في الحقيقة هذه مقدمة مقتبسة من مقال سابق لي بعنوان (ربيع الفاتح أم الفاشل؟) بعدما فشل ربيع ياسين في التأهل للدور التالي لكأس العالم للشباب 2013 بهذا الجيل الذي ودع بطولة إفريقيا المؤهلة لأولمبياد ريو دي جانيرو بما أصفه بالفضيحة.
هذا المنتخب الذي كان يقوده ربيع ياسين وفشل في التأهل حتى كأفضل ثوالث في مجموعة تضم العراق وتشيلي وإنجلترا.. رغم أن المدرب خرج وكأنه الأحق بتدريب المنتخب الأولمبي ونسى الإخفاق الذي صنعه قبل عامين.. عموما ليس موضوعنا.
عندما تولى حسام البدري مسؤولية المنتخب الأولمبي خرج يصرح قائلا: "المدربون الأفضل في العالم هم من يتولون قيادة هذه المرحلة العمرية في أي دولة".. أتفق معه تماما لكن ما علاقته بهذا؟!
- تصريح البدري في بداية مهمته يوحي بأنه يعلم كيف يتعامل مع هذه العقليات من لاعبي مصر في هذا السن المندفع الذي يشعر بنجومية مبكرة فيحدث له خلل نفسي يؤثر على مستواه.
تقول دراسة عبر جامعة (سانت فنسنت) في سيدني أن إحساس الشهرة المبكرة لنجوم الكرة ليس فقط يؤثر على مستواهم. بل على صحتهم وأعمارهم -لا قدر الله-.
فهل كان البدري مديرا فنيا برتبة طبيب نفسي؟ بالتأكيد لا.
- عرض الأهلي على حسام البدري أن يعود لقيادته بعد مباراة المغرب التطواني ووافق على ذلك وأعلن رغبته بل واجتمع بمسؤوليه، لكن اتحاد الكرة رفض مما جعله يستمر في مهمته.
فهل يصح أن يكون مشروع بناء جيل سيخوض حلم المونديال في 2018 في يد مدرب يظل خياره الأول فريق آخر؟ يبدو أن الافتقار للتركيز لم يكن سمة اللاعبين فقط.
- بعض المقربين من رحلة مصر في السنغال يؤكدون أن البدري تعامل مع اللاعبين متخدما سلاح "التكشير والتعنيف والصوت العالي".. وهذا أمر نعرفه كثيرا عن صاحب الوجه العابس.
فهل هذا الحل الأمثل لفرض شخصيتك وتكون مرعبا بالنسبة للاعبين لم يبلغوا 23 عاما؟ بالطبع لا
- تأهلت مصر بقيادة البدري إلى بطولة الأمم الإفريقية تحت 23 عاما، لكن رفض المدرب خوض منافسات البطولة وفقا لما أكده عصام عبد الفتاح عضو مجلس إدارة اتحاد الكرة.. فاعتذرنا عن خوض بطولة كانت ستكون إعداد طيب.
الاعتذار كان بسبب عدم إرهاق اللاعبين بحسب وجهة نظر البدري على الرغم من أنه خاض أكثر من مباراة ودية. منهم أثنين مع نفس المنتخب، الكاميرون!
كان يمكنك أن تعلم أين مستواك من منتخبات إفريقيا، وإلى أين وصلت الكرة في القارة السمراء بهذه المرحلة العمرية. لكن قرار البدري حرمنا من ذلك.
- التصريحات التي خرجت من لاعبي مصر "سنعود بالكأس".. "نحن نركز جيدا، بغض النظر عن المزاح الآن.. لكننا في قمة تركيزنا ليس فقط للتأهل للأولمبياد ولكن للعودة بالكأس". تخطت مرحلة الطموح والقتال من أجل الهدف إلى ثقة مبالغ فيها.
الثقة التي لم تتحول إلى دافع يجعلك تقاتل من أجل الفوز.. ويكفي أن دوافع فريق ودع البطولة وتأكد خروجه يبحث عن تمثيل مشرف ظهرت أقوى من دوافع منتخب يبحث عن التأهل لحلم الأولمبياد.
