كتب : أحمد مصطفى
- مفاوضات الريال وبرلسكوني:
تفاوض معي ريال مدريد حين زرت مع نابولي ملعب سانتياجو برنابيو لخوض مباراة في دوري الأبطال عام 1987.
برلسكوني ايضا تفاوض معي من أجل الانتقال لميلان، لكنني كنت مقتنعا بإستحالة اللعب لفريق إيطالي آخر بخلاف نابولي.
كنت معجبا ببرلسكوني، يبدو رجلا أنيقا، لكنني أخبرته بأنني سأتعرض للقتل لو رحلت عن نابولي.
برلسكوني عرض عليّ مبالغ خرافية، ووعدني بشراء مسكن في أفخم منطقة في إيطاليا، وإهدائي أي سيارة أريدها..لامبورجيني، فيراري، رولز رويس.
لكن لم يكن بإمكاني القبول، مشجعو نابولي كانوا سيخربون ممتلكات برلسكوني، وسيقتلوني.
نابولي جدد عقدي حتى 1993 ، حصلت على ثلاثة أضعاف ما كنت أربحه في البداية، 5 ملايين دولار في العام، بخلاف الاعلانات وعقود الدعاية، واشتروا لي سيارة فيراري لم يكن يملكها أي شخص في العالم.
لا أعرف كيف كان سيكون مشواري مع ميلان، هل كنت سأكون لاعبا أفضل أم أسوأ؟، لكن ما أنا متأكد منه أن جمهور نابولي كان يفدي حياته من أجلي.
لم أكن قادرا حتى على الخروج من منزلي الى ناصية الشارع، كان المعجبون في انتظاري دائما، أحدهم قال لي انه يحبني أكثر من أبنائه.
زوجتي كلاوديا كانت تشتري لي الملابس، لم يكن بإمكاني الخروج للتسوق بنفسي.
- رفضت 100 مليون دولار:
في تلك الفترة أجرت شركة تدعى (انترناشيونال مانجمينت جروب) استطلاعا حول أشهر شخصية في العالم، وحصلت أنا على المركز الأول، كانت الجائزة 100 مليون دولار، لكن كان الشرط الوحيد أن أنال الجنسية الأمريكية الى جانب الأرجنتينية.
رفضت العرض، أنا أرجنتيني وهذا لا يقدر بثمن.
حتى هنري كيسنجر (وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق) تدخل لإقناعي بالجنسية المزدوجة، لكنني تمسكت بقراري ورفضت.
الناس يتحدثون عن المبالغ الطائلة التي يحصل عليها لاعبو الكرة، لكن هل فكر أحدهم في تحمل آلام دخول مسمار بعمق 10 سنتيمترات داخل ساقه، داخل الكاحل أو الركبة؟..كنت أبكي من الإصابات.
- علاقتي بالمافيا:
اعتبر موسم 87-88 من أفضل مواسم مسيرتي، كنت مثل الرصاصة، فزت بهداف الدوري، سجلت في 6 مباريات متتالية، لم يفعل ذلك أحد من قبل في إيطاليا قبل زمن بعيد، كنا متقدمين في الصدارة بفارق مريح، ثم حدثت أمور غريبة فجأة.
تدهورت النتائج بشكل سريع، حصلنا على نقطة واحدة في 5 مباريات متتالية، خسرنا امام يوفنتوس وميلان وفيورنتينا وسامبدوريا، ومن ثم خسرنا اللقب، واكتفينا بالوصافة خلف ميلان.
كان هذا كفيلا بتوجيه الاتهامات لي ولنابولي بأننا بعنا البطولة، وأننا تنازلنا عنها بمحض إرادتنا من أجل أموال المراهنات ومافيا لاكامورا.
لم أقبل تلك الاتهامات، كنت على وشك الرحيل، شخص ما أمه عاهرة حاول الاعتداء عليّ بالضرب بسبب تلك الاتهامات.
رفضت الهروب وقررت المواجهة.
في خضم الاتهامات شاركت في مباراة اعتزال بلاتيني بعد انتهاء الموسم، رغم أنني كنت ميتا من الإرهاق، لكنه اتصل على هاتف منزلي 15 مرة في يوم واحد لإقناعي بالحضور.
الاتهامات كانت بشعة، لدرجة أنهم شككوا ايضا في جدارتنا بالفوز بالدوري في الموسم السابق، وأننا اشترينا اللقب التاريخي.
الخسارة حدثت لأسباب كروية بحتة، بذلنا جهدا كبيرا طوال الموسم وانهرنا بدنيا في آخر مباريات.
