كتب : أحمد سعيد | السبت، 26 سبتمبر 2009 - 05:00

اللي مالهمش "فيفا"

بعد مرور أول يومين من كأس العالم للشباب التي تستضيفها مصر، بات واضحا أن هناك مشكلة تنظيمية خطيرة يمكن تلخيصها في جملة سعيد صالح الشهيرة "كل حاجة سليمة بس لوحدها".

فالبطولة تابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، وتديرها مصر من خلال اللجنة المنظمة، التي تستعين بخدمات جهات تنفيذية أخرى، وكل من سبق يعمل وفقا لخطة عمل خاصة به ومن خلال تعليمات تصدر من جهات مختلفة.

وظهر التضارب في الاختصاصات والمسؤوليات سواء في برج العرب بما شهده من إثارة بسبب الأعداد الغفيرة من الجماهير، وحفل الافتتاح، وحضور الرئيس مبارك كما شهده اليوم الثاني في استاد القاهرة الذي استضاف لقاء وحيدا حضره أقل من خمسة آلاف متفرج ولم يشهد ضغطا حقيقيا كالذي يتوقع حدوثه في المباراة الثانية لمنتخب مصر.

ولم تكن مآساة الجمهور من حاملي تذاكر المباراة الذين لم يستطعوا دخول الملعب هي الوحيدة في اليوم الأول، ولكن كواليس اللقاءات الصحفية عقب المباراة جسدت قدرا كبيرا من التخبط وعدم التعاون بين الأجهزة المختلفة.

ففي منطقة إجراء لقاءات ما بعد المباراة (Mixed Zone) نشبت مشادة كلامية عالية النبرة بين أحد مسؤولي اللجنة المنظمة ومدير المركز الطبي التابع للاستاد بسبب أمر غريب: الأول يريد غلق باب المركز الطبي أثناء التصوير التليفزيوني والثاني يريده مفتوحا طوال الوقت!

لم تكن هذه هي المشكلة الحقيقية بقدر ما كانت الأزمة في طبيعة الحوار. فمسؤول اللجنة المنظمة يحاول إقناع الطبيب بأنه غلق الباب أثناء مرور اللاعبين والتصوير "هو أحد تعليمات الفيفا" والطبيب الغاضب يرد بأعلى صوته "أنا ماليش دعوة بالفيفا، أنا باخد تعليماتي من مستشار وزير الصحة!"

ويعود الأول ليؤكد له أن البطولة بأكملها تتبع الاتحاد الدولي، والثاني يقسم بأغلظ الأيمان بأنه لن يغلق الباب ويخالف أوامر مستشار الوزير حتى ولو جاءت الفيفا بنفسها حتى بابه.

لم يكن الطبيب وحده هو من ينتمي إلى فصيلة "اللي مالهمش فيفا" وإنما انضم إليه ضابط شرطة دخل في مشادة أخرى مع المسؤول نفسه، بسبب رغبة الضابط في العبور من خلال منطقة إجراء الأحاديث بعد بدء دخول اللاعبين بالفعل.

وتكرر الأمر نفسه في الصراع ما بين تعليمات الفيفا وتعليمات الأمن، وبالطبع انتصر الأخير وعبر من حيث لا يرغب الأول، ما جعله يفقد الأمل في إمكانية تنظيم الأمر كما يرغب مسؤولو الاتحاد الدولي، فترك المكان كله، ليفاجأ المراسلون بعد دقائق بعبور "مطرب الاستاد" الشهير حسن فهمي من المنطقة نفسها، وكأنه فيلم كوميدي هابط من إنتاج حقبة السبعينات.

الأزمتان السابقتان حدثتا بسبب التضارب في المهام واختلاف الجهات المسؤولة عن الإشراف والمتابعة، على الرغم من الحماس الواضح الذي ظهر على الشباب والفتيات من المتطوعين في المركز الصحفي قبل وأثناء وبعد اللقاء، وهو ما نزع فتيل كثير من المشاكل التي كانت من الممكن أن تحدث في ذلك اليوم.

التضارب اتخذ صورة مختلفة في اليوم الثاني، الذي شهد أول مباراة في استاد القاهرة بين باراجواي وإيطاليا. فالجميع أيضا يبدون أكبر قدر ممكن من التعاون مع الصحفيين، ويبذلون كل ما في وسعهم لتسهيل مهمتهم، ولكن المشاكل ظهرت أيضا من خلال الثغرات الناتجة عن اختلاف الجهات المسؤولة.

فالصحفيون الأجانب وجدوا صعوبة بالغة من العثور على البوابة المخصصة لهم، بسبب العلامات الإرشادية التي أشارت إلى أن اللون الأصفر يعني مدخل للصحفيين، ولكن الخريطة الموجودة عن نقاط الاستعلامات لا توضح أي بوابة تحمل لونا أصفر حتى يتجه إليها المراسلون!

المشكلة الثانية كانت في موعد إغلاق المركز الصحفي نفسه، والذي تقضي التعليمات بإيقاف العمل فيه في الثامنة مساء، وهو موعد لا يناسب الصحفيين العاملين في دول أمريكا اللاتينية أو جنوب شرق أسيا بسبب فروق التوقيت.

وثار بعض الصحفيين البرازيليين بسبب محاولات المتطوعين إخلاء المركز في الثامنة مساء فيما كان بعضهم لايزال يواصل عمله سواء بالكتابة، أو بالتسجيل لمحطات إذاعية وخلافه. ولم ينقذ الموقف سوى مدير المركز الصحفي في استاد القاهرة الذي أعطى تعليماته بإبقاء المركز مفتوحا لساعة إضافية مع التشديد على أن القرار يأتي على مسؤوليته الشخصية.

ولكن الأفراد العاملين حتى التاسعة أنهوا مهمتهم ليجدوا الجميع قد غادر من دون وجود شخص يسألونه عن بوابة الخروج المتاحة، أو الطريق نحو أقرب طريق رئيسي ما جعلهم يخوضون جولة أخرى من التخبط داخل أسوار الاستاد حتى نقطة الخروج في صلاح سالم.

الانطباع الذي خرج به الكثيرون بعد أنشطة اليومين الأول والثاني هو أن المصريين يمتلكون قدرا كبيرا من البشاشة والرغبة في مساعدة الأجانب، والحماس لتقديم أفضل صورة ممكنة، ولكن هذا الهدف لا يتحقق بسبب خلل إداري وعدم التنسيق بين الأجهزة المختلفة.

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات