.. أقول هذا وأنا مسئول بنسبة 100% عما أقول ، ومن يعتقد بأننا لا يجب أن نكون هناك فليقل لي كيف تأهلت 5 فرق على الأقل للمونديال القادم .. ومعظمهم من أفريقيا!
في صيف عام 1998 ، فكر الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في إقامة بطولة كأس عالم جديدة تحت 14 سنة ، كان الأمر مجرد فكرة ، وكانت هناك ضرورة للبحث عما يبدي حماسا للفكرة ، باعتبار أن نجاح بطولة كهذه أبطالها أطفال صغار وملاعبها يجب أن تكون أشبه بملاعب الكرة الخماسية ، مسألة غير مضمونة.
وتقدمت شركة أديداس العالمية للمبلاس والأدوات الرياضية سريعا بعرض مغر لتنظيم بطولة تجريبية تحت اسم "مونديال الصغار" ، وقررت دعوة أكثر من 100 دولة للمشاركة في هذه البطولة دون تصفيات ، وقررت – بهدف الدعاية للبطولة – إقامة هذه البطولة في فرنسا في صيف عام 1998، ومتى؟ في الأسبوع الذي يسبق كأس العالم للكبار عام 1998 مباشرة .. وأين؟ في قلب العاصمة الفرنسية نفسها ، وتحديدا في ملاعب مفتوحة مقامة خصيصا لهذه البطولة في منطقة برج إيفل وميدان التروكاديرو وما حولهما ، وأن تكون الملاعب مفتوحة عن بعد لمن يرغب من الجماهير لكي يشاهد المواهب الصغيرة ، ولكن دخول الملاعب نفسها مقصورة على المشاركين في المباريات والإعلاميين.
تخيلوا ، حديقة برج إيفل التي كانت مديحة كامل تلتقي فيها بجميل راتب في فيلم "الصعود إلى الهاوية" ، وسلالم ميدان التروكاديرو الشهيرة التي غنت عليها وردة "ليالينا" في أه يا ليل يا زمن كانت مغطاة بملاعب الترتان ومنشآت البطولة الصغيرة الكبيرة!
كانت الفكرة رائعة ، وكان التنظيم جبارا ، وأزعم أن أديداس أنفقت عشرات الملايين لإقامة هذه البطولة بهذه الطريقة ، فقد تحملت نفقات سفر وإقامة عدد هائل من البشر ، وفي توقيت يصعب العثور فيه على موضع لقدم في باريس أو في أي مدينة فرنسية أخرى إلا بالشيء الفلاني!
وكان لي شرف مرافقة بعثة مصر في هذه البطولة ، والتي كان رئيس البعثة فيها محمود الخطيب ، وكان معنا أحمد بكر مديرا إداريا ، وعلاء ميهوب مدربا للفريق ، ومن اللاعبين مجموعة من البراعم الصغار الذين رفعوا رأس مصر بالفعل ، وأذكر من بينهم صبيا نحيفا هو عمرو الحلواني – لاعب الأهلي الحالي – وآخرين لا أذكر أسماءهم وإن كان معظمهم من اللاعبين الحاليين أيضا.
قبل وصولنا إلى فرنسا ، وكان ذلك قبل كأس العالم للكبار بأسبوع ، لم نكن نعرف شيئا عما يسمى بـ"أجواء كأس العالم" ، ولكني – والحق يقال – شعرت بهذه الأجواء منذ وجودنا في الطائرة التي أقلتنا إلى مطار أورلي بباريس.
الطائرة كانت مليئة بالمصريين ، سمير زاهر في طريقه إلى باريس للمشاركة في اجتماعات المكتب التنفيذي للفيفا بوصفه رئيس الاتحاد المصري – آنذاك – وكان هناك عازف البيانو العالمي رمزي يسى في طريقه إلى عاصمة الفن لإحياء حفلات هناك ، وغيرهما.
أثناء جلوسي في القاهرة ، أحسست من الركاب الفرنسيين القلائل أنهم لا يشعرون أن فريقهم قادر على الفوز بكأس العالم ، فأمامي رجل يتصفح جريدة "لوموند" وهو يشير إلى زوجته إلى صورة للاعبي منتخب فرنسا من ذوي البشرة السمراء ، وتحديدا أنجلوما وباتريك فييرا وحتى زيدان المنحدر من أصول عربية ، وأسمعه يقول لها بالفرنسية يقول لها باستياء بالغ : "أهذا منتخب فرنسا حقا"؟! فترد عليه بقولها : "حتى أولئك ممن يملكون ملامح أوروبية قليلون"!!
ومع اقتراب الطائرة من مطار أورلي بباريس ، فوجئت وفوجيء ركاب الطائرة بأن الوضع مختلف ، وبأن كأس العالم قد بدأ بالفعل ، بل وتأكدت أن هذا الرجل وزوجته لا يمثل إلا رأيا عنصريا متطرفا لم يعد يعبر عن غالبية قطاعات الفرنسيين ، فقد رأينا بوضوح – من السماء – صورة عملاقة بمعنى الكلمة لزين الدين زيدان معلقة في سماء المطار بطريقة فنية تجبر ركاب الطائرات المحلقة فوق المطار أن يشاهدونها بوضوح شديد ، وكانت الصورة مكتوب عليها عبارة "هيا يا زيزو" بالفرنسية طبعا.
وداخل المطار سألت أحد العاملين عن سبب وضع هذه الصورة بهذا الشكل فأجب قائلا : نريد لكل من جاء إلى فرنسا أن يعرف أننا سنفوز بالكأس ، ونريد من أي فريق يفد إلى بلادنا أن يدرك أننا نلعب على البطولة وليس على مجرد الاستضافة والتمثيل المشرف"!
في الطريق إلى الفندق ، كانت الأجواء تشير إلى أن كأس العالم أمر مختلف تماما ، فالمسألة ليست مجرد عمال يقومون بطلاء الأرصفة والسور المعدني للكوبري ولا مجموعة من الأعلام القذرة التي يتم رفعها في أعلى أعم