أنا هنا لا أحلل مسيرة الفريق طوال العاميين الماضيين لكي يخرج أحدهم ويقول لي إن الخسارة بعد كل هذا المشوار ليست بهذا السوء ، لكني ألقي الضوء على هذه المباراة ولا سواها .. وما أدراك ما هذه المباراة عن سواها!
فيبدو أن جوزيه "صعبت عليه نفسه" وهو يرى فريقه ممسكا بزمام الشوط الأول فارضا سيطرته على وسط الملعب ، فقرر أن يزيد من حلاوة المباراة ويضع لنفسه تحديا جديدا - بعد أن فشل تحديه السابق للاتحاد بالثلاثي البرازيلي - مقررا أن يرفع من صعوبة المباراة على فريقه بتغييرات أقل ما توصف بها أنها "جهنمية" ، و"قصقصة ريش" .. ريشة ريشة .. الواحدة تلو الأخرى.
فالريشة الأولى التي قطعها جوزيه بيده لا بيد يوردانيسكو هي ريشة جيلبرتو ، الذي وإن لم يظهر حتى بمستواه المعهود إلا أنه يبقى أحد أهم اللاعبين التكتيكيين في الملعب ، بل وربما أكثر من محمد أبو تريكة نفسه الذي لم يكن متواجدا في المباراة بالمناسبة ، بل ومن الذي شارك مكانه؟ أحمد أبو مسلم ، الذي لم يدخل أجواء اللعب مع الأهلي إلا في الآونة الأخيرة ، وبالفعل كان أبو مسلم عند ظن الجميع به ، فجاءت معظم هجمات الاتحاد من الجهة اليمنى ، وبالطبع منها هدف المباراة الوحيد ، وأتمنى لو أن أحدا ممن شاهد المباراة يجيبني عن سبب اشتراك اللاعب في مباراة يعرف الكل أنها ليست مباراته على الإطلاق؟!
لكن من أجابني عن هذا السؤال العسير كان جوزيه نفسه ، عندما أخرج أبو مسلم وأشرك بدلا منه أسامة حسني ، وكأن المدرب البرتغالي رفع يده معتذرا للجميع ، ولسان حاله يقول : "سوري يا كباتن .. عطل فني"! .. فالتغيير لم يكن يعني سوى أن أبو مسلم كان يلعب في مباراة أخرى ، والدليل أن الأهلي حاول اللعب بعد ذلك بطريقة 4-4-2 ، ملقيا بـ"الغريب في الملعب" حسام عاشور في مركز الظهير الأيمن ، وأحمد السيد - غالبا - في مركز الظهير الأيسر ، خاصة وأن الوقت لم يكن يسعف الأهلي في تعديل أخطائه ، ومن ثم النتيجة ، فكانت المحصلة هرجا ومرجا وكرا وفرا في الدقائق العشرة الأخيرة من المباراة.
الريشة الثانية كانت الريشة القاتلة وهي خروج إسلام الشاطر "عادي مش مشكلة" ، ونزول حسام عاشور بدلا منه "وبصوا الحتة دي" : عودة بركات أهم أوراق الأهلي في المباراة بلا منازع إلى مركز الظهير الأيمن ، رافعا كل الضغط الهجومي والنفسي والمعنوي على خط دفاع الاتحاد ومدربه الروماني المتميز بحق ، وكان لمفعول التغيير السحر على أداء الفريقين ، فالأهلي فقد جبهتيه اليمنى واليسرى وخسر جناحيه اللذين طارا به لكل انتصاراته السابقة ، فكان من الطبيعي أن يسقط.
إن أحدا لا ينكر أن جوزيه مدرب متميز ، لكن يعيبه عيب غريب جدا ، إذ تفلت منه الأمور في كثير من الأحيان بتغييراته السلبية ، وكان الله يستر في بعض الأحيان عندما يواجه منافسين أقل كثيرا من مستوى الأهلي ، لكن هذه المرة جاءت الأخطاء أمام منافس على نفس مستوى قوته ، فكانت المباراة مثل "دور شطرنج" بين اثنين من أدهى اللاعبين ، فإذا أخطأ أحدهما استغل الثاني الخطأ على الفور وخطف الفوز .. ولا عزاء لندرة الأخطاء .. ولا للفرص الضائعة!
وبجانب جوزيه ، كانت هناك الكثير من الأخطاء الواضحة والمتفاوتة بين لاعبي الأهلي ، فالحضري تألق تألق تألق ، ولكنه على ما يبدو تذكر فجأة أنه لم يرتكب أخطاءً منذ فترة ، فكان خطؤه الأفدح منذ أكثر مما يزيد عن العامين ، ويأتي من بعد الحضري ثنائي الارتكاز حسن مصطفى ومحمد شوقي ، فقد بذلا جهدا طيبا في الارتداد الدفاعي وقطع الكرة ، إلا أن أخطائهما في التمرير كانت أكثر مما ينبغي على خط الوسط أن يتحمل ، وإذا راجعنا كل هجمات اتحاد جدة الخطرة نجد أن أساس الكرة تمريرة مقطوعة من أحد اللاعبين ، ثم يأتي أبو تريكة الذي لم يكن متواجدا في المباراة باستثناء لحظات قليلة.
وبالطبع لن أتحدث عن أبو مسلم الذي فعل في 35 دقيقة ما فشل لاعبو اتحاد جدة في فعله طوال 45 هي زمن الشوط الأول ، لكن الذنب ليس ذنبه ، وإنما ذنب من أشركه وهو يعلم أنها ليست مباراته.
عزيزي جوزيه ، تعاملت مع الجميع في الآونة الأخيرة بتعالٍ شديد وكأنك مورينيو نفسه ، لذلك يجب عليك أن تتقبل فرحة خصومك فيك ، وشماتة المذيع السعودي الذي أذاع المباراة أيا كان اسمه ، وتتحمل معاملة عمال مطار القاهرة معك عند عودتك ، ولعنات الجماهير في أول مران لك في الجزيرة ، لأنك وحدك ولا أحد سواك الذي هزمت نفسك وأضعت عليك وعلى كل جماهير الكرة المصرية فرصة تاريخية لسطر التاريخ ، ولا يعلم أحد إلا الله متى ستتاح لنا الفرصة مرة أخرى.