كنا نخشى التعادل أمام ليبيا والخسارة أمام المغرب وكوت ديفوار ، فإذ بالمنتخب المصري ينتفض ويفاجئ الجميع بمن فيهم مشجعيه ، ليكتسح المنتخب الليبي ، ويتعادل مع المغرب في مباراة كان الأقرب فيها للفوز ، قبل أن يثأر من "الأفيال" وينتزع أنيابهم ومعها صدارة المجموعة ، ويصعد لملاقاة الكونجو ، ويصبح الطريق إلى المباراة النهائية مفتوحا بعد ابتعاد تونس عن طريقنا في قبل النهائي ، وهو طريق من اتجاه واحد لا يصل إلا للكأس المنشودة.
ويجب أن أعترف بأنني كنت متشائما في قدرتنا على احتلال صدارة المجموعة والابتعاد عن "أسود" الكاميرون التي سنت كل أنيابها من أجل هذه البطولة ، وهذه عادتي دائما ، لأني أفضل الواقعية وإن كانت ممزوجة بتشاؤم عن التفاؤل والإغراق في الأحلام ، حتى لا تصيبني صدمة في حالة حدوث أسوأ الاحتمالات.
لقد حلت في أرواحنا جميعا روحا جميلة من الثقة بالنفس عقب الفوز على كوت ديفوار - حتى وإن كانوا "أفيال تقليد" - ورحنا نحتفل بالفوز ، حتى أن حوارا دار بيني وبين زملائي في الموقع أثناء سير مباراتي الكاميرون مع الكونجو وأنجولا مع توجو عمن نتمنى أن نلاقي في دور الثمانية ، البعض يتمنى الكونجو والبعض يدعو لأنجولا ، حتى انتهى النقاش بإعلان أحد الزملاء رغبته في ملاقاة توجو التي ودعت المنافسة قبل الجميع!
إلى هذا الحد ارتفعت ثقتنا في أنفسنا ، وأصبحنا لا نكترث كثيرا لمنافسنا في الدور التالي ، ولأننا نعلم المنتخب المصري تمام المعرفة ، فإن أول شيء يجب أن نفعله هو ألا نسلم ذقوننا لشحاتة وأبنائه بهذه السهولة ، خاصة ونحن نعلم كيف تأتي الثقة دائما معنا بنتيجة عكسية!
وهنا أتذكر مقولة أحد الزملاء بأن النجاح الذي تحققه أي مجموعة يجب ألا ينسب للجميع ، بل كل بنسبته ، وإذا كان للنصر ألف أب ، فإن العلم الحديث تطور وبات بإمكاننا التعرف على الأب الشرعي لأي فوز ، ودون اللجوء إلى تحليل الحمض النووي "موضة اليومين دول".
فالأب الشرعي لانتصارات المنتخب في كأس الأمم حتى الآن هو الجمهور الذي يزحف قبل أي مباراة للفراعنة بعدة ساعات تزيد بضعفين عن زمن المباراة ذاتها ، ويعاني من مضايقات الأمن والخيول التي تحيط بالاستاد محيلة إياه إلى ما يشبه محاجر السجون ، بل وعدم وجود مأكولات أو مشروبات داخل المدرجات إلا "بالشيء الفلاني" ، لكنه وببسالة أبطال الأساطير الإغريقية نجده يملأ المدرجات تماما ، حتى أن كثير من الجهات العالمية حذرت من حدوث كارثة إنسانية داخل الاستاد بعد ما رأوه من تدفق على المدرجات التي امتلأت عن آخرها بتشجيع لم أر مثله من قبل.
وبعد الجمهور يأتي دور المهارات الفردية الفنية لبعض اللاعبين ، والمجهود الوفير للبعض الآخر ، ومن قبلهما الروح القتالية الرهيبة التي يتحلى بها المصريون وقت الشدة ، فتألق الحضري أفضل حراس البطولة بلا منازع ، ثم خط الدفاع بأكمله بما فيه إبراهيم سعيد الذي أبهرني بشدة في البطولة ، إلى مهارة أبو تريكة في قيادة خط الوسط ، ومعه أحمد حسن الذي أختلف مع الجميع بشأن مستواه مع الفريق ، ليس لأنه صديق شخصي ، وإنما لأنه يلعب في مركز غير مركزه الأصلي دون أن يشعر أحد بذلك لأنه لا يتذمر ، كما أنه يحتفظ بالكرة كثيرا لأسباب تتعلق بالتكتيك - لا يتسع المقال للحديث عنها - وليس لأنه يفضل الاحتفاظ بالكرة عن تمريرها إلى زميل منفرد.. هؤلاء هم الذين صنعوا الفارق للمنتخب ، ومعهم باقي زملائهم الذي يتفاوتون في نسبة أبوتهم للفوز.
وأعلم أن الكثيرين سوف يختلفون معي بشدة عندما أقول أن حسن شحاتة المدير الفني للمنتخب أقل المساهمين في أبوة الانتصار المصري ، فأي محلل حقيقي لمباريات المنتخب يستطيع بسهولة استخراج الأخطاء الفنية والتكتيكية التي نعاني منها ، وليس معنى تحقيق الفريق لانتصارات إن كل شيء على ما يرام ، والدليل على ذلك فشلنا في الفوز على المنتخب المغربي المنهار تماما في البطولة ، والذي قال لي أحد لاعبيه إن الفارق بين مصر والمغرب في البطولة هو الجمهور المصري ، كما أن أول ما أشاد به أي من شاهد مباراة كوت ديفوار هو الروح القتالية للاعبي مصر وليس شيء آخر ، وهذه المشكلة ستظهر أمام أي مدرب قوي ، حيث لن تستطيع الروح القتالية وحدها التغلب على منافس يلعب على ثغراتنا ، وهو ما قاله الزميل هاني عسل.
ورأيي هذا لا أ