شاءت الظروف أن تقام لقاءات الكأس بعد ساعات من نهائي المونديال، ومن قبلها أقمنا دورة حسم الدوري الممتاز وسط معمعة كأس العالم، فعندما كان العالم أجمع يتابع مواجهات مثل هولندا والمكسيك أو البرازيل وتشيلي كان إعلامنا المحلي غارقا كعادته في تفاصيل من نوعية "أسرار تشكيل الأهلي في مواجهة سموحة و"القمة النارية بين الزمالك وبتروجيت".
لم نملك ما يكفي من خجل لنوقف الموسم الكروي المصري الجميل خشية حدوث مقارنة بين واقعنا المبهج المكون من دوري بمجموعتين وبدون هبوط "عشان احنا مزاجنا كده وأسياد قرارنا والسياحة ترجع وكده" وبين المونديال العالمي.
وعلى مدى شهر كامل جلسنا كمصريين في مقاعد المتفرجين لمشاهدة المونديال وهو أمر ليس بجديد علينا إذ نجلس على المقاعد نفسها منذ 24 عاما.
وإن كان هناك دروس خرجنا بها من الاكتفاء بمشاهدة المونديال من مقاعد المتفرجين، مع حرصنا على استمرار مسابقة محلية "ماتت وشبعت موت" فهي كالتالي :
أولا: لا شيء على الإطلاق يماثل عزف السلام الوطني المصري أمام مليارات من البشر في كأس العالم حتى لو خسرنا كل مبارياتنا بعدد كبير من الأهداف .. ولا شيء يساوي اللعب في كأس العالم أو تسجيل هدف أو الحصول على نقطة أو تقديم عرض جيد في أكبر محفل عالمي .. هذه هي أكبر وأهم قيمة من وراء احتراف لعبة كرة القدم في أي بلد وهذا هو ما يخلد في أذهان عشاق اللعبة.
الفوز بكؤوس أمم إفريقيا أو تمثيلنا في منافسات كرة القدم في الأوليمبياد أو تأهل الأهلي كل سنة لمونديال الأندية مع احتكار أنديتنا لبطولات إفريقيا الضعيفة أو حتى اللعب في كأس القارات .. كلها مجرد مسكنات نحاول التظاهر من خلالها بأسطورة "الانسان المصري أبهر العالم يا جماعة واحنا مقتنعين بكده..والعالم كلمك بنفسه وقالك أنه انبهر؟".
المونديال هو أهم بطولة كروية في العالم.. وللأسف لن يسمح لنا الاتحاد الأوروبي بالمشاركة في اليورو(مؤامرة طبعا).
انتخابات الأندية ..والقايمة 30 ولا 35 .. ومرتضى شتم مين .. وستوديوهات "التحاليل" .. وبث الدوري من حق مين .. وسعيد عبد العزيز وقع للأهلي الأول ولا الزمالك الأول .. كل هذا عبث لا علاقة له بالرياضة سوى أن شوبير ومدحت شلبي لا يرهقون أنفسهم في البحث عن مواد لها علاقة بالرياضة في برامجهم.
ثانيا: من الظلم بالطبع مقارنة أنفسنا بمنتخبات بلدان مثل الأرجنتين أو ألمانيا أو إسبانيا إلخ، والصحيح أن نقارن أنفسنا ببلدان تشبهنا اقتصاديا أو رياضيا أو حتى تنتمي لموقعنا الجغرافي ذاته.
ولذلك يكفي أن نعرف أن خلال الـ24 عاما الأخيرة تأهلت الكاميرون للمونديال 5 مرات.. والسعودية 4 مرات .. وتونس وإيران وإكوادور وكوستاريكا و كوت ديفوار وغانا وجنوب إفريقيا للمونديال 3 مرات .. وهندوراس وسلوفينينا والجزائر مرتين .. وفي الفترة نفسها تم تأسيس دولة البوسنة وتأهلت مرة واحدة للمونديال مثل كل من وتوجو وأنجولا وكوريا الشمالية والصين والسنغال ونيوزلندا وجامايكا وبوليفيا .. أما نحن فرصيدنا خلال هذه الفترة (صفر كبييييير).
