كتب : هشام إسماعيل
قبل أعوام، ذكرت لفتاة كولومبية تعيش هنا في مصر أنني فقط أعرف شاكيرا وفالكاو عن بلادها بعفوية شديدة، فكان ردها أنني أول مصري يقابلها ولا يسألها عن المخدرات.
تجارة المخدرات.. مهربو المخدرات.. عصابات، قتل وخطف وعالم كامل من الجريمة يعيشه الكولومبيون وصل ذروته في فترتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي لدرجة أنهم اعتادوا على هذا الأمر كما يقول خوان بابلو أنخل لاعب أستون فيلا السابق.
هذه العصابات وهؤلاء تجار المخدرات أداروا كرة القدم وتحكموا فيها بشكل كامل وأصبحت هي تجارتهم الجانبية، حالهم حال السياسيين في الستينات وما قبل.
بعد سنوات من انتهاء هذا العصر (عصر الناركوس) أصبحت كولومبيا من المنتخبات القوية خلال العامين الأخيرين فهي الثالث في تصنيف الفيفا حاليا.. كما أنها مرشحة بقوة للفوز بكوبا أمريكا التي تنطلق يوم الرابع من يونيو الجاري.
أولا يجب أن نعرف أن كلمة ناركو هي إسبانية (اللغة الرسمية في كولومبيا) وجمعها ناركوس تعني تاجر المخدرات والذي تكون تجارته في الأساس بيع المخدرات الناركوتية مثل الهيروين.
بليتشر ريبورت قدمت تقريرا مطولا عن كولومبيا والتحول الذي شهدته البلاد وكرة القدم هناك من عصر تحكم تجار المخدرات فيها لما أصبحت عليه الآن، ويترجمه لكم FilGoal.com على حلقتين.
الحلقة الأولى
جابريل جوميز لاعب وسط منتخب كولومبيا السابق والذي شارك مع بلاده في كأس العالم 1994 يرن هاتفه متحدثا لهم بلهجة غاضبة "لا أريد التحدث عن رجال المافيا لا أعرف واحدا منهم، لا أريد التحدث عن مهربي المخدرات".
جوميز كان يلقب بالـ"بارباس" - وبارباس كان المجرم الذي طالب الجميع أن يطلق سراحه بدلا من السيد المسيح والذي صلب بدلا منه - لاعب وسط قوي وله علاقات بأشخاص تورطوا في جرائم كثيرة لكنه ينفيها حتى يومنا هذا.
لكن زملاء جوميز يختلفون معه فهو له واقعة شهيرة في كأس العالم 1994 الذي كانت كولومبيا مرشحة بقوة للتتويج بلقبها نظرا لما قدمته في التصفيات إذ هزمت الأرجنتين بخماسية نظيفة في مباراة شهيرة.
الواقعة كانت إجبار كولومبيا على خوض جوميز لمباراة أمريكا بالمجموعات في مونديال 1994 وانصاع المدرب فرانسيسكو ماتورانا للتهديدات وأشركه وقال في حديث سابق لصحيفة تيليجراف البريطانية "لم أرد المخاطرة بحياة أحدهم".
مهاجم نيوكاسل السابق وكولومبيا الشهير أسبرييا قال: "لم نعلم من أين أتت هذه التهديدات.. هل كانت من عصابات المخدرات؟ أم كانت بسبب حرب العصابات نفسها؟ لكننا مازلنا نتساءل ولا نعرف من أين أتت".
جوميز لعب لناديي ناسيونال ومييوناريوس قبل البطولة، كانا ناديا القمة آنذاك فالأول كان يمول من قبل بابلو إسكوبار والثاني من قبل جونزالو جاتشا وكلاهما من كبار رجال العصابات وتجار المخدرات في كولومبيا.
يضيف جوميز "لم أقابل أي منهما لم أنم معهما، أنت تسأل عن بابلو إسكوبار عن إله المخدرات وأنا لا أعرف شيئا ولا أريد التحدث عن تجارة المخدرات. فقط أريد التحدث عن كرة القدم".
رئيس اتحاد الكرة في كولمبيا الأسبق ونادي أمريكا دي كالي حاليا تصرف في الأمر ذاته عندما سؤل عن الأخوين رودريجز أرخويلا رؤوساء إحدى كبرى عصابات كولومبيا والذين ترأسوا النادي قبل دخولهم السجن الذين يقضون فيه عقوبة حتى 2030.
