برونو ميتسو والسنغال.. قصة الإنجازات والحياة والموت
الإثنين، 19 يناير 2015 - 17:30
كتب : عادل كُريّم
من صاحب أفضل انجاز للسنغال في كأس الأمم الأفريقية؟ وصاحب الإنجاز الوحيد في كأس العالم؟ رجل فرنسي جاء لأفريقيا، وذاب عشقاً فيها، حتى أنه طلب أن يدفن في أرضها..
برونو ميتسو.. ولد في قرية كوديكيرك بشمال فرنسا يوم 28 يناير 1954.. بدأ حياته كعامل في ميناء دنكيرك الفرنسي، قبل أن تخطفه كرة القدم، التي مارسها كناشئ في فريق هازبروك، ثم انتقل لبلجيكا في ناشئي الفريق الشهير أندرلخت.
لعب ميتسو كلاعب وسط مهاجم في مسيرة استمرت 14 عاماً، مثل خلالها أندية هازبروك، دنكيرك، فالنسيان، ليل، نيس، روبيه وبوفيه، الذي اعتزل في صفوفه عام 1987.. مباشرة بدأ مشواره كمدرب في ناشئي نادي بوفيه في نفس العام الذي اعتزل فيه، قبل أن ينتقل لتدريب الفريق الأول للنادي بالدرجة الثانية الفرنسية في العام التالي..
مع ميتسو تأهل بوفيه لربع نهائي كأس فرنسا للمرة الأولى في تاريخه، وبدأ إسم المدرب الشاب يشتهر، لينتقل في الموسم التالي لتدريب ليل.. لكنه لم يستمر طويلاً ليدرب بعدها فالنسيان، سيدان وفالنس، قبل أن يبدأ رحلته السمراء في عام 2000 حين أختير لتدريب منتخب غينيا..
"كنت أشعر أنني أمتلك الكثير لأقدمه، لكن لاعبي غينيا خذلوني"
لم يستمر ميتسو كثيراً مع غينيا لكثرة خلافاته مع رجال الاتحاد هناك، لينتقل لتدريب منتخب السنغال في وقت لاحق من عام 2000.
"لم آت إلى هنا لأدربكم بقبضة من حديد.. جئت لأنني أشعر أننا معاً يمكننا القيام بشيء سنظل نتذكره طيلة حياتنا"
سريعاً ارتبط ميتسو بالسنغال، داخل وخارج الملعب.. وبادلته السنغال وجماهيرها الحب.
بداية مشوار ميتسو كانت تصفيات كأس العالم 2002.. السنغال وقعت في مجموعة حديدية بالتصفيات ضمت مصر والجزائر والمغرب وناميبيا، ولم يرشحها أحد للتفوق على الثلاثي العربي.. لكن ميتسو آمن بحظوظه وبلاعبيه.. وشيئاً فشيئاً تركت السنغال مصر والمغرب والجزائر لصراعاتهم لتخطف هي بطاقة التأهل لكأس العالم للمرة الأولى في تاريخها.. وأصبح ميتسو معشوقاً لكل السنغاليين.
تأهلت السنغال أيضاً لنهائيات كأس الأمم الأفريقية 2002 في مالي.. فوزين على مصر وزامبيا وتعادل مع تونس تأهلت بهم أسود التيرانجا لربع النهائي.. فوز على الكونغو الديمقراطية أهل السنغال لنصف النهائي للمرة الأولى منذ عام 1990.. ثم فوز على نيجيريا بلغت به السنغال المباراة النهائية للمرة الأولى في تاريخها.
لكن الحلم توقف بركلات الحظ الترجيحية لتخسر السنغال اللقب أمام الكاميرون.. وبالرغم من ذلك وجد ميتسو وفريقه استقبالاً تاريخيا في داكار.. خرج الشعب السنغالي كله ليرحب بـ "الساحر الأبيض".. اللقب الذي أعطوه لمدربهم الذي وفى بوعده.. "سنقوم بشئ نتذكره طوال حياتنا"..
حينما سحبت قرعة كأس العالم 2002 وقعت السنغال في مجموعة تضم حاملة اللقب فرنسا والدنمارك وأوروجواي.. الكل توقع أن تتذيل السنغال المجموعة.. مباراة افتتاح المونديال كانت ستجمع فرنسا بالسنغال.. وقتها تحدث لاعبو فرنسا عن "الفريق الذي يلعب لاعبوه بالدرجة الثالثة لدوري بلادنا".. أما ميتسو فقال للاعبيه "دعوهم يتحدثون.. نحن سنفوز".
باب بوبا ديوب سجل هدفاً وحافظت عليه السنغال لتفوز على فرنسا في افتتاح كأس العالم.. الأسود لم تخسر في مباراتي المجموعة، تعادلت مع الدنمارك 1-1 ومع أوروجواي 3-3 لتتأهل لدور الستة عشر.
"حينما قرأت تعليق بيليه قبل البطولة بأننا أضعف فرق المجموعة، أخبرت اللاعبين بذلك.. كنت أعرف أنهم سيقاتلون مثل الأسود.. كنت واثقا أننا سنتأهل"
السنغال لم تكتف بذلك.. فازت على السويد 2-1 بفضل هدف ذهبي من هنري كمارا لتبلغ ربع النهائي، وتكرر انجاز الكاميرون 1990 كأفضل انجاز أفريقي في تاريخ المونديال (كررت غانا الأمر في 2010).. وكانت على بعد دقائق من الوصول لنصف النهائي لولا هدف ذهبي آخر سكن شباكها هذه المرة أمام تركيا.
ميتسو عاد للسنغال ليجد رئيس البلاد عبدولاي فاي في انتظاره على سلم الطائرة.. ووجد شعباً كاملاً يحبه.. لكنه اختار من بين هذا الشعب واحدة.. رقية ندياي، التي تزوجها "عبد الكريم ميتسو" بعد أن أشهر إسلامه قبلها.
ميتسو قرر أن يترك السنغال بعد خلاف مع مسؤولي اتحاد الكرة هناك، لينتقل لتدريب العين الإماراتي في أغسطس 2002.
"أترك السنغال بلا ندم.. لقد تعلمت الحياة هنا.. أظهرت موهبتي كمدرب هنا.. جئت للسنغال وقمت بفتح الباب لأجد العالم كله أمامي"
مع العين واصل ميتسو كتابة التاريخ، بعد أن قاده ليصبح أول فريق إماراتي يتوج بلقب دوري أبطال آسيا، درب بعدها الغرافة القطري ليحقق معه الدوري والكأس، ثم درب اتحاد جدة السعودي.. وانتقل لتدريب منتخب الإمارات ليفوز معه بكأس الخليج للمرة الأولى في تاريخه.. ثم درب منتخب قطر والغرافة مجدداً، قبل أن ينتقل لتدريب الوصل الإماراتي.
في أكتوبر 2012 اكتشف ميتسو إصابته بسرطان القولون.. اكتشفه بعد أن انتشر في جسمه وأصبح في مرحلته الختامية.. عاد ميتسو إلى فرنسا ليتلقى العلاج تاركاً وصية واحدة.
"حينما أموت لا تتركوني هنا.. صلوا علي وادفنوني في السنغال"