فرحتي لم تكن لمجرد الفوز باللقب الغائب عن برشلونة منذ ست سنوات ، ولا لانتصار لأحد أكبر الأندية جماهيرية داخل إسبانيا وخارجها ، رغم أنه لا ينتمي إلى العاصمة المستأثرة دائما بكل شيء حتى في كرة القدم ، ولكن فرحتي جاءت كمشاهد يعشق كرة القدم الجميلة والممتعة والتي لا يقدمها أي ناد في العالم سوى برشلونة ولا ينافسه في ذلك حاليا إلا منتخب البرازيل.
هذه حقيقة ، فللأسف ، مشاهدة مباريات كرة القدم الحديثة أصبحت غير ممتعة على الإطلاق ، فكل الفرق متشابهة في طرق الأداء التي تعتمد على القوة الجسمانية واللياقة البدنية و"تقفيل" الدفاعات ، فاللاعب "من دول" يظل يجري داخل الملعب طوال التسعين دقيقة ويصطدم بهذا ويقفز مع هذا ، دون أن نرى في مباريات كاملة تمريرة بينية جميلة ، أو مراوغة واحدة "عليها القيمة" تعجب الجماهير ، أو تسديدة رائعة في المقص.
فلو نظرنا إلى أفضل أندية أوروبا حاليا التي فازت بلقب الدوري في بلادها ، نجدها اعتمدت في حسم اللقب على العناصر إياها ، فمثلا تشيلسي الذي فاز بأول ألقابه للدوري الإنجليزي من نصف قرن لا يضم بين صفوفه لاعبا واحدا يتمتع بمهارات عالية ، وجاء فوزه باللقب بفضل سرعة آرين روبين وقوة دروجبا الجسمانية التي تشبه إلى حد كبير قوة المصارعين وتسديدات فرانك لامبارد التي دائما ما ترتطم بأي شيء ثابت أو متحرك لتغير اتجاهها قبل أن تسكن الشباك!
وطبعا بايرن ميونيخ لا يحتاج أي كلام عنه ، فالفريق البافاري "طول عمره بيكسب" الدوري الألماني دون أن يمتع أي حد لا في ميونيخ ولا حتى في ألمانيا كلها ، وطبعا في العالم كله ، فالكرة الألمانية معروف عنها منذ اختراع كرة القدم انها لا تعتمد على المهارة ، ولا يوجد لاعب مهاري واحد على ما أذكر في تاريخ ألمانيا كلها.
حتى في إيطاليا ، فإن يوفنتوس وميلان اللذين يتصارعان على اللقب حاليا يضمان بين صفوفهما لاعبين من ذوي المهارات أمثال أليساندرو ديل بييرو وكاكا وبيرلو ، لكن هؤلاء يضنون علينا بمهاراتهم عن طريق بقاء بعضهم بين البدلاء ، وهو ما يحرمنا كمشاهدين من المتعة التي ننتظرها.
وطبعا في فرنسا وهولندا وبلجيكا والبرتغال لا توجد الكرة التي تقدم في إنجلترا وإيطاليا والتي لا تعجب الجمهور أصلا ، وبالتالي لا يوجد فريق في هذه الدول يستطيع أن يمتعنا ، لا يوجد إلا "البارسا" ، فهو القادر على إمتاع "الجماهير الغلبانة" التي تنتظر مبارياته بفارغ الصبر.
من منا لا يحب ان يرى رونالدينيو وهو "يرقص ويتراقص ويُرقص" كل من يواجهه في الملعب وبتسم ابتسامته الشهيرة؟ أو عندما يسدد الركلات الثابتة التي تذهب إلى المقص مباشرة؟
وإيتو أحسن لاعب في أفريقيا في العامين الماضيين يظهر مع برشلونة بشكل مختلف تماما عن الذي نراه عليه مع منتخب الكاميرون ، فإيتو قضى أفضل مواسمه على الإطلاق مع برشلونة وسجل 24 هدفا حتى الآن معظمها ممتع ، وبالطبع توجد أهداف من النوع الألماني الذي تدخل فيه الكرة المرمى بصعوبة بالغة لدرجة تثير الشفقة لا المتعة ، لكن أهداف إيتو غير الممتعة أفضل كثيرا من أهداف بالاك وجوديونسون.
حتى فيكتور فالديس حارس البارسا ، فأنا أعتقد أنه لو نزل الملعب وشارك مع بقية زملائه كلاعب وليس كحارس مرمى فستكون مهارته الفردية أعلى بكثير من العدائين الذين يلعبون في معظم أندية أوروبا حاليا.
لا يوجد لاعب بين صفوف برشلونة لا يتمتع بمهارة أيا كان نوعها ، المهم أن يفعل شيئا يسعد جماهير النادي والمليارات ممن يعشقون كرة القدم بصفة عامة ، فمن بويول إلى ديكو وشابي وماكسي وجولي ، وحتى لارسون المصاب ، كلهم أصحاب مهارات عالية ساهموا بشكل كبير في إمتاع الجمهور أولا والفوز بالدوري ثانيا.
.. فرحتي بلقب برشلونة تماثل تماما سعادتي الكبيرة عندما يفوز الإسماعيلي بالدوري ، لأنه على الدوام صاحب أفضل العروض والأداء الراقي الذي يمتع الجماهير ، لكنه ليس مثل الأهلي والزمالك اللذين يضعان نصب أعينهما الفوز باللقب أولا وأخيرا سواء لعبا كرة جميلة أم لا ، بينما برشلونة والإسماعيلي يلعبان أولا لإمتاع الجماهير وثانيا من أجل الفوز.
فهنئيا لجماهير كاتالونيا وإسبانيا كلها وعشاق الكرة الجميلة في أنحاء الأرض على إنجاز برشلونة ، الذي هو انتصار لمدرسة الكرة الجميلة الذي قليلا ما يتحقق في هذا الزمن ، وننتظر من البارسا المزيد خلال الأعوام المقبلة.