عمر زعزوع

تحليل - كيف فاز رانييري بالدوري

"40 نقطة. لا أستطيع أن أغير مشروعي الآن".. هكذا صرح كلاوديو رانييري لصحيفة جارديان في 27 نوفمبر العام الماضي قبل مباراة ليستر سيتي ضد مانشستر يونايتد.<br>
الثلاثاء، 03 مايو 2016 - 14:50
"40 نقطة. لا أستطيع أن أغير مشروعي الآن".. هكذا صرح كلاوديو رانييري لصحيفة جارديان في 27 نوفمبر العام الماضي قبل مباراة ليستر سيتي ضد مانشستر يونايتد.

"هدفنا هو البقاء في الدوري الممتاز، أن نبقى صامدين. متى سنحقق الـ40 نقطة؟ لا أعلم. من الآن حتى يناير المقبل سنواجه فرقا كبيرة .. فلنر ما سيحدث حينها."

كانت تلك تصريحات المدرب صاحب الـ64 عاما. حينها كان ليستر يتصدر بطولة الدوري بعد 13 جولة، إلا أنه أصر أن هدف الفريق "البقاء" وفقط.

اليوم ليستر بطلا للدوري الإنجليزي الممتاز والسبب الأول هو ذلك المدرب الذي كان هدفه في يوم من الأيام عدم الهبوط للدرجة الثانية.

4-4-1-1 كلاسيك

ليستر قد يعاني بشدة في الحفاظ على نجومه في الصيف، لكن قبل أن نذكر محرز أو فاردي أو كانتي، يجب علينا أن نذكر رانييري - ذلك المدرب الذي له الفضل الأول في ظهور هؤلاء الموهوبين بهذا الشكل.

يلعب الإيطالي بطريقة 4-4-1-1، لكن كما يعلم أي طفل صغير مشجع للكرة أن الطريقة وحدها لا تعني أي شيء، تنفيذ الطريقة هو المهم.

أسلوب لعب رانييري شبيه جدا بأتلتيكو سيميوني، يلعب المدير الفني الأسبق لتشيلسي على "ردة الفعل"..

يتراجع للخلف في شكل بلوك متأخر لإعطاء كامل المساحة والحرية للمنافس لمهاجمته في وسط ملعبه من أجل الانقضاض عليه في المرتدات.

هذا ليس بجديد في الكرة، أو بمعنى أدق، لا يعطي أفضلية لفريق على الآخر، الجديد والمبهر والرائع هو كيفية تنظيم الفريق في الشق الدفاعي، والأكثر في التحول للهجوم في المرتدات.

اللعب بخط دفاع متأخر عند حدود منطقة الجزاء والتراجع إلى داخل المنطقة حينما تقترب الكرة كثيرا كان إجباريا بالنسبة لرانييري لأن فقلبي الدفاع ويس مورجان وروبرت هوث لا يجيدان اللعب سوى في خط دفاع قريب من حارس مرماهم.

لعلك أدركت أن الثنائي بطيء جدا لملاحقة أي مهاجم سريع ينطلق خلفه، وتستطيع إعادة مشاهدة فوز ليستر المبهر 3-1 ضد مانشستر سيتي لترى كيف عانى مورجان مرتين الشوط الأول حينما وجد نفسه في مناطق نصف الملعب..

لم يستطع مورجان سوى ارتكاب خطأ ضد سيرخيو أجويرو في المرتين لينال إنذارا قبل التوجه لغرف خلع الملابس.

الثنائي بطيء؟ نعم، مغامرة كبيرة أن تضغط من الأمام وهم على مسافة كبيرة مرماهم؟ صحيح. لكن طول الجامايكي والألماني الفارع يجعلهما مناسبين جدا للدفاع من داخل الصندوق. الثنائي خلق ليدافع فقط داخل منطقة الجزاء.

لكن هناك من يحميهما، فعندما نذكر أن ليستر منظم بدون كرة، يستحيل أن نتحدث عن فرد أو فردين بعينهم، إنما عن المجموعة ككل.