وعندما بدأ الكلام عنهما تغيرت طبقة صوته وبدأ يقول: "لا لا لا لا أنا كبير في السن كفاية لا أتذكر مثل هذه الأشياء، لا أريد التحدث عن ذلك فأنا لا أتذكر".
الازدهار؟
عام 2014 قدم منتخب كولومبيا الكثير في كأس العالم ليودع بشكل درامي أمام البرازيل صاحبة الأرض من ربع النهائي بعد الخسارة 2-1 ولم تفلح ركلة جزاء رودريجز في فعل شيء أمام هدفي راقصي السامبا لكنه كان إنجازا رائعا لهذا المنتخب الذي عاد للمشاركة المونديالية بعد الغياب منذ 1998.
بعدها بعام توج فريق إندبندنتي سانتا في بلقب كوبا سودا أمريكانا وهي المعادلة للدوري الأوروبي أو كأس الكونفدرالية في أمريكا الجنوبية بعد التغلب على هوركان الأرجنتيني بركلات الترجيح.
العام الجاري وقبل أيام قليلة نجح أتليتكو ناسيونال في التغلب على روساريو الأرجنتيني ليصعد إلى نصف نهائي كوبا ليبارتدورس بعد أن هزمه 3-2 في مجموع المباراتين بفضل هدف في الدقيقة 95 بمباراة شهدت تدخلات عنيفة داخل الملعب وبطاقات حمراء وحتى ألفاظ عنصرية من مدرب الفريق الأرجنتيني تجاه أحد لاعبي ناسيونال.
نعم هي انتصارات بسيطة لكن بطبيعة الحال تعكس صورة عن الكرة في كولومبيا الآن.
تحول الحياة
خوان بابلو أنخيل مهاجم أستون فيلا السابق أحد الشاهدين على التحول الذي حدث في كولومبيا، فهو ولد في مدينة ميدلين وترعرع هناك عندما كانت عاصمة القتل في العالم ولعب هناك وتوج بالدوري مع ناسيونال قبل الانتقال للعب في الأرجنتين ثم أستون فيلا في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية.
يقول أنخيل "الذهاب للديار مرة واحدة في نهاية كل موسم يجعلك ترى الاختلاف الذي يحدث في البلاد، أقصد تحديدا مع تولي ألفارو أوريبي منصب الرئيس خلال الفترة من 2002 وحتى 2010".
وتابع "التغير الذي حدث يجعلك تذهب خارج كولومبيا بفخر لم يكن موجودا من قبل، أنا واثق من أنه كان هناك قوالب ثابتة "Stereotype" عن الكولومبيين لم نعد نسمعها الآن سوى في نشرات الأخبار التي تتحدث عن السياسة والمخدرات والتغيرات الاجتماعية".
الكوكايين وكرة القدم
كولومبيا اعتادت على إنتاج 80% من الكوكايين في العالم، في فترة ما كانت الحياة هناك رخيصة لدرجة أنك يمكنك استئجار شخصا لقتل أحدهم مقابل 75 دولارا فقط، ارتداء الخوذة أثناء ركوب الدراجات البخارية كانت علامة مميزة للمجرمين!
لكن كل هذا تغير الآن، ففي بوجوتا حيث يتواجد فريق ميوناريوس الذي فاز بـ22 لقبا للدوري انخفضت نسبة القتل بـ70%، الأمر ذاته في ميدلين معقل فريق ناسيونال انخفضت بنسبة 80% بالإضافة لبعض التطورات الأخرى في تلك المدن في التعليم والمواصلات وغيرها.
الأمر ذاته في مدينة كالي حيث يتواجد فريقا أمريكا وديبورتيفو أصحاب 22 لقبا.. هذه المدن الكبيرة في كولومبيا والتي تتواجد فيها الأندية الكبرى هناك تورطت بشكل ما مع تجار المخدرات والعصابات هناك في وقت من الأوقات.
لكن هل اختفى مجتمع الناركوس الذين تدخلوا في كرة القدم؟
الصحفي الكولومبي كارلوس أيمان يقول "بالطبع لا، مازالوا متواجدين، لكن بشكل خفي فقط".
..
في الحلقة المقبلة سنتحدث عن تدخل بابلو إسكوبار والأخوين رودريجز أرخويلا المباشر في كرة القدم وكيف توفى أندرياس إسكوبار مدافع كولومبيا بعد هدفه العكسي في كأس العالم 1994.