ثالثا: في دولة اقتصادها منهار من الصعب بل ومن المستحيل أن تتحول كرة القدم فيها إلى نشاط اقتصادي مربح مثل أوروبا – نصف الأندية الكبرى هناك مديونة - لأن غالبية الجمهور بيجري على لقمة العيش (وحاليا على تنك البنزين) وبالتالي فالهدف الأكبر من ممارسة اللعبة يجب أن يكون الوصول إلى المستوى العالمي (المونديال) بأن نملك واحدا من أفضل خمس منتخبات في قارتنا الفقيرة وهذا أمر ليس صعبا في بلد تعدادها 90 مليون.
والهدف الأكبر من اللعبة ليس الفوز بدرع الدوري (عشان نغيظ بعض) وبالتأكيد الهدف منها ليس التعرض لجرعات مكثفة من تصريحات مرتضى منصور كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة حتى لو من باب "التسالي وقزقزة اللب".
رابعا: علينا الاعتراف بفشلنا الإداري في تنظيم اللعبة بكل مستوياتها لدرجة أننا نشارك في المنافسات بدون أن يعرف مسئولو اتحاد الكرة قواعد التأهل مثل تصفيات مونديال 2010 وكأس العالم للشباب في تركيا عندما لعبنا ضد إنجلترا دون أن ندرك أن بوسعنا التأهل لدور الـ16!
نحن ننظم مسابقات دون معرفة قواعد الفوز بها وهو ما يدفعنا للاتصال بشخص اسمه "الحاج عامر" تليفونيا كل ليلة للتأكد أن فارق الأهداف يكفي لحسم الدوري .. وأن "الحاج عامر هيكلم الكابتن شوقي عشان يعرف الدوري يبدأ امتى ويرجع يدينا رنة".
فشلنا الإداري الذريع خلال 24 عاما دفعنا لإقالة مدير فني في حجم الجوهري مرتين "عشان نفش غلنا في حد" وسط مشوار إعداد للمونديال.
بالمناسبة أين يقام نهائي كأس مصر؟
خامسا: كل المنتخبات التي لعبت في المونديال تكونت من لاعبين محترفين في أندية أوروبا ..أي كلام عن حالات استثنائية للاعبين محليين في أمريكا الجنوبية أو إفريقيا هو محض هراء .. أوروبا هي أهم منطقة في العالم تنظم مسابقات كرة القدم بفضل ثراء القارة وشعبية الكرة فيها وبالتالي فأي منتخب له ترتيب عالمي لابد أن يملك قاعدة من خمسين لاعب محترف أوروبيا على الأقل لاختيار قائمته.
لن نملك منتخبا يصل للمونديال طالما يصر الأهلي على الحصول على 2,5 مليون يورو مقابل بيع عمرو جمال لتولوز الفرنسي بدلا من مليون ونصف عرضها الفرنسيون .. ببساطة سيشتري الفرنسيون مهاجما سنغاليا أو إيفواريا بـ100 ألف يورو ليتطور مستواه ثم يسجل في مرمانا في تصفيات المونديال المقبلة أما عمرو جمال فسيبقى هنا ليساعد الأهلي على الفوز بالدوري للمرة الـ60 وببطولة إفريقيا للمرة العشرين (والمصحف أنا مش زملكاوي على فكرة).
محمد صلاح لن يقودنا للمونديال وحده .. نحتاج 30 صلاح في هولندا والبرتغال وسويسرا وألمانيا وإسبانيا حتى نصل للمونديال.
أخيرا: حتى نكتة "مجدي عبد الغني وهدف هولندا" صارت سخيفة .. وتكرارها بات سمجا لأقصى حد.
ناقشوني على تويتر