رياضة الملاكمة. النجم الأول وبطل العالم الآن يعلن إسلامه.

ليبدأ وابل من الاتهامات والتصريحات المضادة تنهال على محمد علي.

اُتهم بالعنصرية والتسبب في خيبة آمال لبلاده الولايات المتحدة الأمريكية. أصبح منبوذا من البعض. عدد كبير أصبح غاضبا من محمد علي ولكن الأخير لم يتأثر.

وكان محمد علي يخرج دائما ويتحدث عن الإسلام والتسامح وعظمة وجود الله.

" أنا أؤمن بالدين الإسلامي. أؤمن بوجود الله والسلام" .. محمد علي كلاي

رفض التجنيد ونهاية مأسوية

وقف محمد علي أمام الجميع وحافظ على اعتناقه الديانة الإسلامية، ولكن صدمة جديدة حلت على الأسطورة. والسبب الجيش الأمريكي.

أمريكا كانت في حالة حرب ضد فيتنام، وتم استدعاء محمد علي للانضمام إلى كتيبة الجيش الأمريكي في الحرب.

ولكن المفاجأة الكبرى جاءت من محمد علي نفسه الذي أعلن في 28 أبريل 1967 رفضه الانضمام إلى الجيش الأمريكي "لأسباب دينية".

وأعلن محمد علي كلاي في مؤتمر صحفي رفضه "القتال في حرب فيتنام" قائلا: "لا يوجد أي خلاف بيني مع الفيت كونج".

- الفيت كونج هي حركة مقاومة فيتنامية تمردت على الحكومة وكانت هي الجبهة المعارضة لجميع العناصر المكونة للحكومة وناضلت ضد الاستعمار الفرنسي وتدخلت أمريكا بعد ذلك للوقوف ضدهم –

قرار محمد علي كلاي جاء على أثره حُكم بالسجن لمدة 5 سنوات بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية.

إلى جانب تغريمة 10.000 دولار ومنعه من ممارسة الملاكمة لمدة 3 سنوات.

وعلى الرغم أنه نجح في الخروج من السجن بكفالة إلا أنه بقى بعيدا عن اللعبة مع زيادة الغضب من بعض الجماهير تجاهه نظرا "لتهربه من خدمة الجيش".

العودة ونزال القرن ونهاية الرحلة

عام 1970 تم إلغاء حكم الإدانة وعاد محمد علي لممارسة الملاكمة في نفس العام ليواجه الأمريكي جو فريزر في نزال أطلق عليه "مباراة القرن". (سبب التسمية هو عدم تعرض أيا منهما لأي هزيمة).

في البداية فاز جو فريزر وحقق اللقب عام 1971 بعدها تواجها من جديد في 1974 بلقاء إعادة (rematch) وفاز محمد علي كلاي.

ثم مواجهة ثالثة في نفس الإطار عام 1975 وفاز مجددا محمد علي كلاي.

وفي هذا الوقت أيضا تواجه محمد علي كلاي ضد الأمريكي جو فورمان في واحدة من أقوى المباريات عبر التاريخ وتم تسميتها بـ"مواجهة الغابة The Rumble in the Jungle" نظرا لإقامتها في زائير.

وفاز محمد علي بالمواجهة وتحدث عنها بعد ذلك في فيلمه الوثائقي قائلا: "هي أفضل مباراة بالنسبة لي".

بعدها خسر اللقب في عام 1978 لصالح الأمريكي ليون سبينكس قبل أن يعود بعدها بـ7 أشهر ويفوز عليه ويستعيد اللقب ليصبح أول ملاكم يحصد اللقب 3 مرات. بطل الوزن الثقيل.

وبعد خسارة أمام لاري هوميلز وتريفور بيربيك يُنهى محمد علي كلاي مسيرته في حلبة الملاكمة ويعلن اعتزاله ونهاية مشوار الأسطورة.

بعدها تم اكتشاف مرض محمد علي بـParkinson's Disease الشلل الرعاشي.

وبعد صراع وصبر ومقاومة رحل الأسطورة. وسيبقى دائما أسطورة.

"هو الرجل الذي يؤمن أن النجاح الحقيقي يأتي عندما ننهض بعد سقوطنا".. بارك أوباما عن محمد علي كلاي.