أحمد عز الدين

نهائي المتعة .. وهفوة هيدينك

عشر دقائق تخلى فيها جوس هيدينك عن تركيزه قضت على كل العمل الذي قدمه مع تشيلسي طوال الأشهر الماضية، ونصرت الكرة الجميلة بوصول برشلونة إلى النهائي لمواجهة مانشستر يونايتد في مباراة تعد بمتعة كروية لا حدود لها.
الجمعة، 08 مايو 2009 - 02:46
عشر دقائق تخلى فيها جوس هيدينك عن تركيزه قضت على كل السحر الذي قدمه مع تشيلسي طوال الأشهر الماضية، ونصرت الكرة الجميلة بوصول برشلونة إلى النهائي لمواجهة مانشستر يونايتد في مباراة تعد بمتعة كروية لا حدود لها.

بداية، أود الإشارة إلى أني لست من أنصار مبدأ أن الكرة الجميلة هي التي تقدم وجها هجوميا فقط، لا يعرف الالتزام الدفاعي أو الواقعية.

فالكرة الجميلة هي التي تقود صاحبها إلى مبتغاه، سواء كانت دفاعية أو هجومية .. والفريق الأفضل هو الذي يخوض كل لقاء بحسب إمكانياته وإمكانيات خصمه.

لهذا أرى مانشستر يونايتد الأفضل في أوروبا حاليا، لأن طريقة لعبه تتغير مع كل مباراة بحسب الخصم، ولأن لاعبيه يتحورون بالشكل الذي يتطلبه اللقاء.

هذا ما يفتقده برشلونة حاليا، ولم يقدمه هيدينك في الدقائق العشر الأخيرة من مواجهته مع الفريق الإسباني، وطبعا لا يملك أرسنال فعله في ظل قائمة "الأولاد" التي يملكها.

تشيلسي 1-1 برشلونة

كان تشيلسي الأحق بالتأهل إلى النهائي بفضل ساحره الهولندي جوس هيدينك، ولولا عشر دقائق من إهمال المدرب المخضرم لكان الزرق المرشح الأول للقب.

فلا هو اختار تأمين الدفاع بإشراك جون أوبي ميكيل على حساب فرانك لامبارد، ولا هاجم برشلونة بلاعب كسالمون كالو بدلا من الدفع بجوليانو بيليتي حين كان خصمه يلعب بعشرة.

هذا الخطأ أهدر كل العمل الذي أبدع فيه هيدينك خلال الذهاب والإياب، قتل كل الخطط والقراءات والتحليلات التي رجحت كفة تشيلسي على أقوى فريق هجومي في العالم حاليا.

كما ألوم هيدينك في عدم وضع فلوران مالودا على الجانب الأيمن ونيكولا أنيلكا يسارا، لأن وجود أنيلكا يمينا جعل دوره دفاعيا فقط، أما لو كان لعب وراء دانيل ألفيش، لحصل على مساحة أكبر لأداء دورا هجوميا.

ثم أن ثقل أنيلكا في المراوغة جعله لا يستغل ثغرة أبيدال الكبيرة في دفاع برشلونة، لكن لو لعب مالودا يمينا وواجه مواطنه الضعيف دفاعيا لاختلف شكل تشيلسي الهجومي.

أما اختيارات هيدينك، جعلت دفاع برشلونة مرتاحا أغلب اللقاء، حتى أن يايا توريه ظهر بشكل "مقبول" لأنه لم يتعرض لأي اختبار لملكاته كمدافع في التمركز، بل انحصر عمله في الرقابة الفردية التي اعتاد على فعلها كلاعب وسط مدافع.

وفيما يخص برشلونة، فقد يستغرب البعض من إيماني بأن طرد إريك أبيدال كان صاحب الفضل في صعود الفريق الكتالوني للنهائي.

فطرد الظهير الفرنسي أجبر جوسيب جوارديولا مدرب برشلونة على تعديل طريقة لعب فريقه، وهي الخطوة التي كان على المدرب الشاب الإقدام عليها منذ الذهاب لأنها أربكت حسابات تشيلسي فأخرجته عن التمركز الصحيح لدقائق استغلها أندريس إنيستا بهدف قاتل.