المدرب بيانكي ايضا يتحمل المسؤولية، الخلافات معه كادت تصل لدرجة الاشتباك بالأيدي، ورغم مطالبة اللاعبين برحيله، قام النادي بمكافأته وتجديد عقده.
- مشاجرة مع رئيس نابولي:
شعرت بأنني تعرضت لضربة في خصيتيّ حين نسبت الإدارة للمدرب بيانكي الفضل في إنجازات الفريق.. أهكذا نسيتم كل شيء بسرعة؟ أنا وصلت قبله، نابولي كان يصارع على الهبوط قبل أن أصل أنا.
تشاجرت مع الرئيس فرلاينو.
قلت له: هل نسيت ماذا فعلت أنا؟ من الذي أمرك بإحضار لاعبين بالإسم والاستغناء عن لاعبين آخرين؟ أنا.
اكتشفت أن الطريقة الوحيدة للخروج من نابولي هي الاستمرار في نابولي، وبذل قصارى الجهد.
بدأنا موسم 88-89 بعد أن قضيت عطلتي في الأرجنتين وأنا في قمة غضبي.
أتذكر جيدا مباراتين في هذا الموسم، فزنا على يوفنتوس 5-3 في تورينو، وعلى ميلان 4-1 في سان سيرو..هل يمكنك أن تتخيل مدى فرحة أنصار نابولي؟؟ سجلنا 9 أهداف في مباراتين بمعقل الأعداء.
- الرحيل عن نابولي = الموت:
بالتزامن مع ذلك بدأنا مسيرة في الدوري الأوروبي، كنت سأموت من أجل لقب قاري، اللعنة، هذا ما ينقصني.
تفكيري كان التتويج بلقب أوروبي ثم الرحيل عن نابولي.
فكرت في القيام بأعمال خير لترك ذكرى جيدة بين سكان المدينة، ارتديت زي مهرج وذهبت للسيرك لإسعاد الأطفال وشاركت في حملات لليونيسيف.
ظهر رئيس نادي أوليمبيك مارسيليا، وعدني بتنفيذ أي طلب.
قال لي: سأدفع ضعف ما تحصل عليه في نابولي.
فكرت في أن مستقبلي مع عائلتي سيكون هادئا وسعيدا في فرنسا، لكن في كل مرة اكتشف أن مصيري معلق بنابولي، سكانها يقيدوني بسلاسل.
استشعر الرئيس فيرليانو ذلك، فاجتمع بي قبل مواجهة بايرن ميونخ في نصف نهائي كأس الويفا، ووعدني بأنه سيسمح لي بالرحيل عن نابولي في حال فزنا باللقب الأوروبي.
رقصت في الملعب فرحا بهذا الوعد، لم أكن أريد أن أجرح مشاعر أهل نابولي الذين يعشقونني لدرجة الموت، لكنني كنت أريد المغادرة.
تفوقنا على بايرن، وفي النهائي انتصرنا على مواطنه شتوتجارت، كان يلعب له كلينسمان..أصبح اسم نابولي في سجلات أوروبا، هل يمكن تصديق ذلك؟.
فزنا في الذهاب 2-1 بملعبنا، وتعادلنا 3-3 في الإياب، حققنا اللقب في ملعب شتوتجارت.
خدعني فيرليانو.
كنت أحمل الكأس في الملعب وأركض فرحا، فاقترب مني فيرليانو، وقال لي: سنكمل العقد يا مارادونا، لدينا الكثير لنفعله سويا.\
(كنت أريد تحطيم الكأس على رأسه).
قلت له: أنا وفيت بوعدي، يجب أن توفي بوعدك أنت ايضا.
أجاب: قلت ذلك فقط لتحفيزك، لن أبيعك.
ثم بدأت الحرب..لم أغفر لفيرليانو أبدا.
بدأنا موسما جديدا، تعرضت لإصابات موجعة، اخترقت المسامير أقدامي، لكنني كنت أملك دوما رغبة اللعب والانتصار، كنت ألعب تحت تأثير الحقن.
- رئيس نابولي ناكر الجميل:
في مباراة امام بيزا تعرضت زوجتي كلاوديا وإبنتي دالميتا للسباب.
لم أعد أحتمل، حين نفوز ينسب الفضل للمدرب، وحين نخسر مارادونا يتحمل الذنب..هل نسوا الفوز بالكالتشو بعد 60 عاما؟ الفوز بكأس إيطاليا؟ بكأس الويفا.. أول ألقابهم في أوروبا؟ الفوز بالسوبر مرتين؟ نسوا أنهم اشتروني بـ10 ملايين دولار لكني جعلتهم يربحون 100 مليون دولار؟
هناك أشخاص يعتقدون حتى الآن أن المدرب سبب الفوز، هذا خطأ، المدرب يضع خطة، واللاعبون هم من ينفذون، لا توجد خطة بدون لاعبين..لماذا لم ينجح بيانكي في فرق أخرى لا أتواجد أنا بها؟.
- مارادونا تاجر مخدرات؟؟
تجدد الحديث عن علاقتي بالمافيا والمخدرات.
نُشرت صور لي مع زعيم إحدى العصابات، لا أنكرها، لكن بيننا كانت علاقة عمل، لم أتعرض للإذلال يوما من أحد.
اعترف بأن الأمر كان مريبا ومثيرا للشكوك، كنت أقبل ببعض الهدايا منهم مثل الساعات، لكن لم أرى جريمة في ذلك.
تطور الأمر وأهدوني سيارات فارهة، ماذا كنت سأقول؟ كنت أشكرهم على الهدايا والتقط معهم الصور..نحن الأرجنتينيون لا نعرف شيئا عن المافيا.
قالوا أنني أتاجر معهم في المخدرات، وأنقلها من بوينوس أيرس.. وأين كانت الشرطة من كل هذا إذا؟ ما هذا الجنون.
امام كل تلك الاتهامات كنت أقاوم بجرأة وشجاعة، طلبوا أن أخضع لفحوص للمخدرات.
نعم تناولت كوكايين، لكن هذا لم يؤثر على أدائي في الملعب، الكوكايين يجعلك ضعيفا وخاملا وفاقدا للرغبة في فعل أي نشاط، لكني على العكس كنت أصنع المجد.
- معجزة الدوري الثاني:
تحملت الآلام مجددا، وقدمت أفضل ما لديّ في الملعب، وسط كل الاتهامات لي بالتورط مع المافيا وتعاطي المخدرات لم يكرهني جمهور نابولي أبدا، لكن فيرلاينو لم يدافع عني أبدا، كنت أريد الانتقام منه.
وماذا بعد كل تلك الاتهامات؟ كيف كان ردي؟
كررنا المعجزة بموسم 89-90 وفزنا بالدوري على حساب ميلان، رغم أننا بدأنا الموسم بشكل سيء.
أول شيء فعلته بعد التتويج باللقب تحدثت الى والدي هاتفيا، وبكينا بشدة، تذكرت كيف كان يدعمني حين كان يصفوني بالمجرم.
- مونديال 90 نهاية قصة نابولي:
الضغط تزايد والكراهية تضاعفت ضدي.
كنت عائدا من مونديال 1990 ، كنا السبب في خروج إيطاليا المضيفة، شمتوا بي بعد خسارة النهائي امام ألمانيا.
ظهرت في برنامج تلفزيوني، قلت "لماذا يكرهونني في إيطاليا؟ حين وصلت الى نابولي كان الجميع يحبونني، لأن نابولي ليس في دائرة المنافسة، لكن بعد أن تحول لفريق قوي وبطل أصبحت مكروها، منذ وصولي وخلال 5 أعوام فزنا بالدوري مرتين، وبالكأس وببطولة أوروبا وبالسوبر مرتين، وزادت الكراهية بعد المونديال".
اتهامات جديدة..مارادونا يسهر في الملاهي الليلية..هذا لا يسبب ضررا لأحد، ذهبنا لنرقص في كازينو ليلة مباراة يوفنتوس، وفي يوم المباراة فزنا بخمسة أهداف.
انتقدوني لأنني أتدرب في منزلي!! ما الضرر في ذلك؟ كنت معتادا على التدرب في مرآب السيارات، هذه عاداتي ولا أريد تغييرها.
مباراتنا في كأس العالم امام إيطاليا كانت في نابولي، أرادوا أن تكرهني نابولي، فقط في هذا اليوم تذكر الإيطاليون أن نابولي جزءا من إيطاليا وتوجد على خريطتهم.
لكن هذا لم يحدث..لم يكرهوني أبدا.
فزنا بركلات الترجيح، سجلت الركلة الأخيرة، سمعت بأذني احتفالا بهدفي وسط مدرجات الإيطاليين، لم يكن الصوت صادرا من مشجعي الأرجنتين، بالكاد كان يوجد عدد ضئيل من الأرجنتينيين بالملعب، كان الاحتفال صادرا من مشجعي نابولي.
لكن نابولي لم تعد نابولي بالنسبة لي بعد المونديال.
سجلت هدفي الأخير امام سامبدوريا يوم 24 مارس 1991 ، حزمت حقائبي للرحيل، لكني رحلت كالمجرمين.