كتب : أحمد العريان
"إن قُدر لي الموت في حلبة السباق، أتمنى أن أموت سريعا ولا أقضي حياتي على كرسي متحرك أو نصف ميت في المستشفى".. آيرتون سينا أسطورة الفورملا وان.
حين خسرت البرازيل نهائي كأس العالم 1950 على أرضها أمام أوروجواي، شهدت البلاد عديد من حالات الانتحار. هكذا حال شعب البرازيلي ينتمي بجوارحه لكل رياضة.
الفقر يعم البلاد والفشل مصير كل المنتخبات، في 1970 فاز منتخب البرازيل بأخر كأس عالم في كرة القدم، أما كوبا أمريكا فلم يفز راقصو السامبا بها منذ 1949. حتى فريق الكرة الطائرة المميز لم يكن قد ظهر على الساحة بعد.
ووسط تلك الحالة يظهر ذلك الرجل الأشقر يرفع علم البرازيل خفاقا. أيرتون سينا لم يكن لاعبا ولكنه كان رمزا للرياضة البرازيلية.
آيرتون سينا هو بطل العالم في سباق السيارات لثلاث مرات في غضون 4 سنوات بين 1989 وحتى 1993، وخلال مسيرته فاز بالمركز الأول في 41 سباقا من أصل 162 شارك فيهم.
يقولون أن ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو أعداء، على الأقل يحاول الإعلام إظهار ذلك، لكن ماذا إن كان الثنائي زميلين في فريقا واحد؟
هكذا كان الحال في أوائل العقد الأخير من القرن الماضي بين أيرتون سينا وألين بروست لكن في سباق السيارات وليس في كرة القدم. الإعلام يظهر عداء الزميلين لبعضهما، وإن لم يكن عدائهما شخصي، فهو بالتأكيد تنافسي على لقب الأفضل في العالم.
حين تعاقدت شركة "ماكلارين" مع الثنائي فكان ذلك بدافع أنهما الأفضل في العالم، ومهمتهما كانت هي فوز أحدهما بالسباق، مع مساعدة الآخر في تعطيل باقي المتسابقين.
نحن الآن في منتصف السباق حين اصطدمت سيارة آيرتون سينا بسيارة منافسه ألين بروست. السيارتان تعطلتان وأصبحا بحاجة لتدخل فريق المهندسين، لكن سينا يرفض ذلك.
بدلا من السماح لهم بإصلاح السيارة، طلب منهم دفعة للأمام ثم أكمل الطريق حتى فاز بالسباق.
الزمان كان في 1989 والحدث هو الجولة النهائية لبطولة العالم في سباق اليابان، حيث يحتاج آيرتون للفوز بالسباق حتى يحرز لقب بطولة العالم، أما بروست فيحتاج لأن لا يكمل سينا السباق حتى النهاية لكي يجمع هو نقاطا أكثر ويفوز باللقب.
آيرتون سينا رأى أن الاصطدام كان متعمدا، أو ربما لم يتعمد زميله في الفريق تعطيله ولكن الأهم هو أن الفوز مرهونا بوصوله إلى خط النهاية ولذلك أصر على إكمال الطريق حتى مع السيارة غير الجاهزة بعد الاصطدام.
فاز آيرتون سينا بالسباق لكن زميله بروست اشتكى إلى اتحاد اللعبة بحجة أن ما قام به سينا ليس قانونيا.
"آيرتون سينا لم يرد الفوز فقط، إنما أراد إثبات أنه أقوى مني، وهذا هو سر ضعفه".. هكذا تحدث ألين بروست عن آيرتون سينا بعد السباق.
شكوى بروست قٌبلت، وبالفعل ألغيت نتائج سينا ليتوج ألين بروست ببطولة العالم، ويتم تغريم أيرتون سينا 100 ألف دولار وتجميد رخصته لستة أشهر.
قرارات الاتحاد الدولي أغضبت أيرتون سينا، فهو لا يأبى لأمنه إن كان ذلك سيعوقه عن الفوز، أو كما يقول "المركز الأول هو هدفي الوحيد، وبعد ذلك قد أتحدت عن أي شئ".
"بدلا من حرماننا من إكمال السباق بحجة احترام مسافته، أدعوكم لتوفير طرق أخرى لتأمين مسارات السباقات". آيرتون سينا يهاجم الاتحاد الدولي لسباق السيارات.
عاد أيرتون سينا من الإيقاف وأقنعه فريقه بالعودة للعبة بعد أن فكر في الاعتزال، وفي العام التالي 1990 وفي نفس السباق كان ألين بروست قد ترك فريق "ماكلارين" وانتقل لفريق "فيراري". الثنائي يتنافسان أيضا على المركز الأول لكن تبدلت الأحوال، فبروست يريد الفوز بالسباق للتتويج بالبطولة، أما سينا فيريد عدم وصول بروست لخط النهاية كي يتوج هو.
ما الذي حدث؟ اللاعبان اصطدما ببعضهما مرة أخرى ويخرجان من السباق! فاز آيرتون سينا هذه المرة بالبطولة.. وفي العام التالي اعترف سينا بأنه تعمد الاصطدام ببروست كي ينتقم منه على ما فعله في العام السابق.
الفوز في الوطن
عام 1991 كان السباق بين اللاعبين على أشده، ولكن الساحة هذه المرة في البرازيل تحديدا وهي وطن أيرتون سينا.
