هاني عسل

معلش يا كابتن .. حواجبي بتوجعني!

زمان .. أو ربما "مش زمان قوي" .. كان المواطن المصري البسيط يزحف إلى الاستاد حاملا معه سندويتشات الفول والطعمية وكيلو يوسف أفندي و"كام كيلو" لب وسوداني لمشاهدة مباراة يلعب فيها الخطيب أو حسن شحاتة أو طاهر أبو زيد أو علاء ميهوب أو جمال عبد الحميد .. أما في أيامنا هذه , فمن الصعب حقيقة أن نقنع أي عاقل بالذهاب إلى الاستاد لمشاهدة "فنون" الحضري و"فلتات" تامر عبد الحميد و"إرهاصات" مش عارف مين!
الخميس، 16 سبتمبر 2004 - 16:30
زمان .. أو ربما "مش زمان قوي" .. كان المواطن المصري البسيط يزحف إلى الاستاد حاملا معه سندويتشات الفول والطعمية وكيلو يوسف أفندي و"كام كيلو" لب وسوداني لمشاهدة مباراة يلعب فيها الخطيب أو حسن شحاتة أو طاهر أبو زيد أو علاء ميهوب أو جمال عبد الحميد .. أما في أيامنا هذه , فمن الصعب حقيقة أن نقنع أي عاقل بالذهاب إلى الاستاد لمشاهدة "فنون" الحضري و"فلتات" تامر عبد الحميد و"إرهاصات" مش عارف مين!

أنا شخصيا أذكر منذ أيام السبعينيات أن مصر كلها كانت "بتقف على رجل" في اليوم الذي تكون فيه هناك مباراة للأهلي في الدوري , أو مباراة للزمالك , فتجد منذ الصباح الباكر الحرفيين وقد أغلقوا ورشهم مبكرا , والطلبة قد تركوا دروسهم وأجلوا عمل اليوم إلى الغد أو ربما إلى آخر السنة , أما الموظفون فهم متفرغون بطبيعة الحال , وعندما تسأل أيا منهم : "إنت رايح فين"؟ يرد عليك بحماس وفخر شديدين قائلا " "رايح الاستاد طبعا .. النهاردة بيبو ها يلعب" , أو "إنت مش من البلد دي يا بيه , المعلم ها يرقص الشبكة النهاردة"!

حتى فرق الأقاليم كانت زاخرة بالنجوم الموهوبين الذين كانت أسماؤهم ذائعة الصيت , وخذ عندك مثلا عماشة وعمر عبد الله وسعد سليط وشوقي غريب والمشاقي والبلعوطي وشفة وأبو رحاب.

طبعا أنا لا أترحم على أيام زمان من قبيل المقارنة , ولكن ما أريد أن أقوله هو أن الموهبة سلعة رائجة , والنجم الموهوب مصدر دخل للنادي وليس مجرد مصدر للبطولات , وفي أيامنا هذه يوجد زيدان وروبرتو كارلوس , ويوجد رونالدينيو , ويوجد هنري ودروجبا ونستلروي , بعضهم يحقق البطولات , وبعضهم يحقق الدخل العالي لناديه , وبعضهم يحقق الإثنين معا , في مصر هناك لاعبون يحققون البطولات , ولكن لا يوجد "نجم الشباك" الذي يستطيع أن يجذب الجماهير إلى الاستاد خصيصا لمشاهدته.

ربما كان آخر هؤلاء الموهوبين رضا عبد العال لاعب الأهلي والزمالك الأسبق , ولكن جماهيريته لم تكن على نفس قدر نجومية وجماهيرية علاء ميهوب مثلا , ومن بعده , حاولت جماهير الأقاليم صناعة نجم من لاشيء , فظهر إبراهيم المصري ومحمد صلاح أبو جريشة , ولكنهما لم يحققا ما أرادته الجماهير لهما.

أما الآن , فدلوني بالله عليكم , هل يمكن لعاقل أن يذهب إلى الاستاد خصيصا ليشاهد عصام الحضري الذي يرفض تمثيل منتخب بلده بحجة رفضه الجلوس احتياطيا؟ (طبعا لن أتكلم عن إمكانياته الفنية)!

هل يمكن لأي إنسان أن يقبل أن يذهب إلى الملعب بعد الآن ليصفق للاعب مثل تامر عبد الحميد الذي اعتذر عن عدم اللعب في مباراة مصر والكاميرون الأخيرة بحجة أن لديه مشكلة في أنفه , على طريقة "معلش يا كابتن , أصل حواجبي بتوجعني" التي سمعناها من الكابتن عدوية في الفيلم العبقري 4-2-4؟

هل يمكن أن يدلني أحد على اسم أي مشجع لديه الرغبة في الذهاب إلى الاستاد لمشاهدة إسلام الشاطر أو إبراهيم سعيد بعد كل ما نشر عنهما , حتى وإن كان أي منهما على حق؟!

ألم يسمع أحد من هؤلاء اللاعبين "النجوم" عن الملاكم السيد الباز الذي كان يريد أن يلعب على ذهبية أثينا وذراعه مكسورة؟ ألم يعرف أحد أن محمد رضا علي كان مصرا على مواجهة منافسه الروسي الشرس رغم أنه كان مصابا بإصابة غير طفيفة على الإطلاق , لولا أن استبعدته اللجنة الطبية؟

أنا أذكر في هذا الصدد عبارة رائعة قالها محمد أبو تريكة في الحفل السنوي الذي نظمه موقع "في الجول" مؤخرا , فعندما سئل عما إذا كان يمكن أن يعترض على قرار تارديللي بإشراكه في مركز رأس الحربة بدلا من مركز لاعب الوسط المهاجم الذي يفضله أجاب قائلا بالحرف الواحد : "لو طلب مني منتخب مصر أن أجمع الكرات من خلف المرمى لوافقت دون أي تردد"!

وكل من يشاهد أبو تريكة مع الأهلي أو المنتخب يصدقه فيما يقول , والشيء نفسه ينطبق على مجموعة كبيرة من اللاعبين أذكر منهم على سبيل المثال فقط عبد الحليم علي مهاجم الزمالك الذي كان في الموسم الماضي , ولا يزال , أفضل لاعبي الزمالك وأكثرهم عطاء.

عموما , ضعوا هذا الكلام في أذهانكم عندما نتابع مباريات الدوري الجديد , وكلنا أمل في دوري قوي , وفي منافسة محتدمة بين أكثر من فريق , وفي تحكيم لا ترتعد فرائصه من أصوات المشجعين وصيحات اللاعبين , أملنا في جدول دوري مستقر وقرارات حازمة ونظام والتزام وأخلاق وروح عالية , أملنا في لاعب يطيع مدربه , ومدرب يحترم جمهوره , وجماهير تحترم نفسها , وإعلام يرقى بمستوى هؤلاء جميعا ولا يجاريهم في أي هبوط.