فأنا شخصيا - وغيري كثيرون ممن لا يعشقون جلد الذات - لسة قلبي إسود ، ولست مقتنعا حتى الآن بأن جنوب أفريقيا هي الأحق في أفريقيا بتنظيم مونديال أفريقيا 2010 ، ولست حتى الآن مقتنعا أيضا بأن مصر كانت تستحق صفر المونديال ، بل أرى أننا تعرضنا لعملية خداع باسم كرة القدم ، فقد جامل مسئولو الفيفا وعلى رأسهم الأخ بلاتر مصر بكلمتين حلوين ، وبعدها "إدانا زمبة" محترمة ، لأنه بسلامته "مستلطف" جنوب أفريقيا وستخف دمها ، ويراها أفضل وأجمل وأعظم ، ويراها هي الدولة المعبرة عن أفريقيا ، وليس دول الشمال في القارة السمراء ، وعلى رأسها مصر.
لست "شوفينيا" ، فنحن وقعنا بالفعل في أخطاء كثيرة في ملف المونديال ، أهمها المجاملة وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، ولكن صدقوني ، أخطاءنا لم تكن تستحق هذا التجاهل والإهمال من قبل مسئولي الفيفا الذين لم يصغوا لأي شيء في ذلك الوقت إلا لما تقوله جنوب أفريقيا وما تبثه آلات الدعاية الموالية لها!
قد يبدو هذا الكلام قديما ، ومحاولة لتفتيح الجراح ، ولكني تذكرته وأنا أشاهد روعة حفل الافتتاح الذي قدمه أبناء مصر على أرض وسماء استاد القاهرة ، والذي لا أدري لماذا شعرت فيه بأنه كان معدا خصيصا لكي يشاهده بلاتر ويشعر - ربما - بالندم!
ولكن السيد بلاتر يا جماعة ، مصر مش جاية على هواه على ما يبدو ، فهو يشعر بأنه كفاية يضحك علينا بكلمتين حلوين ، والدليل على ذلك أنه جاء إلى القاهرة من أجل حضور حفل افتتاح مشروع الهدف ، ثم حفل افتتاح بطولة الأمم الأفريقية ، ولكنه فور نزوله من الطائرة على أرض مطار القاهرة قال لمن حوله : "ظهري بيوجعني ، رجلي بتوجعني .. أنا عاوز أروح" ، ثم اتخذ قرارا سريعا غريبا - أقل ما يقال عنه إنه خال من الذوق - بالعودة تاني يوم إلى سويسرا دون حضور لا حفل افتتاح مشروع الهدف ، ولا حفل افتتاح بطولة الأمم الأفريقية!
وعلى الرغم من أنني كنت متأكدا من أن بلاتر لن يشعر ولن يحس بأي ندم أو تأنيب ضمير إذا شاهد حفل الافتتاح المصري للبطولة الأفريقية ، باعتبار أنه مقتنع تماما بأنه اختار الدولة الأفضل في أفريقيا لتنظيم مونديال 2010 - هوة حر طبعا - فإنني حمدت الله على أنه لم يحضر ، حتى لا يخرج من الاستاد ليقول لنا : "إنتو ليه تاعبين نفسكم قوي كدة" ، وهوة نفس التصريح الذي قاله لنا عندما خرج من حفل افتتاح بطولة كأس العالم للناشئين تحت 17 سنة التي نظمتها مصر بنجاح أيضا عام 1997 ، وكان يقصد من كلامه هذا أننا قدمنا حفل افتتاح مستواه أعلى بكثير من مستوى البطولة!
طيب ، إحنا كدة استفدنا إيه بقى من الكلمتين دول؟!
المهم ، أنا لا أريد أن أعكنن عليكم بذكريات صفر المونديال ، ولكني تذكرت هذه المرارة رغما عني وأنا أشاهد حفل افتتاح أقل ما يوصف به هو أنه مبهر ، بل شديد الإبهار ، ومليء بالذوق الرفيع ، ويستحق كل من شارك فيه من متطوعين وعارضين الشكر والتقدير ، فضلا عن أن الاستاد نفسه كان رائعا ، والجمهور كان نظيفا وراقيا ولا الممثلين في أفلام عبد الوهاب القديمة ، والتصوير التليفزيوني كان ممتعا ، حتى شوارع القاهرة في هذا اليوم كانت خالية وأشبه بصورة طريق العروبة في أغنية "خايف مرة أحب"!
كما يستحق النجوم خالد النبوي وهشام عباس وسميرة سعيد ، والمذيعة ولاعبة التنس السابقة ياسمين عبد الله كل التحية على الصورة المشرفة التي ظهروا عليها خلال الحفل ، ونالوا عليها استحسان الجماهير والحاضرين.
وطبعا ، لقد تعمدت الحديث عن حفل الافتتاح وليس عن مباراة ليبيا ، لأنني مقتنع تماما بأن مكسب مصر المعنوي والمادي والحضاري من هذا الإبهار أكبر بكثير من مكسبنا في مباراة سهلة على فريق متواضع المستوى مثل فريق ليبيا ، فضلا عن أنني ما زلت أرى السلبيات والأخطاء في صفوف المنتخب المصري أكثر من اللازم.
ولكن على أي حال ، مبروك لمنتخب مصر ، وألف مليون مبروك للتنظيم والمظهر الحضاري الذي رأيناه في يوم الافتتاح .. وقبل أن أختم حديثي ، أتمنى ألا يخرج علينا أعضاء حزب "جلد الذات" ليقولوا إن الألعاب النارية والصواريخ التي تم إطلاقها في سماء استاد القاهرة كانت كفيلة بإطعام مش عارف كام قرية وكام فقير ، لأن أي فقير في أي بيت مصري يزوره عمدة بلدهم في داره لازم يدبح له دكرين البط إللي عنده .. حتى ولو لم يكن يملك غيرهما .. مش كدة وألا إيه؟!
أما السيد بلاتر فنصيحة خالصة لوجه الله تعالى .. مجاملتك لجنوب أفريقيا على حساب شعب مصر لم