لكن ليس هذه المرة فقد كان البطل هو السويسري روجيه فيدرير، الذي انتزع لبلاده أول ألقابها في بطولة كأس ديفيز من ملاعب الحمرة بمدينة ليل الفرنسية، على مرأى ومسمع من أكثر من 27 ألف متفرج.
فقد أنقذ فيدرير فريقه من المأزق الذي وضعه فيه بعد أن خسر في المباراة الثانية بالنهائي أمام جايل مونفيس، ليحسم إلى جانب ستانيسلاس فافرينكا -الذي فاز بالمباراة الأولى- لقاء الزوجي لصالح سويسرا، قبل أن يفوز على ريشار جاسكيه بثلاث مجموعات نظيفة، قدم من خلالها أداء ربما يراه البعض درسا على "ملك الأراضي الترابية" أن يعيه جيدا في المستقبل.
حقيقي أن نادال هو صاحب الرقم القياسي في عدد مرات الفوز ببطولة فرنسا المفتوحة التي تقام على الأراضي الترابية بتسعة ألقاب، ولم يتوج بها "المايسترو" سوى مرة واحدة، وأن فيدرير لم يفز سوى باثنتين فقط من أصل 15 مواجهة جمعته بـ"رافا" على الأراضي الترابية، ولكن هذا ليس كل شيء.
ففي الوقت الذي يضم فيه فيدرير، الذي يبلغ من العمر 33 عاما، كأس ديفيز للمرة الأولى إلى "مقتنياته" من الألقاب التي تضم 17 بطولة جراند سلام (رقم قياسي) و23 بطولة أساتذة، وستة ألقاب في كأس الأساتذة الختامية (رقم قياسي)، يستغل نادال انتهاء موسمه مبكرا بسبب عملية استئصال الزائدة الدودية لمداواة ظهره المصاب وركبتيه، بعد عام شهد إصابته في معصم اليد اليمنى.
وهذا ليس بالمفاجئ، فبعد أن خطف نادال، الذي يبلغ من العمر 28 عاما، الأنظار في عالم المحترفين، توقع الكثيرون أن "عمره الافتراضي" داخل الملاعب لن يطول نظرا لأنه يستنفد قدراته البدنية، إلا أنه استمر لكن الإصابات ظلت بمثابة شوكة في ظهره.
حرمته الإصابات من إنجازات كبرى، بينها لقب أستراليا المفتوحة هذا العام، أولى بطولات الجراند سلام الأربع الكبرى، التي فاز بها فافرينكا بعد إصابة نادال في الظهر وخسارة أربعة آلاف نقطة في التصنيف حيث دفعته إصابة المعصم الأيمن للغياب عن بطولات تورونتو وسينسيناتي وأمريكا المفتوحة التي كان يدافع عن ألقابها.
صحيح أن فيدرير يتفوق بفارق مهاري كبير عن نادال، يحاول "رافا" تعويضه بالمجهود، ولكن ما قدمه "المايسترو" في لقاء جاسكيه في نهائي كأس ديفيز وخلال الموسم بصورة عامة ليس معجزا بالنسبة للاعب الإسباني.
فأسرار تفوق فيدرير على أرضية الملعب رغم أفضلية المنافسين العمرية ليست بالخفية، ولا بالمستعصية على نادال وتتلخص في عدم الميل للتبادلات الطويلة من آخر الملعب.
والسلاح الأول لفيدرير، والذي يعلم الكثيرون من عشاق "رافا" أنه يفتقر إليه في أغلب الأوقات، هو تسديد ضربة الإرسال وردها، فهي تهدي لاعب التنس نقطة مجانية دون عناء التبادلات الطويلة من آخر الملعب، سواء في شوط الإرسال لتجعل اللاعب يشعر بالراحة أو في شوط رده، لتضع الضغط على المنافس.
كسر الإيقاع سلاح لا يقل فعالية عن الإرسال، فهو يصعب على المنافس قراءة خطوتك التالية، ويكون ذلك إما بالصعود على الشبكة بعد كرة عميقة أو بالإسقاطات القصيرة، وهما نقطتا قوة فيدرير، الذي استعان بالمدرب ستيفان إدبرج منذ بداية العام، خصيصا لهذا التكتيك.
فالصعود إلى الشبكة مغامرة لابد وأن تكون محسوبة كي تؤتي بثمارها، فضلا عن مهارات التعامل مع الكرات في هذا الجزء من الملعب والتي تختلف كلية عما هو الحال في الخط الخلفي.
نادال يحقق نسبة لا بأس بها من مرات الصعود على الشبكة، وإن كانت منطقته المفضلة هي الخط الخلفي، لذا يتعين على "رافا" إما الاستعانة بمدرب آخر، وإن كان ذلك بجانب عمه توني نادال، كما فعل الصربي نوفاك ديوكوفيتش، أو على الأقل التدرب عليها بصورة تجعله واثقا بالقدر الكافي من تنفيذها خلال المباريات.
لا تقل الإسقاطات القصيرة مجازفة عن الصعود إلى الشبكة، فأنت تغامر بإرغام المنافس على الصعود إلى الشبكة، لذا كلما كان في وضعية صعبة كلما كانت لك الأفضلية.
يجيد فيدرير هذا التكتيك على نحو رائع، سواء بالضربة الأمامية (فورهاند) أو الخلفية (باكهاند)، وخير مثال على هذا النقطة الأخيرة في مواجهة جاسكيه، والتي فاز بها بإسقاطة قصيرة أكثر من رائعة بالضربة الخلفية.
في المقابل، يؤدي نادال هذه الضربة بصورة لا بأس بها بالضربة الخلفية، لكنه يحتاج للتدرب كثيرا على تنفيذها بالضربة الأمامية، ووضعها بصورة أساسية ضمن استراتيجياته في اللعب.
سيكون هذا كفيلا بتقليل اعتماد نادال الشديد على قوته البدنية وبالتالي تفادي الإصابات، لكنه في نفس الوقت سيحرم عشاقه من الكرات الخيالية والتبادلات القوية التي يشتهر بها دائما، إلا أنه قد يسير على نهج "المايسترو" الذي لا يمل من تحقيق الإنجازات.