وهنا يأتي دور ظهيري الجنب فوكس في اليسار وسيمبسون في اليمين.

ليستر "كومباكت"

يلعب رانييري بحيث يجعل فريقه وحدة واحدة أو كومباكت.

يضم الظهيران على قلبي الدفاع ليضيقا المساحات الطولية بينهم، فتتقلص جدا المساحة العرضية التي يتحرك فيها ثنائي قلب الدفاع لإغلاق المناطق المواجهة لمرمى كاسبر شمايكل.

هذا بالطبع معناه أن تنفتح المساحات في أطراف الملعب، فتصبح تلك نقطة ضعف الفريق، وهذا ما سنتحدث عنه لاحقا.

كرة القدم هي لعبة خيارات بوجه عام: إن ضغطت من الأمام، تركت مساحات في الخلف، إن تراجعت للخلف، تركت مساحات في الأمام، إن تمركز لاعبوك جميعا بعمق الملعب، تركوا مساحات على الأطراف، وإن لم يفعلوا، تركوا مساحات فيما بينهم.

وعلى ذكر المساحات بين الخطوط، نذكر ثنائي الوسط كانتي ودرينكووتر.. خطة رانييري كما نعلم ألا يترك فريقه مساحات كبيرة ويظل وحدة واحدة تنكمش وهي تقترب من مرمى فريقها للدفاع.

والفتى الأسمر كانتي (والذي كان مرشحا لجائزة أفضل لاعب بالدوري الإنجليزي) هو نموذج للاعب وسط الميدان الذي يقتطع الكرة ويسلمها للأمام - وليس أدل من ذلك عن كونه أكثر لاعب استرجع الكرة من الخصم في الدوري حتى منتصف مارس الماضي - لكن هناك من يساعده في ذلك.

عبقرية فاردي وأوكازاكي

نتحدث كثيرا عن المساحة بين الوسط والدفاع، وهي المساحة الخطيرة التى يكون فيها دفاع الخصم الحائل الوحيد أمام مرماه، لكن نهمل أهمية المساحة بين الوسط والهجوم؛ المساحة التي يبدأ فيها الخصم هجماته.

وهنا تبرز عبقرية مهاجمي الفريق وأجنحته "محرز" و"أولبرايتون"، ومن قبلهم عبقرية رانييري من فرض عليهم ذلك الالتزام والانضباط الغائب في أغلب الفرق العريقة.

بدون الكرة يضم "فاردي" و"أوكازاكي" على وسط الملعب على الفور، فيصبحان بمثابة لاعبي وسط إضافيين، وهنا فائدتان: الأولى، استحالة وجود أي زيادة عددية لوسط ملعب المنافس (في حالة لعبه بثلاثة لاعبين في تلك المنطقة) أمام كانتي ودرينكووتر.

والثانية، تتقلص المساحة التي يتحرك فيها ثنائي الوسط، فلا يحتاجان للتحرك للأمام حتى يتركا مساحة خلفهما، قد تكشف دفاعهم، فرأسي الحربة يقومان بالواجب.

هذا أحد أهم أسباب تألق كانتي في قطع الكرات، فهو لا يحتاج تغطية مساحة كبيرة .. يلعب في مساحة ضيقة تساعده بشدة على إبراز مهاراته الدفاعية.

لكن ليس فقط رأسي حربة رانييري من يساهمان في ذلك، فالجناحان محرز وأولبرايتون يدخلان لعمق الملعب أيضا في الحالة الدفاعية كظهيري الجنب، مرة أخرى، ليجعلا مهمة كانتي ورفيقه أسهل بكثير.

تحرك ليستر كوحدة

وهنا تظهر براعة رانييري التكتيكية، فحينما تكون الكرة في عمق الملعب، يتمركز الفريق بالكامل في العمق، وحينما تتواجد الكرة في أي من أطراف الملعب، يتحرك لاعبو الجناح الآخر بشكل منظم للداخل .. لترك أقل مساحات بين خطوط الفريق الطولية قد تؤدي لمرماهم.

