ولماذا كانت كل هذه الضجة حول رجل عادي؟ لماذا أقامت جماهير ليفربول الأفراح بقدوم "رجل عادي" لتدريب الفريق؟ بالتأكيد لأنه ليس عادياً بالمرة..
أقل من ستين يوماً احتاجها يورجن كلوب لينشر الفرحة والسعادة والثقة بين جماهير الريدز.. أقل من شهرين تحولت فيهم مباريات ليفربول من مصدر للقلق والإزعاج و"حرقة الدم" لجماهيره إلى 90 دقيقة من المتعة والسعادة.. أياً كانت النتيجة..
"أرجوكم امنحوني الوقت.. ربما يكون هذا يوماً خاصاً للغاية فيما بعد، فقط لو تحلينا ببعض الصبر.. حين أجلس هنا بعد أربعة سنوات سنكون قد فزنا بلقب.. لو لم يحدث هذا فستكون محطتي التالية هي سويسرا"..
لا يمل كلوب السخرية حتى من نفسه.. لكنه هذه المرة لم يكن ساخراً.. طلب من جمهور ليفربول بعض الوقت، ومنحه الجمهور ذلك عن طيب خاطر.. لكنه هو الذي لم ينتظر..
لم ينتظر سوى أقل من ستين يوماً ليعيد الابتسامة لمدرجات أنفيلد وللملايين من محبي الريدز حول العالم.. والأهم أنه بدأ يعيد شيئاً مفقوداً منذ سنوات طويلة.. الأمل..
لم يخف كلوب رغبته في تدريب ليفربول منذ أن قرر الرحيل عن بروسيا دورتموند.. قالها بوضوح أنه يحتاج للراحة لمدة عام كامل.. وأنه ملتزم بهذا القرار ولن يقطعه إلا في حالة واحدة.. أن يطلبه ليفربول لتدريبه.. وهو ما حدث..
"الآن أنا هنا، لذا يمكنني القول بأنني رجل محظوظ.. أنا لست حالماً لكنني رومانسي فيما يتعلق بكرة القدم، وأحب هذا الأمر.. وأنفيلد هو أحد أكثر الأماكن رومانسية في كرة القدم"..
ربما هذا هو الوصف الأمثل لما حدث.. لديك نادي رومانسي بكل معاني الكلمة.. هو أقرب للعائلة في علاقة لاعبيه وجماهيره به منه إلى نادي إحترافي.. عائلة افتقدت في السنوات الأخيرة روح المنافسة والبطولة.. فكان الحل في استقدام مدرب لا يقل رومانسية عن النادي وجماهيره.. ربما يزيد عنها جنوناً أيضاً..
جنون يجعله متفرداً، رغم أنه يعتبر نفسه مجرد "رجل عادي".. يجعله مختلفاً حتى عن كل منافسيه في انجلترا..
"أرسين فينجر يحب إمتلاك الكرة وتمريرها كثيراً.. الأمر يبدو وكأنه أوركسترا تعزف أغنية صامتة.. أنا أحب أغاني الـ Heavy Metal"..
ويبدو أن أسلوب الـ Heavy Metal أصبح يناسب ليفربول.. الفريق فاز على تشيلسي بملعبه بثلاثية.. هزم مانشستر سيتي بملعبه برباعية.. تفوق على ساوثامبتون بملعبه بسداسية.. أصبح يعود من تأخره في المباريات بسلاسة..
أصبح لاعبو ليفربول ينتظرون أحضان كلوب التشجيعية عقب كل مباراة.. لاعبون كانوا في ثلاجة الفريق عادوا ليتألقوا معه.. إصابات متتالية لم تؤثر لأن "الرجل العادي" اعتبر أن كل الموجودين سواء.. وضع كل شيء في مكانه وانتظر أن تعمل الآلة بنجاح.. وعملت..
كان يعرف جيداً التاريخ الذي يملكه الفريق.. والحاضر الذي يعيشه.. والأمل الذي غاب عن جماهيره..
"التاريخ هو مجرد قاعدة بالنسبة لنا.. ليس مسموحاً للاعبين أن يضعوا التاريخ في حقائبهم.. لا تقارنوني بالمدربين العظام الذين مروا على هذا النادي في الماضي.. لنبدأ معاً بداية جديدة.. هذه هي اللحظة المثالية للقيام بذلك.. سيشعر اللاعبون بالتغيير منذ الآن.. علينا أن نتحول من فريق يشعر بالشك لفريق يتحلى بالإيمان"..
وهذا بالضبط ما حدث في أقل من ستين يوماً.. أصبح كل من يرتبط بليفربول يتحلى بالإيمان.. ينتظر مباريات الريدز ليستمتع..
أصبح كلوب نفسه حالة يعيشها جمهور ليفربول، ويحبها.. ينتظر حواراته قبل وبعد المباراة.. يبتسم مع ابتسامته.. يعترض مع احتجاجه على الحكم.. يضحك مع احتفالاته بالأهداف.. أصبح كلوب هو البطل الأول للعرض المنتظر.. أصبح هو "روح أنفيلد".. بطلاً وقائداً غاب منذ رحيل ستيفن جيرارد، فقط لتجد الجماهير بطلاً جديداً خارج الخطوط هذه المرة..
"يمكنك التحدث كثيراً عن الروح.. أنا أفضل أن أعيشها بدلاً من التحدث عنها"..