ما مدى ارتباط قوة المنافسة في أي دوري أوروبي كبير بإفراز أندية تستطيع النجاح على الصعيد القاري؟
ريال مدريد الذي يبدو أنه لا يواجه منافسة حقيقية في بطولة الليجا – سوى من غريمه التقليدي وأتليتيكو حديثا - هو حامل لقب دوري الأبطال.
في حين أن دوري مشهود له بشدة المنافسة كالدوري الإنجليزي خرجت كل أنديته من الدورالـ16 للبطولة الأوروبية هذا الموسم.
من هنا بدأت الاجتهادات لتفسر السبب وراء ذلك. هناك من قال إن بطولة محلية أقوى معناها ضغط عصبي أكثر على اللاعبين ومعدل إصابات أعلى، وبالتالي يصبح فشل الأندية الإنجليزية - أو تعثرها - أوروبيا نتيجة منطقية.
وهناك من تطرق إلى أن اللعب في إجازة الكريسماس أحد الأسباب وراء تراجع الأندية الإنجليزية قارياً! بعكس الحال في البلاد الأخرى التي توقف المسابقة المحلية لتمنح لاعبيها إجازة في ذلك الوقت من نهاية كل عام.
وهناك من بسط الأمر كثيراً، بسطه كثيرا للغاية حقيقة، وأعاده إلى أن إمكانيات ريال وبرشلونة مادياً هي التي تعطي لهم أفضلية على نظرائهم الإنجليز.
لن أرد على الرأي الأخير بطبيعة الحال، فصاحبه لا يعلم غالباً إن مانشستر يونايتد ثاني أغنى ناد بالعالم و أن هناك 20 نادي إنجليزي من ضمن أغنى أربعين ناد وفق إحصاء دخول الأندية لعام 2015.
للأسف أن حتى أكثر التفسيرات منطقيةً - التفسير الأول - ليس دقيقاً للغاية، لأنه في خلال ثلاثة مواسم ابتداءً من 2006-07 وانتهاءً بـ2008-09 كان نصيب إنجلترا تسع مقاعد من أصل 12 في نصف نهائي الثلاث نسخ من دوري الأبطال.
و حسب ما أتذكر كان "البريميير ليج" أقوى دوري أوروبي في تلك الفترة التي ظهرت فيها الأندية الإنجليزية في نهائي البطولة القارية أربع مرات متتالية - استطاعت أن تفوز بها مرتين على يد ليفربول 2005 و يونايتد 2008.
الأمر حقيقةً يتعلق بما طرأ من جديد على طريقة اللعب بوجه عام في إنجلترا وكيف أن ساهم هذا التغيير في إعطاء أفضلية أكبر لنظرائهم الاسبان والألمان.
مانسيني وعودة اللاعب النمرة 10
ظلت الأندية الإنجليزية تلعب طويلاً بطريقة لعب واحدة؛ 4-4-2 flat طوال العقد الأول من الألفينات.
ولكن حدث تغيير ما في إنجلترا تزامن مع قدوم روبرتو مانسيني إلى مانشستر سيتي ونوعية اللاعبين التي أتى بها إلى النادي مدعوماً بالقوة الشرائية لمالك النادي الجديد منذ سبتمبر 2008.
ظل أهم ما يميز طريقة لعب الأندية الإنجليزية طوال عقد كامل تقريبا هي القوة والسرعة والسرعة والسرعة. تهاجم بسرعة وتعود للدفاع لتنفيذ المرتدة بأقصى سرعة.
وهنا كانت للأندية الإنجليزية أفضلية ما بطريقة لعب مختلفة عن نظرائهم في أسبانيا، و الذين كانت النواحي الفنية و المهارية سمة أساسية لهم.
يتفوق الإنجليز في السرعة والقوة ويتفوق الأسبان في المهارة، ولذلك رأينا تواجد قوي لأندية تلك البلدين في نهائيات دوري الأبطال في فترة الألفينات.
كل ذلك بدأ في الانتهاء للأسف مع تولي نظام جديد إدارة مانشستر سيتي، ليأتي بمدرب ليطبق فكرا جديدا و طريقة لعب جديدة لتسير خلفه بقية الأندية الكبار فيما بعد.
بعدما فشل سيتي في التأهل لدوري الأبطال في موسم 2009-10 ليمنح توتنام بطاقة التأهل، حدث التغيير الأكبر في الصيف التالي حين صرف مالك النادي ما يقرب من 116 إسترليني في صفقات جديدة.
تلك الصفقات التي غيرت البطولة بأكملها، فقدم يايا توريه وماريو بلوتيللي و ديفيد سيلفا، وخصوصاً سيلفا الذي بمجيئه غير من نوعية وسط الملعب المهاجمين المعتاد عليهم في إنجلترا.
لم يكن الإسباني الدولي جناحاً سريعاً كرونالدو أو جيجز أو بيريز، كان ببساطة "لاعب نمرة 10" في وقت حظرت فيه طويلاً الـ-4-4-2 تواجد أي أحد من ذلك المركز.
جاء لاعب فالنسيا السابق ليغير 4-4-2 ويفسح المجال ل-4-2-3-1 (متزامنا مع كأس العالم 2010 و التي برزت فيه الطريقة بشدة)، وبالتبعية بدأت الأندية الكبار في إنجلترا تحذو هذا الحذو.
فبعد قدوم سيلفا، تبعه إسبان آخرون، فجاء خوان ماتا إلى تشيلسي الموسم التالي ثم تلاه سانتي كازورلا إلى ارسنال ثم خيسوس نافاس إلى سيتي.
ليسوا أجنحة تقليديين يتميزون بالسرعة والمهارة المطلوبة في تلك المساحة المحدودة عند خط التماس، وإنما لاعبين مهاريين يجيدون التحرك بين الخطوط والعثور على المساحات في مناطق المنافس الدفاعية مع دقة بالغة في التمرير (نافاس يعد أقلهم حقيقة في ذلك).
ولسيلفا الريادة في هذا الأمر، فمتابعة تحركاته وحده (سواء بدأ خلف رأس الحربة أو على الطرف) متعة في حد ذاتها. فالإسباني لا يترك مساحة في الملعب أياً كان مكانها إلا و إن استغلها، و يشترك معه في ذلك أيضا ماتا و كازورلا.
وتدريجياً بدأت الأندية الإنجليزية المنافِسة على التأهل لدوري الأبطال في نبذ نهجها القديم و الإتجاه إلى نهج آخر يفضل نوعية تلك اللاعبين من صناع اللعب الأسبان.
وكان لهذا التغيير التأثير إيجابي على البطولة الإنجليزية، فارتفع مستوى تلك الأندية لتحتد المنافسة فيما بينهم (باستثناء هذا الموسم الذي تقريباً حسمه تشيلسي من بدايته لأسباب يطول شرحها).
ولكن في المقابل أثر عليهم بشدة قارياً، إذ يتواجد ريال وبارسا وبايرن الذين لا تقل إمكانيات لاعبيهم الفنية عن نظرائهم الإنجليز إن لم تكن أعلى.
لكن الفارق الحقيقي الذي يصب في صالح الأندية الآنف ذكرها أن لديهم منهج تكتيكي واضح يطبقونه منذ زمن بعكس الأندية الإنجليزية الذي أصبح يتوجب عليها الآن غرز فكر و طريقة لعب يجابهوا بها الأسبان و العملاق البافاري.
ولكن هل يصبر أصحاب المال ملاك تلك الأندية طويلاً حتى يحدث هذا؟ غالباً لا.
فالوضع غير سار بالمرة بالنسبة لهم.
فمنذ قدوم سيلفا إلى سيتي في 2010، ظهرت الأندية الإنجليزية في نصف نهائي دوري الأبطال ثلاث مرات فقط، بعكس تواجدهم الدائم في المراحل النهائية من البطولة قبل مجيئ الأسباني و ما أتبعه قدومه من تغييرات.
ولكن المفاجأة - و يا لها من بشرى سارة لجمهور ارسنال - أن المدفعجية هم بالفعل أكثر الفرق الإنجليزية ذات نهج تكتيكي واضح منذ أن جعلهم ارسين فينجر امتع من يمتلكون الكرة في إنجلترا.. ينقص الفريق فقط قلب دفاع و وسط و هجوم أقوياء يقودونه للبطولات.
حينما كان هناك هنري ودروجبا (في عز تألقه طبعاً) وتوريس وكريستيانو يعطون الأفضلية للأندية الإنجليزية من خلال الإندماج في نهج وأسلوب لعبهم القديم، كان الإنجليز ناجحين بشدة أوروبياً.
ولكن حينما تم استبدالهم بعناصر جديدة ذات خصائص غريبة عن الكرة في إنجلترا أصبح لزاماً عليهم إيجاد منهج تكتيكي يغرزونة في أجيال متعاقبة.. فلينظروا إلى أكاديمية البارسا مثلا.
أرسنال يبدو أقرب الإنجليز، شرط أن يتعلموا شيئاً من تلك الأشياء التي مللنا تكرارها طويلا طوال السنوات الماضية.. فقط دعونا نتمنى.