كتب : محمود عصام
الفائز يملك بقعة الضوء بينما يقبع الخاسرون في الظلام. يملي شروطه على الجميع ولا يختلف خطوة مجددا حتى ولو كان مهاجرا أمازيغيا يملك جبهة تليق بنسب اعتاد أن يستوطن صحراء الجزائر.
"قالها لي أبي عندما لمحني ألعب الكرة في شوارع مارسيليا: المهاجر يجب أن يبذل ضعف الجهد الذي يبذله المواطنون. المهاجر لا يملك رفاهية اليأس".. زيدان.
زيدان: "ما زلت أدين لمارسيليا بكل ما أعرفه عن الكرة. في شوارع مارسيليا التي تعج بالجاليات المختلفة تدرك أهمية كرة القدم. الكرة الحقيقية التي يموت من أجلها البشر. تكسبك الشرف والكبرياء أو تلحق بك العار.. كرة الشارع التي توحد الجميع و تنسيهم همومهم".
لعب زين الدين زيدان كرة القدم بعقل المهاجر الذي اعتاد أن يبذل مجهودا مضاعفا لينجز الأمر، فاستطاع أن يسبق تفكير الجميع بخطوة. لا أحد يريد أن تكون مهمته مراقبة زيدان.
زيزو دوما قريب من الكرة. هل تعتقد أنه سيمر من يسارك؟ حسنا ها هي الكرة بجوار قدمك اليسرى. لقد وقعت في الفخ ومددتها لتلمس الكرة. الكرة الآن تمر من بين أرجلك.
يعتقد زميلك الذي ينتظره من خلفك أنها الآن أقرب إليه، ولكن لا، الكرة دائما اقرب إلى زيزو حتى ولو لمست أطراف أقدام المدافعين. سيدور بجسمه كله حول الكرة في حركة مسجلة بإسمه وحده.
المدافع الآن لا يرى شيئا من العالم سوى ظهر زيدان.
إن كانت الكرة تعرف في الأساس بأنها لعبة استغلال المساحات، فزيدان لا يعترف بتلك المساحات. هو يخلق لنفسه مساحات خاصة وكأنه لا يرى أحدا في الملعب سواه أو سوى من يريد أن يمرر له.
"أحيانا لا أشعر أني لاعب في مباراة كرة قدم, بل أشعر أني انتقلت إلى مكان أخر, حينها أستطيع أن أمرر أو أسجل هدف أو حتي أمر من مراقبي".. زيدان في لقاء صحفي عام 2000.
شكرا زيزو
تنقل صاحب الأصول الجزائرية بين أندية فرنسية صغيرة في طفولته ثم ناديي كان وبوردو حتي حصل على جائزة لاعب العام في 1996، ليبدي نيوكاسل الاهتمام بضمه إلا أن النادي الإنجليزي قرر أنه لا يصلح للعب في دوري الدرجة الأولى الإنجليزي، ليختطفه يوفنتوس في محاولة لتكرار مجد بلاتيني.
أحرز زيدان مع السيدة العجوز لقبي دوري متتاليين ولكنه أمر معتاد في إيطاليا، أمر لن يمكنه من خطف بقعة الضوء من الجميع. عامين متتالين يصل زيدان لنهائي دوري أبطال أوروبا دون أن يفوز بذلك اللقب، ولكن المهاجر مازال ينتظر السباق الذي سيمكنه بعدها من تغيير قواعد السباق.
لا يوجد فرصة لذلك أفضل من كأس العالم. استطاع زيدان برأسه أن يخطف كأس العالم من بين يدي رونالدو البرازيلي لكي تتغير كل القواعد. زيدان أصبح حديث الجميع. أخيرا استطاع المهاجر أن يفوز.
كان يدرك تماما أن تلك اللحظة ستأتي لتضعه في مكانه الصحيح.
قوس النصر الذي أراده نابليون رمزا يخلد انتصارات الجيوش الإمبراطورية رفعت عليه صورة المهاجر صاحب الأصول الجزائرية و كتب عليها "شكرا زيزو".
الأفضل
أصبح زيدان على مسافة بعيدة من أقرب منافسيه كأفضل لاعب في العالم, أصبح الأفضل على الإطلاق, توالت عليه الإشادات من كل حد وصوب. قاد بعدها فرنسا لتحقيق بطولة أوروبا عام 2000 ثم انتقل إلى ريال مدريد عام 2001 ليحرز دوري أبطال أوروبا - التي خسرها مرتين من قبل- بلدغة لا تخرج سوى منه، ثم يقرر أن ينهي مسيرته في كأس العالم 2006.
"أعددت الأمر جيدا اليوم, قميص أبيض كتبت عليه "شكرا يوفنتوس , شكرا ريال مدريد , شكرا فرنسا" وارتديته تحت قميص المنتخب الفرنسي. سأنهي علاقتي بالكره فائزا بسباقي الأخير"،
"الأمر يصبح أصعب أمام الإيطاليين. أعرفهم جيدا. فهم يستميتون على الكرة أكثر من طفل صغير, ركلة الجزاء كانت على طريقه بانينكا من أجل تفادي الفشل، تصطدم بذراع من أصل ثمانية يملكهم أخطبوط فى المرمى اسمه جيانلويجي بوفون, دقائق وسأواجهه مرة أخرى في ركلات الترجيح. كيف سأنفذها هذه المرة؟".
"دوما ما فكرت في المستقبل قبل الجميع، ولكن ماركو ماتيرازي مصمم أن يعيدني إلى حاضره, يشد القميص في إستفزاز إيطالي معتاد, أخبرته أنه إذا كان يريد القميص يستطيع الحصول عليه بعد المباراة إلا انه رد الرد الذي لا أفضله تماما".
"سأحصل عليه من أختك العاهرة".. ماتيراتزي يقتل نهاية زيدان.
"لم أستطع أن أرى أي شيء حولي سوى ماركو يتغير وجهه إلى الكثير من الوجوه. كل الذين تعاملوا معي كمهاجر مستباح. لم أشعر بنفسي وأنا أصيح به من أمامي بذات الرأس التي أحرزت بها كأس العالم من قبل, نفس الرأس ترسل بي خارج السباق للمرة الأخيرة".
ويوم 28 مايو في سان سيرو، يدخل زيدان سباق جديد بضعف الجهد المبذول كالعادة.
المهاجر يريد أن يفوز بالسباق الأول له كمدرب ليعيد حديث العالم عنه مجددا. لن يكفي الأمر الفوز على برشلونة والوصول لنهائي دوري الأبطال بعد غياب ولكن بطولة أوروبا الـ11 ستكون السباق الذي سيضع زيدان في مصاف نجوم المدربين.
قلوب الجميع معه كالعادة، فهل يفعلها المهاجر في طريقه للـ11.