وأعتقد أنه لو كان الجوهرى إنجليزيا لأقاموا له تمثالا فى اكبر ميادين لندن ، ولمنحوه لقب "سير" ، تماما مثل سير بوبى روبسون مدرب انجلترا السابق وسير أليكس فيرجسون مدرب مانشستر يونايتد.
وباعتبارى متابعا للكرة الانجليزية ، أذكر جيدا كيف يكرم الانجليز مدربيهم المخضرمين لمجرد تحقيق انجازات لا تساوى نصف ما حققه الجوهرى لمنتخب مصر ، وآخرها ما حدث مع روبسون حينما ساءت نتائج نيوكاسل تحت قيادته وحان موعد اقالته ، فخرجت وسائل الاعلام رغم عروض الفريق المهتزة لتقول "إعزلوه من وظيفته .. ولكن احرصوا على ان يتم هذا فى اطار من الاحترام الذى تحمله انجلترا كلها له".
اما الجوهرى المدرب الخلوق الذى تحمل قلبه كثيرا من التوتر عندما كان مدربا لمصر فكان يتعرض للسب من الاف المتفرجين فى المدرجات ، ومازلت اذكر مباراة مصر وكوت ديفوار التى حضرتها فى المدرجات فى اول ظهور للمنتخب في استاد القاهرة بعد فوزنا بكأس الأمم الافريقية عام 1998 عندما بدأت المباراة بالهتاف باسمه ثم انتهت بـ"سب جدوده" لمجرد أن ابراهيم باكايوكو كان يتلاعب بمدافعينا الكبار.
ورغم أننى لست من مؤيدى عودة الجوهرى لتدريب منتخب مصر فى هذا التوقيت ولم اكن يوما راضيا عن اسلوبه الدفاعى وخوفه من المخاطرة الهجومية فى التعامل مع المنتخبات التى تفوق منتخب مصر فنيا ، فإنني أعتقد أن الجوهرى تعرض على ايدينا لظلم شديد وتعرض للإقالة اكثر من مرة دون وجه حق على يد اتحادات كروية فاشلة.
هذا الظلم تسبب فى اجهاض مشروع الجوهرى لبناء منتخب وطنى عالمى مرتين : الاولى بعد الهزيمة امام اليونان عام 1990 بنتيجة 6-1 فى مباراة ودية اشرك فيها عددا من الوجوه الجديدة لإحلال جيل 90 ، والثانية بعد الخسارة امام السعودية 5-1 فى مباراة الكروت الحمراء الشهيرة التي يتحمل مسئوليتها النجوم الذين فشلوا فى السيطرة على اعصابهم ، وتناسى الجميع انجاز كأس الأمم 1998 والمستوى العالمى الذى قدمناه امام بلغاريا وبلجيكا والمكسيك ليتم اقالته فى كل مرة يسعى لبناء فريق متكامل له بنيان واضح ويضم نجوما من مختلف الاجيال.
وفى كل مرة كانت الاقالة تأتى ارضاء لموجة الغضب الهائل فى قلوب المشجعين ، لنبدأ رحلة البناء من جديد وليحافظ اصحاب الكراسى على مقاعدهم على حساب الجوهرى ، وما زالت اذكر اجابة الرجل عن سر نجاحه فى احداث نقلة نوعية مع المنتخب الاردنى فجاء رده ببلاغة شديدة : "حسن نوايا جميع الاطراف القائمة على اللعبة".
وتعرض الجوهرى الى الظلم مرة اخرى فى الاستفتاء الاعلامى عام 2000 حول هوية لاعب القرن فى مصر وانقسام الناس حول احقية حسام حسن ومحمود الخطيب فى الفوز بالجائزة وكيف تم تجاهل الجوهرى باعتباره اعظم مواطن مصرى مارس الكرة حيث كان شريكا فى كل الانتصارات الكروية المصرية بداية من الفوز بكأس الامم الافريقية عام 1959 وتتويجه هدافا لها ثم التأهل الى نهائيات كأس العالم عام 1990 والفوز بكأس العرب عام 1992 وكأس الامم فى بوركينا فاسو 1998 ، هذا بخلاف ما حققه مع الاهلى والزمالك فى بطولات افريقيا وهو ما يصب فى رصيد مصر من بطولات قارية ايضا ، وهو ما يضعه فى مصاف الالمانى فرانتس بكنباور والبرازيلى ماريو زاجالو الفائزين بكأس العالم كلاعبين ومدربين مع منتخبات بلادهم.
وانشغل البعض بنسب هذه الانتصارات الى مصلحة حسام حسن باعتباره كان الهداف فى معظم هذه الانتصارات وتناسوا ان كل انتصارات مصر تحققت على يد الرجل ، بل إن حسام نفسه يعترف ان الجوهرى كان صاحب الفضل الاول عن وصوله الى ذلك المستوى الرائع.
وحتى الاحتراف الذى تعانى منه الكرة المصرية حاليا يحاول البعض ان ينسبه الى الجوهرى ، الذى كان بالفعل صاحب الفكرة ولكنه لم يكن مسئولا عن جهل المسئولين عن الكرة المصرية الذين لم يبذلوا جهدا لفهم لوائح الاحتراف فى اى من دول العالم المتقدم ، وحولوه الى ما نشاهده الآن من فوضى لا حد لها وفساد لا يمكن السيطرة عليه.
وكان الجوهرى هو الوحيد ممن دربوا منتخب مصر ممن اتسموا بالقدرة على معالجة نفسية اللاعب المصرى واخراج قدراته كاملة بالاضافة لحل مشكلة التعصب بين الاهلاوية والزملكاوية عام 1990 قبل المشاركة فى كأس العالم ، بل وجعل الاهلاوية بعد فوزهم ببطولة الاندية ابطال الكؤوس عام 1993 يهتفون قائلين "كوتوكو يا جوهرى" عندما كان الزمالك مقبلا على مواجهة كوتوكو فى نهائى كأس الاندية الافريقية ابطال الدورى ، أيام الانتماء الوطنى وقبل ايام التعصب الاسود التى نعيشها حاليا.
اعود لأوكد أننى لا أدعو لإعادته