الآلاف تجمعوا هاتفين باسم سينا ومهاجمين بروست. نعم هو بطلهم والآن يحتاج لمساندتهم.
أثناء السباق تهطل الأمطار، وهنا قد يتوقف السباق لسوء الأحوال الجوية على أن يستكمل في اليوم التالي، لكن آيرتون سينا يرفض ذلك ويفضل الاستمرار حتى وإن كلفه ذلك حياته.
سينا حقق الفوز، وحين أرادوا إخراجه من السيارة للاحتفال بالنصر، لم يعد في جسده مكانا سليما، فحتى علم البرازيل وكأس البطولة باتا حملا ثقيلا على كتفيه المنهكين في السباق وسط هذه الأجواء.
ألين بروست اعتزل اللعبة في 1993 وترك منافسه مع متنافسين جدد، لكن آيرتون سينا لم يستمر وحده طويلا.. فالعام نفسه شهد ظهور بطلا جديدا.
مايكل شوماخر، ذلك الاسم الكبير في عالم الفورملا وان بدأ في الظهور على الساحة والفوز بالبطولات، ظهور جعل سينا يتأكد أن اعتزال بروست ليست نهاية المنافسة، ومن هنا قرر تغيير الفريق.
انتقل آيرتون سينا إلى فريق "ويليامز" وسيشارك معهم في سباق "سان مارينو" عام 1994.
السيارات الجديدة متطورة للغاية، أصبح التحكم فيها بالكومبيوتر بشكل كامل، لكن آيرتون سينا لم يخف قلقه من عدم قدرته من السيطرة على السيارة بسبب قلة اتزانها.
في التدريبات، تعرض المتسابق الشاب روبنز باريكليو لحادث بسيارته، وباريكليو كان بمثابة الرجل الذي يعده سينا لخلافته، ولحسن الحظ نجا باريكليو من الموت.
وإن كان حظ باريكليو قد نجا به من الموت، فحظ رولاند راتزنبرجر لم يكن كذلك.
المتسابق الإيطالي تعرض لحادث كبير في التصفيات الأولية للسباق أدى إلى وفاته.
ووسط هذه الأجواء الحزينة كان آيرتون سينا يرفض دخول السباق ويحذر من وقوع حوادث كثيرة هذا الموسم.
فريق "ويليامز" أقنع أيرتون سينا بدخول السباق، وأكدوا له أنه فقط حزين على راتزنبرجر لكن السيارة جيدة ولا داع للقلق.
وفور دخوله إلى السباق الذي حسمه في النهاية مايكل شوماخر النجم الشاب حينها، يتعرض سينا لحادث بعد ثلث ساعة فقط أدى إلى وفاته.
وفاة آيرتون سينا لم تكن حدثا عاديا، البرازيل كلها خرجت تودع بطلها.
هناك على شواطئ ساو باولو في البرازيل حيث ولد آيرتون سينا وتم دفنه، كان هناك طفلا في الثانية عشر من عمره يبكي على رحيله.
وبعد شهرين من وفاة سينا في 1 مايو 1994، تسلح المنتخب البرازيلي لكرة القدم بروح سينا الانتصارية ليحققوا بطولة كأس العالم أخيرا بعد 20 سنة من الغياب.
أما ذلك الطفل الذي بكى رحيل سينا، فحين كبر اعترف بذلك في مؤتمرا صحفيا مؤكدا أنه كان ملهم طفولته.. إنه كاكا نجم البرازيل الذي حصل معهم على كأس العالم 2002 وكأس القارات 2005 و2009.
وفاة أيرتون سينا كان لها صدى في لعبته أيضا، فبعد وفاته تولى شقيقه ملف إعادة هيكلة المنظومة الأمنية للعبة سباق السيارات بالكامل، وبفضل هذا التغير لم يحدث أي حادث سيارات في تلك اللعبة إلى أن تم فتح الملف مرة أخرى في صيف عام 2015.
وحدث ذلك بعد وفاة سائق شاب يدعى جوليس بيانكي، تعرض لحادث في أحد السباقات ودخل في سكتة دماغية قبل أن يتوفى بعدها بعدة أشهر، ليبدأ الرياضيون فتح ملف التأمين مرة أخرى مع مطالبات بتوفير حماية أكبر لرأس السائق.
المنظمة الخيرية
في البرازيل لم تكن وفاة آيرتون سينا نهاية استفادة الشعب البرازيلي منه، فأسطورة سباق السيارات قبل وفاته أسس منظمة خيرية لمساعدة أطفال دولته، وبفضل تلك المنظمة، تعلم 15 مليون طفلا برازيليا يعيشون تحت خط الفقر.
وبفعل كل إنجازات آيرتون تلك، كان تكريمه بصناعة فيلم سينمائي عن حياته، وفي ذلك الفيلم كان أكثر المشاركون فيه هو تحديدا أشد منافسينه ألين بروست.
بروست قال تعقيبا على الفيلم "تنافسي مع سينا كان رياضيا، أما علاقتي به وحقيقة شخصيته فليست كما أظهرها الفيلم تماما، لكني سأحتفظ بها لنفسي لتدفن معي ومع سينا".
المصادر التي استعنا بها في التقرير
- فيلم آيرتون سينا
- مواقع أجنبية نشرت عن آيرتون سينا
صفحة آيرتون سينا على ويكيبيديا