هاني عسل

قلة أدب!

إذا كنا قد ارتضينا بأن الألفاظ البذيئة أصبحت لغة يومية معتادة في الشارع المصري ، فمن الطبيعي ألا نعترض على أن تكون لغة الحوار بين مشجعي الكرة لدينا ، وخاصة جماهير الناديين الكبيرين : الأهلي والزمالك ، أكثر بذاءة وانحطاطا داخل الملعب وخارجه.
الأربعاء، 10 نوفمبر 2004 - 15:57
إذا كنا قد ارتضينا بأن الألفاظ البذيئة أصبحت لغة يومية معتادة في الشارع المصري ، فمن الطبيعي ألا نعترض على أن تكون لغة الحوار بين مشجعي الكرة لدينا ، وخاصة جماهير الناديين الكبيرين : الأهلي والزمالك ، أكثر بذاءة وانحطاطا داخل الملعب وخارجه.

وكم عانينا هنا نحن محررو موقع Filgoal.com طوال الأيام الماضية ، وبالتحديد منذ الأيام التي سبقت لقاء القمة بين الزمالك والأهلي ، ثم الأيام التي أعقبته ، وحتى يومنا هذا ، من كم الشتائم وعبارات الازدراء والإهانة التي تبادلها جمهور الناديين عبر صفحات الحوارات ، دون مراعاة لأي احترام لا للأعضاء الآخرين المحترمين ، ولا حتى لحرمة الشهر الفضيل ، الأمر الذي جعلنا بالفعل نبذل مجهودا غير عادي لحذف الرسائل التي تحتوي على مثل هذه العبارات.

هذه المهمة كانت صعبة للغاية لأنها أشبه بمن يحاول السير في ميدان رمسيس ويتشاجر مع أي سائق ميكروباص يتلفظ بلفظ بذيء ، فلا يمكن لنا في الموقع مثلا أن نؤدي هذه المهمة بدقة وكفاءة إلا إذا خصصنا ثلاثة محررين على الأقل لمتابعة حوارات كل صفحة على مدار ثلاث ورديات في اليوم الواحد ، وهو ما يعني أننا في حاجة إلى تعيين جيش كامل من المحررين فقط من أجل الحفاظ على الضبط والربط داخل الموقع ، وهو أمر مستحيل!

والغريب في الأمر أن هناك بعض الأعضاء يتبعون طريقة "ضربني وبكى وسبقني واشتكى" ، فهناك من يدخل ليقول عبارات مستفزة للغاية وتحمل معنى الإهانة لجمهور النادي الآخر أو للاعب معين ، وهو ما يعرضه للشتيمة ، فيسارع هذا العضو إلى البكاء والشكوى من أنه "اتشتم" و"لازم تيجيبولي حقي" ، طيب يا أخي "ما انت إللي جبته لنفسك" وأنت الذي بدأت.

وهناك عضو آخر لا أعرف ما اسمه "زعلان قوي" من إنه اتشتم بعبارات بذيئة لمجرد أنه قال لعضو آخر أنه "ما يساويش بصلة" ، طيب أمال عبارة "ما يساويش بصلة" دي عبارة إيه من وجهة نظر سيادتك؟ يعني مدح مثلا وألا غزل عفيف؟!

وإياكم حد يقوللي إن هذه البذاءات تصدر عن قلة منحرفة ، فهذا الكلام لا يصدقه إلا بني آدم "أهبل" يريد أن يخدع نفسه والآخرين ، وقلتها من قبل وأقولها الآن وسأقولها بملء الفم : جماهير الكرة المصرية كلها بمختلف انتماءاتها سوقية وطويلة اللسان ، وهذا الأمر أصبح سمة معروفة عنا جيدا لدى جماهير الكرة العربية وفي العالم كله ، لأن أغلبية هتافاتنا في المدرجات عبارة عن عبارات بذيئة "تحبوا نقولها واحدة احدة عشان تقتنعوا"؟ ، وحتى الهتافات التي تخلو من الألفاظ البذئية تندرج تحت بند الألفاظ العدائية غير المحترمة ، فهي عبارة عن جمل "ردح" لا يعاقب عليها القانون ولا يحرمها الدين ، ولكنها عبارات كلها تتعرض للمنافس بصورة أو بأخرى ، من طراز : 1، 2، 3 ،4، 5، 6 التي يرددها جمهور الأهلي دائما ليغيظ جمهور الزمالك ، ومثل هتاف "إلحقهم يا بيبو" الذي يردده جمهور الزمالك عندما يريد أن يتشفى في حالة الأهلي!

بالله عليكم هل عمرنا سمعنا جمهور برشلونة أو أي فريق إسباني آخر يهتف ضد بيكام باسم زوجته فيكتوريا من قبيل "التجريس" ومن أجل إغاظته والتنكيد عليه في الملعب والتأثير على معنوياته؟!

هل سبق لأي منا أن سمعنا جهمور الأرسنال يهتف ضد نستلروي بأي هتاف من أي نوع رغم ما بين هذا اللاعب بالذات وبين جماهير الأرسنال؟! أو يهتف ضد هنري قائلا : "إلحقهم يا هنري"؟!

للأسف لا يوجد في ملاعبنا حتى الآن الجمهور الذي يشجع ناديه فقط ، أو الجمهور الذي يشجع لاعبيه ويتغنى بأسمائهم فقط ، دون أن يتحرش بلاعبي الفرق الأخرى ، والأدهى من ذلك أن جمهورنا هو الوحيد في العالم الذي يهتف في مباراة ضد أطراف ليست موجودة على أرض الملعب ، وكلنا نعرف أن هدفا للأهلي في مرمى البلدية مثلا تتبعه هتافات سباب في الزمالك ، وعندما يحرز الزمالك هدفا في المنصورة تشتعل المدرجات الزملكاوية شتيمة في الأهلي!!

أنا أعرف أن المشكلة معقدة وتحتاج إلى علاج أخلاقي يبدأ من الشارع ومن المدرسة ومن البيت ، ويجب أن تكون هذه البداية بالدين ، لكي يعرف كل أولئك الذين يستحلون السباب بالأب والأم أن كل كلمة بذيئة تقال على لسانهم هي إثم كبير للغاية ، ومعظم العلماء يعتبرون أنها عبارة عن جريمة سب وقذف علنية ومؤكدة تستوجب الجلد بالفعل لصاحبها.

وأذكر هنا بالخير اتحاد كرة اليد الذي أوقف هذه البذاءات من ملاعبنا تماما في فترة من الفترات عندما أمر الحكام باحتساب "فاول عكسي" على أي فريق تردد جماهيره في المدرجات هتافا بذيئا!

ترى كم فاول عكسي كان ينبغي لنا أن نشاهد في لقاء القمة الأخير ، الذي كان قمة في كل شيء بحق إلا في الأخلاق؟!

ومتى نستطيع أن نحارب الشتيمة والبذاءة التي تصدر على ألسنة كثير من الشباب والرعاع في شوارعنا ، حتى نستطيع أن نقول وقتها إن شتائم مدرجات الكرة لا