فمنذ لقاء الذهاب، وطريقة لعب برشلونة 4-3-3 مدروسة من قبل هيدينك ومكشوفة أمام تشيلسي، وظهر ذلك في عدم خلق الفريق الكتالوني لزيادة عددية على خصمه.

وظل جوارديولا متمسكا بالطريقة، لدرجة أنه لم يفكر في تغيير أسلوب اللعب حين رغب في إقحام بويان كريكتش، فأخرج هداف الفريق صامويل إيتو.

كان على جوارديولا وقتها تركيز أدوات فريقه على جناح واحد سواء يمينا أو يسارا، وذلك بنقل ليونيل ميسي من الطرف إلى عمق الملعب وتحويل إنيستا إلى جناح صريح.

وقتها كان ميسي سيقترب أكثر من شابي هرنانديز وراء إيتو وتييري هنري وبجانبه إنيستا، فكانت المساحات ستضيق بين لاعبي برشلونة وتظهر أهم مميزات الفريق الكتالوني في قدرة لاعبيه على تناقل الكرة بشكل سليم تحت الضغط، والتحرك بخفة بين خطوط العدو.

وبالعودة إلى لقاء الإياب حين طٌرد إبيدال، إذ اضطر جوارديولا للعب على جناح واحد لأن سيدو كيتا تحول إلى ظهير.

وضع جوارديولا إنيستا على الجبهة اليسرى، ودخل ميسي في العمق فتحرك مع شابي تحت إيتو، بينما تولى دانيل ألفيش أمر الجناح الأيمن وحده.

والنتيجة أن دفاع تشيلسي أٌجبر على التراجع حتى شعرت أن جون تيري يلعب كحارس مرمى مساعد لبتر تشيك، وهو ما كان يجب حدوثه منذ لقاء الذهاب.

أرسنال 1-3 مانشستر يونايتد

يمكن القول إن أفضل ما يميز هذا الفريق مرونة مدربه ولاعبيه الخططية .. طبعا أحكي عن مانشستر يونايتد.

ففيرجسون يختار طريقة اللعب التي تناسب المباراة، وليس كبرشلونة مصر على 4-3-3 أو كأرسنال لا يملك من اللاعبين ما يساعده على وضع التصور الأمثل وتنفيذه.

يحتاج فيرجسون إلى مهاجم سريع، فيختار كريستيانو رونالدو .. يبحث عن جناح يقدر على الاختراق وله فاعلية كبيرة على المرمى فيكون واين روني سلاحه .. وهكذا.

أما أرسنال، فلم يكن له حولا ولا قوة .. وسيظل على هذا الحال مادام مدربه أرسين فينجر مصرا على فلسفته المبالغ فيها.

وأتمنى لو فكر فينجر، ماذا لو تعاقد أرسنال مع أندريه أرشافين منذ بداية الموسم؟ ألم يكن هذا ليساعد المدفعجية على النجاح.

فينجر صرح بأن إدارة أرسنال عرضت عليه التعاقد مع شابي ألونسو من ليفربول، فكان رده "رفضت حتى لا أقتل موهبة سونج أو دينلسون" .. فماذا سيكون رأيه اليوم؟

على فينجر النظر إلى عدوه، ففيرجسون أخرج ريان جيجز وبول سكولز وحول لاعبين متوسطي القيمة كنمنيا فيديتش إلى نجوم واشترى نجوما بأرقام كبيرة كمايكل كاريك.

أما فيما يخص الجانب الخططي، سأكتفي بتوضح الأخطاء التي وقع فيها فينجر أثناء اختياره لخطة المباراة، لأن اللقاء حٌسم في عشر دقائق تقريبا وكان ما قبله أهم مما حدث فيه.

أخطأ فينجر في اختيار أسلوب الدفاع إذ لعب بخط ظهر متقدم رغم أن كارين جيبس ويوهان دجورو لا يملكان القدرة على تنفيذ تلك الطريقة .. فخبراتهما المحدودة منعتهما من التمركز السليم وأداء مهام رئيسية كالتغطية العكسية والتي أهدت مانشستر الهدف الأول.