قال البدري قبل البطولة: "لالا مش عايزين نربط بين دوافع المنتخب ولاعيبته وحضور كوبر.. هو عايز يجي يتفرج هو حر لكن لا دافع ولا الكلام العاطفي اللي ممكن يضغط اللاعيبة بتاع الإعلام دا".
كانت هذه تصريحاته حول تفكير هيكتور كوبر في السفر للسنغال لمساندة المنتخب مما أزعج البدري خوفا من قلة تركيز لاعبيه.. لكن وجود مراسل قناة مع البعثة بداية من الطائرة ومرورا بالفندق لغرف الملابس. هذا لن يؤثر عليهم يا كابتن؟
- "المنتخب سافر للسنغال بدون اللاعبين المحترفين".. ليكن في علمك أن المحترفين هما أحمد حسن كوكا وعمرو وردة فقط في ظل إصابة تريزيجيه.. لكن هل تعلم أن نيجيريا ومالي والجزائر يملكون نجوما صغيرة في الدوري الإنجليزي والفرنسي. والحمد لله أنهم لم يحضروا!
- ما قاله جمال علام رئيس اتحاد الكرة أن منتخب مصر لعب شوطا واحدا في ثلاث مباريات، ويقصد مباراة نيجيريا التي حول فيها المنتخب الأولمبي تأخره بهدفين لتعادل 2-2 وسيطر على كل مجرياتها هو حقيقة.
وهذا ما جعل رفيق صيفي المحلل الجزائري الشهير يقول: "طالما أنك لعبت جيدا في آخر مباراة بتشكيل مُعين وأجريت تغييرات ناجحة.. فلماذا لا تواصل معهم الثقة التي وصلت إليهم؟"
قواعد الكرة ثابتة وبسيطة.. لا يشارك لاعبا ليس أساسيا مع ناديه إلا إن كان نجما وخاض معك أكثر من مباراة ودية ليستعيد مستواه.. وأيضا "اللي تكسب به إلعب به" كما يقول محمود بكر، فلماذا أردت البدء بعناصر أخجلتك في المباراتين الأولى والثانية.
استبعدت قبل البطولة شكري نجيب أحد أبرز مهاجمي هذا المنتخب.. وبدأت بحسين رجب الذي لم يصوب كرة واحدة صحيحة في البطولة، بدلا من محمد سالم الذي أنت نفسك أشركته في المباريات الودية وسجل أكثر من مرة.
لم تشرك مصطفى فتحي الذي يعلم الكل تأثيره عندما يدخل.. وأردت إثبات قاعدة أنه لاعب الثلث ساعة الأخيرة فقط!
أيضا كريم ممدوح كلما اشترك أظهر قدرات رائعة لم يدفع به البدري أساسيا على الرغم من سوء حالة محمود كهربا باستثناء مواجهة نيجيريا ورمضان صبحي وكريم نيدفيد.. إذن لماذا التأليف؟
تلك هي الخطايا التي قام بها البدري في مهمته البائسة مع منتخب مصر الأولمبي.. قد تسفر عن وفاة جيل كنّا نتوسم فيه الخير يحتاج فقط لرأس تعلم كيف تستفيد منه.
سيرحل البدري وينتظر عرضا من أحد فرق الدوري المصري.. وستمر الأيام، وندخل تصفيات الأولمبياد 2020.. ونحن نمني النفس بألا نشاهد منتخبات لا نشجعها في العُرس العالمي.
يا مسؤولي اتحاد الكرة.. اختيار مدربي منتخبات الشباب والناشئين لا يأتي هكذا.. هناك معايير في القدرة على التعامل مع هذه الفئة العمرية.
فمنتخب الناشئين والشباب سبق الأولمبي وفشلا في التأهل لمونديال الشباب تحت 17 و20 عاما.
ولا عيبا في الاستعانة بمدربين أجانب لهذه الفئات العمرية لأنها الأهم إن لم يتوافر محليا من هو قادر على قيادتهم.
أعتقد أن البدري لو تم سؤاله الآن هل توافق على تدريب منتخب الشباب مثلا.. سيرفض! إذن فالأمر كان مجرد تجربة.. "مش يمكن لما أجرب أطلع بعرف؟"
كان التأهل للأولمبياد حلما.. لكنه تحول إلى كابوس.