تلك الروعة التنظيمية لا تجد لها مثيل من بين الكبار سوى في فريق سيميوني؛ تحرك الفريق كوحدة كاملة يمينا ويسارا بذلك التنظيم الرائع شيء مبهج جدا لمشاهدته!

أما عن فاردي وأوكازاكي وأحيانا أولوا بدون الكرة، فالأمر لا يقف عند النزول لوسط الملعب فقط. المعلم رانيري لم يفته أن يضع لكل منهما دوره المرسوم.

يقوم المهاجم الياباني غالبا بمراقبة أحد لاعبي وسط المنافس حتى يمنع بناء الهجمة من عنده، بينما يقوم هداف الفريق فاردي بغلق زوايا التمرير للاعب الوسط الآخر.. كلها مسألة وقت ويقطع ليستر الكرة ويبدأ في ضرب خصمه على المرتدات.

مرتدات رانييري

هل شاهدت هدف "فاردي" في يونايتد في المباراة التي انتهت بالتعادل 1-1؟

هجمة مباشرة جدا بدأت بركنية ليونايتد.. تمريرتان وانتهت بهدف! يبدو الأمر بسيطا للغاية، تلك البساطة التي تجعلك تنبهر أكثر وأكثر بهذا الفريق ومديره الفني.

قاد أولبرايتون الهجمة وتحرك فاردي بسرعته في المساحة إلى الخارج من قلب الدفاع، ليسدد نحو المرمى هدفه الذي ضرب به رقم فان نستلروي القياسي في التسجيل في أكبر عدد من المباريات المتتالية.

غالبا ما يقود محرز المرتدة مستغلا سرعته ومهارته والمساحة المتاحة أمامه، فيتحرك فاردي في الجهة المقابلة إلى الخارج من قلب الدفاع (حتى لا يضع نفسه بين لاعبين) لاستقبال الكرة بشكل قطري والانطلاق نحو المرمى مباشرة.

هذا بالتزامن مع حركة أوكازاكي إلى الخارج من قلب الدفاع الآخر، مما يفتح المساحة في القلب - ولعل هدف محرز الرائع بيمناه ضد سيتي دليل على ذلك.

ومع الوقت، أصبح كانتي ودرينكووتر يتقدمان أيضا في المرتدات بعد أن بدأ رانييري الموسم بنوع من التحفظ حينما كان هدفه مجرد البقاء.

الأطراف نقطة الضعف

نقطة ضعف ليستر بالطبع تكمن في الأطراف الخالية، كما كان واضحا بشدة في انتصار أرسنال عليه بملعب الإمارات.. حينها لم يستطيع الزوار التعامل مع سيل عرضيات المدفعجية، مما أدى لهدف قاتل من رأسية ويلبيك جاء في أعقاب صناعة رأسية من جيرو لـوالكوت.

ينقص ليستر أيضا صانع الألعاب في وسط الملعب قادر على إمداد المهاجمين بالبينيات. تلك مشكلة تظهر عندما يواجه ليستر فريقا متكتلا بالخلف - مثله - فيحتاج فريق رانييري لكرة ثابتة أو ارتفاع مورجان وأولوا لحل عقدة التهديف في تلك المباريات.

لكن، ولعلك لاحظت عزيزي القارئ، أن الحديث عن "سلبيات" هذا الفريق يعتبر لا شيء في ظل تنظيمه وانضباط لاعبيه وروعته.

والأهم، تكتيك مدربه والذي لازال يحير الكثيرين كيف استطاع من لم يفز بدوري مع تشيلسي أو روما أو موناكو أو يوفنتوس أو فالنسيا أن يفوز مع ليستر!

أتمنى أن أكون استطعت إيضاح ولو لقليل كيف تمكن رانييري من فعل ذلك.

لمناقشتي على تويتر.. اضغط هنا