كما أن ترتيب أفراد وسط أرسنال ساعد مانشستر جدا، إذ كان تغيير مركز سمير نصري ووضعه كدعامة ذات أدوار دفاعية بجانب سيسك وسونج في عمق الملعب فاشلا.

ذلك لأن نصري لا يجيد هذا الدور، كما أن هذه الطريقة قلصت من ظهور سيسك فابريجاس هجوميا، لأنه وسونج فقط واجهها خمسة لاعبين من مانشستر.

وكان على فينجر الدفع بدينلسون في وسط الملعب الدفاعي بجوار سونج من بداية المباراة، على أن يلعب سيسك دور سمير نصري ويبقى الأخير على مقاعد البدلاء كورقة رابحة.

هذا كان سيجعل سيسك رابطا بين الوسط والهجوم كستيفن جيرارد في ليفربول، وهو لاعب يجيد أداء هذا الدور على عكس نصري الذي ركض كثيرا وأنتج مالا يذكر.

ثم لم أفهم سر وجود روبن فان بيرسي على الجانب الأيسر، نعم نجح المهاجم الهولندي في إجبار جون أوشيه على عدم التقدم لمساعدة بارك جي سونج في الجانب الأيمن .. لكن هل أصلا كان سيمثل صعود أوشيه للهجوم أزمة أمام أرسنال؟

فكرة فينجر كانت منع أوشيه من مساندة بارك جي سونج في الضغط على جيبس لأنه قليل الخبرة، بينما في الواقع بارك لم يحتج لمعاونة من أحد حتى يتخطى الظهير اليافع.

بل أرسنال خسر فرصة اللعب بمهاجمين وظهر إيمانويل أديبايور وحيدا كالعادة بلا دعم .. وفي المقابل، لم يتعب فيرجسون كثيرا أثناء اللقاء، بل كان عمله قبل المباراة هو السبب الرئيسي في وصول فريقه للنهائي.

وضع فيرجسون روني على الجانب الأيسر، وذلك لأن باتريس إيفرا في الأسابيع الماضية ظهر بعيدا عن مستواه خاصة أمام توتنام في الدوري الإنجليزي.

لكن مع وجود روني يسارا، بات مضمونا لفيرجسون أن إيفرا لن يواجه عددا كبيرا من الخصوم، لأن المهاجم الذهبي لمانشستر يمنع ظهير الفريق المنافس من التقدم.

ومنذ ذلك الحين، وإيفرا يظهر بشكل جيد، إضافة إلى أن روني لا يلعب هذا الدور فقط، بل تؤهله طاقته لتهديد مرمى الخصم ولعب دور مؤثر في هجوم فريقه.

النقطة الثانية في خطة فيرجسون كانت الاعتماد على رونالدو كمهاجم، لأن المدرب الاسكتلندي فطن إلى نية فينجر باللعب بدفاع متقدم.

وهنا أشيد برونالدو الذي يتلقى انتقادات مثل أنه لاعب يختفي في المباريات الكبرى وأنه بعيد بكثير عن ليونيل ميسي ولم يستحق جائزة الأفضل في العالم.

طبعا لا يمكن إنكار تفوق ميسي على رونالدو في المهارة الفردية، لكن البرتغالي الدولي فعال بما لا يقاس ويتطور بشكل مذهل يجعله أداة قاتلة في يد مدربه.

فرونالدو يلعب بالرأس ويملك الجسد الذي يؤهله لأداء دور رأس الحربة الوحيد ويمكنه حسم أي لقاء بركلة ثابتة، كل هذا يميز البرتغالي على ساحر الأرجنتين ميسي.

وفي النهاية، أعتقد أن القدر نصف كرة القدم بوصول مانشستر وبرشلونة إلى النهائي، لأن وجود تشيلسي في مواجهة الشياطين الحمر كان سيأتي على حساب المتعة التي ينتظرها الجمهور للتفريغ عن "همومه المحلية".